البنوك الأمريكية.. بين قبضة بايدن وتحديات الجائحة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

على مدار عقد من الزمان ضاعفت البنوك الأمريكية من أرباحها وتمكن المديرون التنفيذيون فيها من جني ملايين الدولارات سنويا بصورة فلكية، ما جعل العديد من الأصوات تطالب بتشديد الرقابة المالية على عمل البنوك وعمليات توزيع الأرباح داخلها، وحتى في قلب عاصفة كورونا تمكنت هذه البنوك من الخروج من العام 2020 بأقل الخسائر الممكنة وغالبيتها سجل أرباحا فاقت التوقعات بنهاية الربع الرابع مع تحسن أداء الاقتصاد بشكل عام.. لكن يبدو أن البنوك على موعد مع أيام صعبة مع وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض.

أرباح في عام الإغلاق ومكافآت بالملايين

منتصف الشهر الجاري أعلن بنك “جي.بي.مورجان” وهو أكبر البنوك الأمريكية من حيث الأصول، أنه سجل خلال الربع الرابع من 2020 صافي أرباح بلغ 12.13 مليار دولار، فيما ارتفعت إيراداته الفصلية إلى 30.16 مليار دولار مقارنة مع 29.16 مليار دولار خلال الفترة نفسها في 2019.

فيما أعلن “جولدمان ساكس” عن قفزة في أرباح الربع الرابع بنحو 153%، وارتفعت إيرادات البنك بنحو 18% لتبلغ 11.74 مليار دولار، مقارنة مع تقديرات بنحو 9.9 مليار دولار.

على رأس جي بي مورجان وجولدمان ساكس هناك اثنان من أقوى مديري البنوك في الولايات المتحدة، هما جيمي ديمون وديفيد سولومون على الترتيب، ويتوقع أن يحصلا مقابل هذه النتائج على أموال طائلة، ففي عام 2019 حصل الأول على 31.5 مليون دولار كمكافآت، والثاني على 27.5 مليون دولار- على الرغم من أن بنكه سجل تراجعا في الأرباح- بحسب ما هو معلن حصل ديمون هذا العام على مكافأة مماثلة “31.5 مليون دولار” ليحافظ على موقعه على رأس قائمة أفضل الأجور في “وول ستريت”.

هذه الأرقام الطائلة التي تهبط على جيوب مديري البنوك وكذلك على المستثمرين في القطاع المصرفي عموما، ربما لن تتكرر في المدى القريب والمتوسط مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، فالرجل وعد بمزيد من القيود على عمل البنوك وزيادة الضرائب عليها، بصرف النظر عن الضغوط التي تواجهها اليوم بفعل الجائحة والتي قد تدفعها لتسجيل خسائر بأكثر من 600 مليار دولار، وفق ما ذكره تقرير للاحتياطي الفيدرالي نهاية العام الماضي.

ما هي التحديات التي تنتظر البنوك في عهد بايدن؟

الاقتصاد الأمريكي خلال 2020 سجل أسوأ أداء له منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن البنوك سجلت أرباحا طائلة واستفادت من تدفق السيولة على أسواق الأسهم بصورة غير مسبوقة هذا فضلا عن نمو الخدمات المصرفية التجارية، مع وصول بايدن إلى الحكم داهم القلق مدراء البنوك والمستثمرين في القطاع المصرفي لعدة عوامل أبرزها:

-توجه إدارة بايدن لزيادة الضرائب على الشركات وقطاع البنوك.

-الرغبة في تشديد القواعد المنظمة لعمل البنوك وأهمها قاعدة فولكر وقانون “دود فرانك”.

-توقع أن تقدم إدارة بايدن على إدخال تغيرات على متطلبات رأس المال بالنسبة للبنوك وتحديدا زيادتها لضمان وضع مالي أفضل للبنوك في ظل أي أزمة طارئة بما في ذلك الجائحة واحتمالات استمرار تداعياتها الاقتصادية إلى ما بعد 2022.

-من المتوقع أيضا أن تطالب إدارة بايدن البنوك بتعزيز قواعد العدالة الاجتماعية.

ترامب خدم القطاع المصرفي كثيرا طوال السنوات الأربع الماضي، عبر سلسلة من الخفض للمعدل الضريبي، على سبيل المثال كانت البنوك في 2017 تدفع ضرائب بنسبة 32% لكن بحلول 2019 انخفض هذ المعدل إلى 18%، وحاليا تقترح خطة بايدن للإصلاح الضريبي زيادة المعدل الفيدرالي القانوني للضرائب على البنوك والشركات الكبرى والأثرياء إلى 28%.

هذه الزيادة قد تكلف بنك مثل “جيه بي مورجان” نحو 3.1 مليار دولار من أرباح العام الماضي و30 مليار دولار من قيمته السوقية، كما أن زيادة الضرائب على الشركات يعني بالتبعية أن الأموال التي تضخها هذه الشركات في البنوك سواء في شكل معاملات مالية أو عمليات استثمارية ستتقلص، وهنا نفهم حقيقة القلق من بايدن مقارنة بترامب داخل “وول ستريت” عموما وليس القطاع المصرفي فحسب.

كما خفض ترامب الضرائب على الشركات والمصارف، عمل أيضا على تعطيل قانون دود فرانك ضمن سسلسلة من الخطوات لتخفيف الضوابط المالية التي خضعت لها البنوك عقب الأزمة المالية 2008، وقانون “دود فرانك” كان على رأس هذه الضوابط وينص على تشكيل هيئة حماية المستهلكين الماليين ويفرض على المصارف الاحتفاظ بنسبة أعلى من “المخصصات” أو رؤوس الأموال لتفادي المديونية المفرطة والخضوع سنويا لاختبارات الملاءة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

لكن بايدن عازم على مزيد من الحكم الرشيد للبنوك إن جاز التعبير، ويرغب في إعادة تفعيل هذا القانون الذي أصدره أوباما وعطله ترامب، وهذا ما عكسته وعوده الانتخابية وتعكسه أيضا التسريبات المتداولة في أوساط “وول ستريت” عن اختيار إدارة بايدين للمسؤول السابق بوزارة الخزانة مايكل بار لتولي منصب المراقب المالي – الذي يشرف على نحو 1200 بنك- وبار كان مساعداً لوزير الخزانة خلال إدارة أوباما، وساعد في صياغة القانون المشار إليه.

بالنسبة لقاعدة فولكر التي جرى تعطيل العمل بها خلال عهد ترامب، يبدو أن بايدن أيضا سعيد تفعيلها لضمان مزيد من الحكم الرشيد لأموال البنوك، هذه القاعدة هي قانون ينظم عمليات إقراض البنوك لأصحاب الدخل المنخفض ومتطلبات رأس مال البنوك، وتمنع البنوك من المضاربة بأموال ودائع دافعي الضرائب لحسابها الخاص.

أيضا إدارة بايدن وعدت بمزيد من العدالة الاجتماعي والمساواة، ما قد يدفعها لمطالبة البنوك بتحقيق هذه المبادئ وتعزيز وصول خدماتها بشكل أكبر إلى الفئات المحرومة والأقل دخلا، ما يعني مزيد من التكاليف.

البنوك قد تربح رغم التحديات

ربما تتعرض البنوك لقبضة أقوى في عهد بايدن ورقابة صارمة على عملياتها وحركة توزيع أرباحها وتطالب برفع مخصصاتها المالية، لكن في المقابل هذا سيعمل بايدن على دعم الاقتصاد عبر حزم تحفيز أولها قد يصل إلى نحو 1.9 تريليون دولار، وسيدعم سياسات خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، كما سيعمل على زيادة المدفوعات الحكومية للقطاعات الأكثر فقرا وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، فضلا عن دعمه للنشاط الاستثماري بشكل عام.

هذه العوامل ستساعد البنوك على زيادة أرباحها، من خلال جذب عملاء جدد مثل عملاء قروض السيارات أو بطاقات الائتمان، ناهيك عن أن توفر السيولة وتعزيز معدلات النمو الاقتصادي وجلب الاستقرار إلى السوق سيكون مفيدا للغاية لعمليات البنوك، فمثلا عودة النشاط الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الجائحة ولو بشكل تدريجي ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة عموما من شأنه أن يقلل عدد العملاء “المقترضين” المتعثرين ويقلل من تكلفة مخاطر الإقراض بالنسبة للبنوك.

سيبقى التحدي الأكبر أمام البنوك الأمريكية هو الاستمرار في تحقيق أرباح وسط قيود بايدن، والأهم وسط رياح الجائحة، التي دفعت إيرادات البنوك الناتجة عن الخدمات المصرفية الاستهلاكية المقدمة للأفراد إلى التراجع بقوة، فمع انخفاض أسعار الفائدة وتراجع مستويات الانفاق الاستهلاكي كان من الطبيعي أن يعزف الأفراد عن الادخار في البنوك ويتوجهون إلى أمور مثل الاستثمار في أسواق الأسهم ، فبحسب بلومبرج جمعت الشركات الأمريكية نحو 435 مليار دولار من مبيعات الأسهم خلال 2020، وهو رقم قياسي لأول مرة منذ 2014 عندما جمعت نحو 279 مليار دولار.

كانت البنوك أيضا من بين القطاعات التي استفادت من زخم موجة التداول بـ”وول ستريت”، ومع ذلك تعرضت أسهمها لتراجعات قوية طوال العام الماضي تحت ضغط عدة عوامل أهمها أن الجائحة دفعت البنوك في النصف الأول من العام الماضي إلى زيادة مخصصاتها لموجهة مشاكل من نوعية تعثر العملاء عن الوفاء بالتزاماتهم المالية كأقساط القروض وغيرها من حالات التعثر نتيجة لتوقف حركة الاقتصاد، لكن هذه الخسائر يتوقع مع عودتها لتسجل أرباح في الربع الرابع تعويضها خلال مدة قصيرة.  

على المدى القصير قد تكون إجراءات وسياسات إدارة بايدن مؤلمة للبنوك، لكن الأمر سيظل مرهونا بقدرة الاقتصاد الأمريكي عموما على التعافي من الجائحة والعودة إلى مسار النمو، فهذا هو الأهم بالنسبة لقطاع المصارف، فالنظام المصرفي الأمريكي قوي ومربح كما رأينا ولديه احتياطات قوية من رؤوس الأموال تمكنه من تجاوز آثار الأزمة سريعا وكذلك من التكييف مع قيود بايدن والمنظمين الجدد، وتبقى كلمة السر “النمو الاقتصادي” لا غير.

ربما يعجبك أيضا