تعيش البرازيل على وقع استقطاب حاد بين أنصار اليمين المتطرف واليسار يزيد الهوة بين الجانبين.. هل باتت ديمقراطية البلد اللاتيني في خطر؟
بات استمرار النظام الديمقراطي بالبرازيل موضع شك، إثر أعمال شغب اجتاحت البلاد، بعد أسبوع واحد من فوز اليساري لولا دا سيلفا بالرئاسة.
وتعيش أكبر دولة في أمريكا الجنوبية على وقع استقطاب حاد، إذ يرفض أنصار اليمين المتطرف نتيجة الانتخابات الرئاسية بعد خسارة جايير بولسونارو بفارق ضئيل، حتى إن بعض هؤلاء اقتحم القصر الرئاسي ومبنى الكونجرس (البرلمان) ومقر المحكمة العليا.
أعمال شغب واعتقالات
في مشهد غير مسبوق، اقتحم أنصار الرئيس اليميني بولسونارو، بعد انطلاق مظاهرات، أول من أمس الأحد 8 يناير 2023، القصر الرئاسي بالعاصمة برازيليا، واعتدوا على عناصر الأمن، وحطموا الحواجز، ونهبوا المكاتب الرئاسية، واستمرت الأحداث لمدة 3 ساعات حتى استتب الوضع مجددًا، وفقًا لقناة سكاي نيوز البريطانية.
واعتقلت السلطات ما لا يقل عن 400 شخص شاركوا في أعمال الشغب، وبعد خروج الأوضاع عن السيطرة، نزلت قوات الجيش إلى شوارع العاصمة للسيطرة على الفوضى التي بدأت بمظاهرات معارضة لنتيجة الانتخابات، ولكن الأحداث تفاقمت ووصلت إلى هذا الحد.
غضب اليمين
تفاقمت الأحداث بعد إعلان نتيجة الانتخابات وفوز الزعيم اليساري لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، في حين أن أنصار اليمين المتطرف دعوا الجيش إلى التدخل “وإعادة الانتخابات المسروقة”، ومنذ أكثر من شهر يقيم أنصار بولسونارو، اعتصامات أمام ثكنات الجيش بحميع أنحاء البلاد.
ويبدو هذا المشهد حصيلة سنوات من ادعاء بولسونارو أن نخب البلاد تستهدف إزاحته، وأن منظومة الانتخابات يشوبها فساد، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ولكنه لم يؤكد هذه الادعاءات بأدلة حتى الآن.
معاقبة المتورطين
في غضون ذلك، أصدر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، مرسومًا طارئًا يسمح للحكومة الفيدرالية باتخاذ أي إجراءات ضرورية لاستعادة النظام في العاصمة البرازيلية، مشددًا على أن من شارك في الأحداث سيقع تحت طائلة القانون.
واتهم الرئيس البرازيلي، المشاركين في الأحداث بـ”الفاشية” ووصفهم بأنهم “فعلوا ما لم يحدث في التاريخ”، زاعمًا أن سلفه اليميني تسبب في هذه الأحداث، وعَقّب بولسونارو نافيًا هذه الاتهامات. وقد غادر الرئيس السابق البلاد قبيل تنصيب لولا، وتغيب عن مراسم التنصيب مخالفًا بذلك الأعراف الرئاسية.
استقطاب حاد
في ذات الصدد، ما زال الرئيس اليميني السابق يرفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات، لكنه ندد بأعمال العنف واقتحام القصر الرئاسي، ومعترفًا في ذات الوقت بالحق في التظاهر السلمي، حسب ما كتب في تغريدة على تويتر.
وتعاني البرازيل بسبب مناخ سياسي حاد الاستقطاب بين أنصار اليمين واليسار، في ظل موجة تضخم وارتفاع للأسعار، مع انخفاض معدلات النمو وأزمات اجتماعية تشهدها أكبر دولة بأمريكا اللاتينية.
إدانات دولية
في تغريدة على تويتر، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن دعمه للديمقراطية بالبرازيل، مبديًا أسفه لاقتحام القصر الرئاسي. وشددت إسبانيا والبرتغال وفرنسا على دعمها للرئيس لولا دا سيلفا. وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، إنه يجب احترام المؤسسات الديموقراطية بالبرازيل. ووصف المستشار الألماني، أولاف شولتز، الأحداث بـ”الاعتداء على الديمقراطية”.
وأصدرت المحكمة العليا بالبرازيل أمرًا بإنهاء كل اعتصامات المتظاهرين، وأبلغت الشرطة باعتقال أي متظاهر لا يزال في الشارع في غضون 24 ساعة.
وقارنت وسائل إعلام أمريكية المشهد بأحداث 6 يناير واقتحام أنصار ترامب الكونجرس الأمريكي (الكابيتول)، في ظل تنديد بـ”الطريقة التي تتعامل بها التيارات اليمينية مع الديمقراطية” و”الجنوح لتبني نظريات المؤامرة، ومحاولة فرض خياراته بالقوة، ما قد يودي بجوهر العملية الديمقراطية”.
مصاعب جمة
في سياق متصل، تلفت الباحثة المصرية المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية، إليان بطرس، إلى أن جملة من التحديات تواجه الرئيس البرازيلي، في ظل حالة الانقسام الحاد والاستقطاب بين الأطراف المتناحرة، وعلاوةً على الأزمات السياسية، أمام الزعيم اليساري تحديات اقتصادية متنوعة.
وتشدد إليان بطرس، وهي مديرة برنامج دراسات العلاقات الدولية بمركز جسور للدراسات الاستراتيجية، على ضرورة إعادة النظر في بنية مؤسسات الدولة، وإعادة تأهيلها للتعامل مع أزمات كهذه، ومنع حدوث مثل هذا الاقتحام مرة أخرى، لافتة إلى أن فرض حالة الطوارئ وتدخل القوات الفيدرالية والجيش، ينم عن عمق الأزمة التي تشهدها البلاد.
انقسام حاد
رغم رفض الرئيس السابق المحسوب على اليمين المتطرف مشهد الاقتحام، تعتقد خبيرة شؤون أمريكا اللاتينية أنه ملام في الأحداث، خاصة لسفره إلى الولايات المتحدة ورفضه تسليم الوشاح إلى خلفه، وعدم تقبله لنتيحة الانتخابات.
وختامًا تخلص إليان بطرس إلى أن داخل جهاز الدولة أطرافًا سهلت عملية الاقتحام. ورجحت وجود مؤيدين للرئيس السابق في صفوف قوات الأمن، لأن اقتحام مؤسسة بهذه الأهمية يشير إلى “الانقسام الحاد المستشري داخل بنيان الدولة”.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=1400172