الاستخبارات الألمانية : تعزيز الأمن ينزع عنصر المبادرة من الجماعات المتطرفة

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
بعد جدلًا طويلًا، وافق البرلمان الالماني في الثالث من شهر يوليو الجاري 2019، على نزع الجنسية الألمانية من مقاتلي تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، مزدوجي الجنسية، على ان لايكون تنفيذ القرار رجعيا، أي لا يطبق على المقاتلين الذين سبق لهم ان التحقو بالتنظيم، بل الى من يلتحق بالتنظيمات المتطرفة مستقبلا.

كشفت بيانات حكومية لوزراة الداخلية الألمانية وفقا لـ”DW” فى 23 يونيو 2019 أن آثار أكثر من ( 160) عنصرا ألمانيا في تنظيم “داعش” فُقدت، ولا تتوفرعنها معلومات عن وجودهم . وأن العدد الأكبر من أولئك الذين سافروا إلى سوريا أو العراق قضى نحبه . و أنه من نحو (1050) من الإسلامويين الذين سافروا عاد نحو (25%)  منهم إلى ألمانيا.

وتتوفر معلومات حول أكثر من (220)  شخصا قُتلوا في سوريا أو العراق. ونقلت صحيفة “تاغس شبيغل” فى 5 أبريل 2019 أن 90مقاتلاً ألمانياً ممن تبوأ مناصب عليا في التنظيم ،يريدون العودة إلى ألمانيا. وعاد (30%) من المقاتلين الأجانب  إلى ألمانيا، وفقا لـ”سبوتنيك” في 4 مارس 2019 .

خطوات جريئة

جائت الخطوة الألمانية بنزع الجنسية، متأخرة بعد جدل طويل داخل الائتلاف الحاكم والبرلمان الالماني، لتلتحق المانيا ببعض الدول التي بادرت بنزع الجنسية من مقاتلي داعش مزدوجي الجنسية.

ويمكن تفسير ذلك، بإن الحكومة الالمانية، اتخذت القرار هذا لكي لا تثير غضب عناصر تنظيم داعش من حملة الجنسية الالمانية، وتنفيذ عمليات انتقامية، وليس مستبعد أن ما تريده الحكومة الألمانية، هو عدم سد أبواب عودة المقاتلين الأجانب إلى ألمانيا. القرار الألماني أيضًا محاولة من الحكومة الألمانية لتجنب أي انتقادات من قبل المنظمات الأممية والمعنية بحقوق الانسان.

إن العقوبات التي تفرضها المانيا على العائدين من القتال بصفوف تنظيم داعش وبقية التنظيمات المتطرفة، تعتبر غير مشددة مقارنة مع بقية دول اوروبا، عقوبة السجن بعد عودة المقاتلين تتراوح مابين ثلاث الى خمس سنوات.

تقديم خدمات قنصلية

تقدم الحكومة الألمانية خدمات قنصلية إلى مواطنيها المحتجزين في سوريا والعراق، واجهزة الاستخبارات الألمانية، تعمل هناك بشكل حثيث في دول المنطقة وكذلك في افريقيا للبحث عن الأدلة والشواهد وجمع المعلومات حول مقاتليها هناك، وهذا يعني ان الحكومة الألمانية تمتلك معلومت حول مواطنيها الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة اكثر من بقية دول أوروبا. وهذا مؤشر إلى أن الحكومة الألمانية نجحت باستجواب أغلب رعاياها الموقوفين في العراق وسوريا. وبدون شك ان الحكومة الألمانية لا يمكنها تقديم الخدمات القنصلية إلى رعاياها بالخارج، دون وجود علاقات امنية جيدة مع دول المنطقة، او اتفاقيات تعاون أمني في هذا الخصوص.

سد الثغرات وتعزيز الأمن

 لقد نجحت ألمانيا إلى جانب بعض دول أوروبا، بان تكون اكثر أمنًا خلال عام 2018 والعام الحالي 2019، وهذا يعني أن الاستخبارات الالمانية، استطاعت ان تنزع عنصر المبادرة من المقاتلين الأجانب، محليًا وسد الثغرات الأمنية، أبرزها :

ـ الفصل مابين ممارسة حرية الرأي والعقيدة والتطرف.

ـ إنشاء قاعدة بيانات حول المقاتلين الأجانب.

ـ تطبيق “رادار داعش” أي بتصنيف العناصر الخطرة، التي ممكن ان تنفذ عمليات إرهابية.

ـ حصول الإستخبارات الألمانية على صلاحيات اوسع خلال عام 2018 و 2019، يمكنها من اعتراض المكالمات والتنصت وفرض المراقبة والتجسس على أجهزة الهاتف والكمبيوتر والمنصات الإلكترونية، لجمع المعلومات حول الاشخاص المشتبه بتورطهم بالعمل مع التنظيمات المتطرفة.

ومن المقرر، أن يحصل موظفو الهيئة الاتحادية لحماية الدستور على تصريح بالقرصنة الإلكترونية حول “إجراءات تفتيش عبر الإنترنت”، والتي تعني اختراق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وأجهزة أخرى تكنولوجية للتجسس على بياناتها وفقا إلى تقرير الاستخبارات الالمانية الصادر في 15 مارس 2019 نقلا عن الدوتش فيللة.

وبحسب بيانات الوزارة، فإنه من المقرر أيضًا السماح للاستخبارات الداخلية بالتنصت على مصادر الاتصالات الهاتفية، والتي تتيح إمكانية التنصت على المحادثات والرسائل الصوتية المشفرة.

ـ  تعزيزالتعاون الاستخباري وتبادل المعلومات : رغم ان الاستخبارات الألمانية ماتزال لحد الآن تعاني من مشكلة التعاون الأمني مابين الولايات، لكنها استطاعت تجاوز ذلك نسبيًا.

ولغرض معالجة هذه “العقدة” يجتمع في  مركز لمكافحة الإرهاب GTAZ في برلين، يجلس يوميا ممثلون عن 40 وكالة أمن مختلفة، من الدولة الاتحادية ومن مجالس الولايات.

بما في ذلكموظفو جميع دوائر الاستخبارات الألمانية الداخلية، وأقسام الاستخبارات الاتحادية BND، ودائرة مكافحة التجسس العسكري MAD. في الاجتماع تتدفق كل المعلومات وتعرض أمام المشاركين، وهي بالغالب تتحدث عنحركة السفر الخاصة بمؤيدي تنظيم داعش.

وتعمل ألمانيا على تعزيز اجهزتها الاستخبارية، بعد أن واجهت الكثير من التحديات الأمنية، مابعد عام 2014 وماسبقتها، ويبدو إنها قادمة على لعب دورًا استخباريًا دوليًا واقليميًا، بافتتاحها مركز الاستخبارات الاتحادية الألمانية مطلع شهر يناير 2019، والذي يعتبر أكبر مقر استخباراتي في العالم.

الخلاصة

إن تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة، لايمكن أن تظهر او تنشط، إلا وسط تراخي امني، أي وجود” فراغ امني” او ثغرات أمنية تستغلها. أغلب عناصر داعش من حملة الجنسية الالمانية، كانو على إطلاع جيد باسلوب عمل اجهزة الشرطة والاستخبارات، وكذلك على اطلاع بالقوانين، التي مكنتهم من الإفلات من رادار أجهزة الإستخبارات الألمانية، وهذا مايتمثل في المشهد الألماني في الوقت الحاضر، أن الاستخبارات الألمانية، اختبرت وسائل وعمل الجماعات المتطرفة، وبدئت تفصل جيدًا مابين الدعم اللوجستي للجماعات المتطرفة ومابين ممارسة الحريات. بات متوقعًا ان تلعب الاستخبارات الالمانية، دورًا أوسع إقليميًا ودوليًا، والانفتاح أكثر على دول منطقة الشرق الأوسط من أجل التعاون الأمني والاستخباراتي في مواجهة الإرهاب والتطرف.

ربما يعجبك أيضا