الأزهر الشريف.. منارة الوسطية في سماء العالم الإسلامي

هدى اسماعيل

كتب – هدى إسماعيل

ليس على وجه الأرض بقعة جمعت من علماء الأرض وصلحائها والجهد في طلب العلم وتعلمه وتعليمه، والدأب في ذلك الليل والنهار مثله؛ بحيث أجمعوا على أنه لم يقع منذ أزمان وإلى الآن أنه خلا من عِلْم أو ذكر ساعة من ليل أو نهار” ، هكذا قالوا عن الأزهر الشريف.

تحل علينا اليوم ذكرى افتتاح الجامع الأزهر، ومنذ إنشائه لم يكن الجامع الأزهر مجرد مكان لإقامة الصلوات بل كان منارة إسلامية للعالم أجمع دينياً وثقافياً وسياسياً.

تم إنشاء الجامع الأزهر على يد “جوهر الصقلي” قائد الخليفة الفاطمي “المعز لدين الله” في 24 جمادى الأولى 359هـ/ 4 أبريل 970م أي بعد عام من تأسيس مدينة القاهرة، واستغرق بناؤه ما يقرب من 27 شهرًا، حيث افتُتِح للصلاة في يوم الجمعة 7 رمضان 361هـ الموافق 21 يونيه 972م، وما لبث أن تحول إلى جامعة علمية.

ولم يكن يُعرف منذ إنشائه بالجامع الأزهر، وإنما أطلق عليه اسم جامع القاهرة، وظلت هذه التسمية غالبة عليه معظم سنوات الحكم الفاطمي، ثم توارى هذا الاسم، واستأثر اسم الأزهر بالمسجد فأصبح يعرف بالجامع الأزهر، وظلت هذه التسمية إلى وقتنا الحاضر.

وأُطلق عليه اسم الجامع الأزهر؛ نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي، صلى الله عليه وسلم.

الأزهر والتعليم

الجامع الأزهر هو أقدم جامعة متكاملة الأركان في العالم، من حيث أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات والمذاهب الفقهية، وطلاب من شتى بقاع العالم، وكتب دراسية، ومكتبات عامة، ومسكن جامعي تتوفر به كافة سُبُل الإعاشة بالمجان، وهو رائد التقدم والازدهار، وعنوان قدرة الشعب المصري خاصة والشعوب العربية والإسلامية عامة على السبق الحضاري والإنجاز العلمي، فلم يكن عطاؤه على مدى القرون قاصرًا على علوم الشريعة واللغة، وإنما امتد سخاؤه لعلوم الدنيا التي تفيد الإنسانية جمعاء.

خيول نابليون

تمحور دور الأزهر التاريخي في مكافحة الاستعمار الأوروبي للمنطقة العربية، وحراسة علوم الدين واللغة العربية، التي كادت تتآكل في العصر العثماني، حين استمر الفرنسيون في العمل لإخضاع البلاد وشعر الشعب بالضيق؛ ألفت داخل الجامع الأزهر “لجنة للثورة” حسبما يشير إليها “الجبرتي” وأخذت تبث الدعاية للانتفاضة والمقاومة واحتشدت الجماهير بالطرقات وضعف سلطان الديوان الأدبي، ولم يستمع الناس إلي كبار المشايخ بالالتزام بالهدوء والإخلاء إلى السكينة وفي بداية عام 1798 احتشد الجمهور في حي “الحسينية”، وساروا لبيت العسكر “قاضي القضاة التركي” وألزموه الركوب معهم حتى منزل نابليون بونابرت، وعندما أحجم رجموه ونهبوا منزله، واجتمع في نفس الوقت جمع عظيم بصحن الجامع الأزهر وهم يهتفون بالثورة والقتال وعلى رأسهم شيوخ الأزهر.

وألهبوا الناس بخطبهم، وعندما علم الجنرال “ديبوي” بما حدث نزل إلي المدينة واشتبك معهم المصريون ورجموهم بالحجارة، وأدرك نابليون خطورة الوضع واتفق مع قادته أن “الأزهر مركز الثورة الحقيقي”، حتى خرجت جنوده لمواجهة ثورة المصريين خاصة المناطق المحيطة بالأزهر، وضرب نابليون بمدافعه، ولم تنجح محاولات التهدئة فضرب نابليون الجامع الأزهر، وأخذت القنابل تنهال عليه وعلى الأحياء المجاورة حتى احتلوا الأزهر بخيولهم دون مراعاة لحرمته، وكان ذلك  في 23 يناير عام 1798م.

ووصف المؤرخ المصري المعاصر للحملة الفرنسية عبدالرحمن الجبرتي ذلك بقوله: “ثم دخلوا إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل… وربطوا خيلهم بقبلته وعاثوا بالأروقة وكسروا القناديل… ونهبوا ما وجدوه من المتاع… ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها”

الأزهر وفلسطين

في عام 1929 حذر شيخ الأزهر حينها من الاحتلال البريطاني ومن سيطرة اليهود على حائط البراق، وعام 1935 أصدر العالمان الأزهريان الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ أمين الحسيني، فتوى بتحريم بيع الأراضي لليهود.

أما في عام 1936 فقام شيوخ وطلاب الأزهر بمظاهرات لدعم ثورة فلسطين الكبرى، وفي عام 1937 انطلقت مظاهرات ضخمة في الأزهر رفضا لمشروع “لجنة بيل” لتقسيم فلسطين، وفي عام 1938 دعت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى بيان لها للحفاظ على عروبة القدس.

وعام 1939 احتج الأزهر على وضع قوة من البوليس البريطاني في المسجد الأقصى، وفي عام 1947 أعلن علماء الأزهر رفضهم لقرار تقسيم فلسطين، أما عام 1948 أصدر الشيخ حسنين مخلوف، فتوى توجب الدفاع عن فلسطين بالنفس والمال.

أما “وثيقة الأزهر عن القدس الشريف” التي أصدرها الأزهر الشريف في عام 2011، وأكد فيها على عروبة القدس، وأطلق الأزهر الشريف، أعمال “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس”، بمشاركة ممثلين من 86 دولة، وبرعاية الرئيس المصري السيسي، وأكد فيها أن القدس هى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة، ويجب العمل الجاد على الاعتراف الدولي بها، كما أكد على أن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير، والرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة والتي لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق.

ربما يعجبك أيضا