انتخابات فرنسا في واقع جيوسياسي عالمي جديد.. جولة في المراكز البحثية

آية سيد

انتخابات الرئاسة الفرنسية ربما تكون الأهم في ظل واقع جديد فرضته الحرب الروسية الأوكرانية، فما تأثيرها في الناخبين والمرشحين؟ وكيف أثر بوتين على منافسي ماكرون؟


يتنافس 12 مرشحًا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر عقدها، اليوم الأحد 10 إبريل 2022، على أن يتأهل المرشحان الأعلى أصواتًا إلى الجولة الثانية في 24 إبريل الحالي.

الانتخابات الرئاسية في فرنسا قد تكون هي الأهم، فالرابح فيها سوف يلعب دورًا حاسمًا في الأمم المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي. فضلًا عن أنه سيتعامل مع روسيا لإعادة رسم وتخطيط هيكل الأمن الأوروبي في المستقبل، خاصة بعد أن تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية.

الحرب الروسية الأوكرانية وفرض واقع جديد

ذكر تحليل للمجلس الأطلسي، بتاريخ 7 إبريل 2022، أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى فرض واقع جيوسياسي جديد في القارة الأوروبية، لم يكن يتوقعه أحد. في المجر وصربيا استطاع زعيما جناح اليمين، فيكتور أوربان، وألكسندر فوتشيتش، حماية شعبيهما في سياق الحرب، وربحا الانتخابات نهاية الأسبوع الماضي.

وكشف التحليل أن النزاع الحاصل بين روسيا وأوكرانيا، تسببت في عدم انتباه الكثير من الناخبين إلى السباق الانتخابي. ونتيجة لهذا أظهر استطلاع حديث أن 62% فقط من الشعب الفرنسي مهتم بالحملة الانتخابية، وهو رقم أقل بكثير من المعتاد في انتخابات الدولة الأوروبية ذات الثقل السياسي، فرنسا.

التأثير في الناخبين

بحسب التحليل، عندما بدأت الحرب قال 82% من الشعب إنهم مشغولون بها، وقال 65% إنها ستلعب دورًا مهمًّا في تحديد تصويتهم. وفي استطلاع آخر يطلب من الناخبين ترتيب القضايا الرئيسة التي ستحدد اختيارهم، جاءت تكلفة المعيشة في المرتبة الأولى 52%، ثم الحرب في أوكرانيا 33%، والبيئة 28%.

حدث هذا التحول في الأولويات لأن الحرب كانت لها عواقب ملموسة على الاقتصاد الفرنسي، بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز، وعلى المجتمع، بسبب وصول نحو 30 ألف لاجئ إلى فرنسا، ما يعني أن الخط الفاصل بين السياسة الخارجية والداخلية مشوّش. وبما أن كل المرشحين أدانوا الهجوم، فسيتعين على الناخبين الموالين لروسيا الاختيار من المرشحين المتاحين أو عدم المشاركة في الانتخابات.

التأثير في المرشحين

ذكر التحليل أن ماكرون استفاد من تأثير الاحتشاد حول العَلَم، وتُظهر الإحصائيات أن الناخبين الذي يعدون أوكرانيا عاملًا مهمًّا في قرارهم مرجحون للتصويت له أكثر من أي مرشح آخر. وبصفته رئيسًا لمجلس الاتحاد الأوروبي، يأتي ماكرون في الصدارة عند التفاوض مع القادة الأوروبيين الآخرين في وقت يلعب فيه الاتحاد الأوروبي دورًا مهمًّا في سياسة الطاقة واللاجئين وتمويل إرسال الأسلحة.

وبالنسبة إلى المرشحين الآخرين، عقدت مرشحة اليمين، فاليري بيكريس، مجلس دفاع استراتيجي، لكنه فشل في اكتساب الزخم عند مقارنته بقيادة ماكرون العالمية الحقيقية. ولفت التحليل إلى أن أفضلية ماكرون قد تأتي بنتيجة عكسية، فالموازنة بين أجندة دولية متطلبة وحملة انتخابية مهمة صعبة تتطلب النشاط الذهني، وإدارته للأزمة تعني أنه يقضي وقتًا أقل في شرح مقترحاته السياسية للناخبين.

ما المصاعب التي يواجهها المرشحون الآخرون؟

أشار التحليل إلى أن حقيقة أن 3 مدح مارين لوبان، وإيريك زيمور، وجان لوك ميلينشون، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من قبل، لم يمثل مشكلة انتخابية حقيقية لهم. ومصاعب زيمور تتعلق أكثر بعجزه عن تحسين صورته ومعالجة مخاوف الناخبين الفرنسيين بشأن الاقتصاد. ولفت التحليل إلى أن لوبان موقفها أقوى في ما يتعلق بالاقتصاد، لأنها كرّست الكثير من وقت حملتها للقضايا الاقتصادية.

وبالإضافة إلى هذا، فشل زيمور في التواصل في ما يخص قضية اللاجئين. وذكر التحليل أن وعده بإبقاء الأجانب خارج فرنسا كان قضية مميزة لحملته، في الوقت الذي رحب فيه الفرنسيون باللاجئين الأوكرانيين بحرارة. وعلى الطرف المقابل من الطيف السياسي، ميلينشون هو آخر أمل حقيقي لليسار، لذلك يبدو ناخبو جناح اليسار مستعدين للتغاضي عن تصريحاته الماضية حول روسيا.

كيف استغل المرشحون الحرب الروسية الأوكرانية؟

وفقًا للتحليل، تبنى المرشحون المتعثرون استراتيجية إظهار الدعم الواضح لأوكرانيا. فمثلًا كان مرشح حزب الخضر، يانيك جادو، يتظاهر في الشوارع ويهاجم الشركات الفرنسية التي لا تزال تعمل في روسيا، مثل شركة توتال إنرجيز التي اتهمها بـ”التواطؤ في جرائم حرب”. وتوجد حدود لهذا التكتيك، فلم يدعم أي من المرشحين فرض منطقة حظر جوي، لأنه لا أحد يريد أن تصبح فرنسا متواطئة في الحرب.

وأوضح التحليل أيضًا أن الحرب أظهرت تحولات أعمق. على سبيل المثال، يدعم جادو والمرشحة الاشتراكية، آن هيدالجو، مواصلة إرسال الأسلحة إلى الجيش الأوكراني، ودَعَوَا إلى فرض حظر على الغاز والفحم الروسي، في حين أن كل المرشحين الآخرين عارضوا الحظر. ويمتد عدم الثقة في الناتو أيضًا إلى الدفاع الأوروبي، حيث يظل اليمين المتطرف متشككًا في تعزيزه. وأخيرًا التزم ماكرون وبيكريس بزيادة الإنفاق العسكري.

الحرب في أوكرانيا تؤثر في الحملات الانتخابية الفرنسية

رأى المؤرخ والأستاذ المتقاعد بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، ستيفن فيليب كرامر، في تحليل نُشر في مركز ويلسون الدولي بتاريخ 14 مارس 2022، أن الأزمة الأوكرانية جعلت الانتخابات الرئاسية الفرنسية تبدو مثل عرض جانبي، بما يضر بمنافسي ماكرون الذين شعروا أن الأزمة تطغى على حملاتهم وقضاياهم.

وأشار كرامر إلى أن هذا سيعود بالنفع على ماكرون، لأن دوره كرجل دولة على الصعيد الدولي عزز مكانته، ولأنه بذل جهودًا لتجنب الصراع، ولا يزال يمكنه توفير مخرج لبوتين من الحرب، ولأن حقيقة أن فرنسا تتولى رئاسة المجلس الأوروبي تعني أن ماكرون يمكنه التحدث باسم أوروبا.

كيف أضر بوتين بمنافسي ماكرون؟

لفت كرامر إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أضرت بمنافسي إيمانويل ماكرون، لا سيما المرشحين إريك زيمور ومارين لوبان وجان لوك ميلينشون. ذلك أنهم أظهروا جميعًا إعجابًا بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظامه. وبالنسبة إلى زيمور ولوبان، كان هذا الإعجاب قائمًا على سجل بوتين، بوصفه زعيمًا قوميًّا وسُمعته، آخر مدافع عن “العِرق الأبيض”.

وبالنسبة إلى ميلونشون كان الإعجاب نابعًا من معاداته للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو. لكن بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لم تعد صداقتهم ببوتين تعمل لصالحهم، ذلك أن ويلات الحرب وتداعياتها خلقت تعاطفًا ما بدرجات مختلفة مع الشعب الأوكراني، وصنعت في المقابل حالة عدائية ضد الرئيس الروسي، كونه صاحب قرار الحرب.

ربما يعجبك أيضا