الجارديان| تصاعد العنف يهدد بتكرار المأساة.. هل ستكون ميانمار سوريا الجديدة؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

مع دعم الميليشيات العرقية للانتفاضة الشعبية وفرار اللاجئين من البلاد، فإن أوجه التشابه بين ميانمار وسوريا تثير الكثير من القلق والمخاوف.

في أغسطس 2011، زار “أحمد داود أوغلو”، وزير خارجية تركيا آنذاك، دمشق في إطار “حملة رحمة”، ناشد خلالها الرئيس السوري “بشار الأسد” شخصيًّا الكف عن قتل شعبه، والتحدث مع خصومه بعد خمسة أشهر من الاحتجاجات المناهضة للنظام.

وتحدث داود أوغلو باسم تركيا، ولكنه أيضًا تحدث، وبشكل غير مباشر، عن الولايات المتحدة والغرب. وكان أوغلو قد تشاور مع “هيلاري كلينتون”، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، قبل القيام بالرحلة. رسالته: لم يفت الأوان للرجوع؛ حيث إن البديل هو الحرب الأهلية، ولكن الأسد رفض مطالبه!

في تلك المرحلة المبكرة من الأزمة، توفي نحو 2000 شخص. وخوفًا من حدوث الأسوأ، واصل “داود أوغلو” المحاولة، ففي اسطنبول في العام التالي، حث الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى على العمل معًا لمنع “كارثة” إنسانية في سوريا.

وفي حوارٍ معه قال لي: “إن ملايين السوريين في خطر.. إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع؟ أعني أنه في أزمة البوسنة، خرج علينا الآن “بان كي مون”، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، ليعتذر بعد 20 عامًا. فمن سيعتذر عن سوريا بعد 20 عامًا؟”.

والآن بعد عشر سنوات، ما زال داود أوغلو يملك إجابة، لقد فشل الغرب في اتخاذ إجراء حاسم، فقتل ما يزيد عن 500 ألف سوري، فيما نزح 13.3 مليونًا آخرين، وعم الخراب البلاد، ومع ذلك لم يعتذر أحد.

وفي غضون ذلك، وفي نصف العالم البعيد، يعيد التاريخ نفسه. فهل ستكون ميانمار سوريا الجديدة؟

فالدلائل والتشابهات كثيرة وتثير القلق. لقد تنبأوا بمأساة إنسانية أخرى ذات أبعاد ملحمية يمكن تجنبها. مرة أخرى، نجد أن من يستطيعون إيقاف المأساة يقفون مكتوفي الأيدي. وبدلًا من ذلك، يتشاجرون ويسعون إلى تحقيق مكاسب وطنية.

ومرة أخرى، تدق أجراس الإنذار التابعة للأمم المتحدة، محذرة من “حمام دم وشيك”، فقد قالت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة “كريستين شرانر بورجنر” لمجلس الأمن الأسبوع الماضي إن المجلس العسكري في ميانمار، الذي استولى على السلطة في انقلاب فبراير، يشن حربًا حقيقية على المواطنين.

وقالت إن إخفاقًا آخر في احترام القانون الدولي واحترام “مسئولية الحماية” للمجتمع الدولي يمكن أن يؤدي إلى “كارثة متعددة الأبعاد في قلب آسيا”. ولكن – ومرة أخرى وكما هو الحال دائمًا بشأن سوريا – فإن مجلس الأمن منقسم على نفسه.

وفي حالة ميانمار، فإن الصين وليست روسيا هي التي تمسك بالسوط. ومثل موسكو، تلعب بكين لعبة مزدوجة، فقد قال سفيرها لدى الأمم المتحدة، “تشانغ جون”، إن الصين تدعم الاستقرار والحوار وما أسماه “التحول الديمقراطي”.

ومع ذلك، فإن الصين هي التي تمنع العقوبات الدولية وإجراءات الأمم المتحدة الأخرى لكبح جماح المجلس العسكري، وهي تمامًا مثل روسيا في سوريا، أصبحت طوق النجاة للقتلة. ولا عجب في ذلك، فإذا كان الاختيار بين الاستبداد والديمقراطية، فإن العالم يعرف أين يقف الرئيس “شي جين بينغ”.

يقول الرئيس الأمريكي، “جو بايدن”، إن حقوق الإنسان هي ركيزة أساسية في سياسته الخارجية. لكن فيما يتعلق بميانمار، يبدو ضعيفًا كما تصفه بكين. ومن جانبها، تحاول المملكة المتحدة– القوة الاستعمارية السابقة– بذل المزيد من الجهد، حيث تقود نقاش الأمم المتحدة، وتفرض عقوبات على المبيعات المتعلقة بالجيش، وتوفر الأموال لتسجيل انتهاكات الحقوق.

وفي غضون ذلك، فإن الدول المجاورة لميانمار في رابطة أمم جنوب شرق آسيا تدلي ببيانات رسمية ولا تفعل شيئًا تقريبًا. فيما تطالب جماعة الضغط “حملة بورما في المملكة المتحدة” بفرض حظر عالمي على الأسلحة، على سبيل المثال، والإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وليس هناك شك في أن الجنرال “مين أونغ هلينج”، رئيس المجلس العسكري، وأعضاء الجيش والشرطة يرتكبون كل يوم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. والجنرال “مين أونغ هلينج” مطلوب بالفعل لارتكابه جرائم إبادة جماعية بحق أقلية الروهينجا المسلمة في عام 2017.

يعتمد هؤلاء القتلة والجلادون الذين يرتدون الزي الرسمي على الإفلات من العقاب مستفيدين من الانقسامات الدولية والقصور الذاتي. وكما تبدو الأمور، فمن الممكن تمامًا، مثل الأسد ومعظم أتباعه، أن يفلت هؤلاء القتلة من أيدي العدالة.

وقد قتل المئات من المدنيين حتى الآن، فيما اعتقل الآلاف أو اختفوا قسرًا، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي ذكر الأسبوع الماضي أن “المداهمات الليلية والاعتقالات الجماعية والقتل أصبحت أحداثًا يومية”. وأضاف أن “السلطات العسكرية زادت من لجوئها إلى الأسلحة الثقيلة مثل الصواريخ والقنابل التفتيتية والمدافع الرشاشة الثقيلة والقناصة لقتل المتظاهرين بأعداد كبيرة”.

وتتراكم الأدلة على أن المتظاهرين المدنيين الشباب أصبحوا متطرفين بسبب هذه الصدمة. وعلى غير العادة، يبدو أن احتجاجات الشوارع تتمتع بدعم واسع من الطبقة الوسطى، كما أن هناك حديث عن حمل السلاح دفاعًا عن النفس وبناء جيش فيدرالي معارِض، في صدى آخر لسوريا عام 2011.

وبشكل ملحوظ، تقترح “الحكومة الموازية” في ميانمار، التي تضم نوابًا منتخبين في انتخابات العام الماضي وأنصار الزعيمة المخلوعة، “أونغ سان سو تشي”، الآن دستورًا فيدراليًا جديدًا يعترف بحقوق الأقليات العرقية.

وهذه الخطوة تجعل من المرجح أن تنضم المعارضة المسلحة الناشئة إلى صفوف الميليشيات العرقية المتشددة في المعركة، مثل جيش التحرير الوطني لكارين، الذي قاوم منذ فترة طويلة عمليات النهب التي تقوم بها “التاتماداو”، القوات المسلحة في البلاد.

كما أدان ما يسمى بالتحالف الشمالي – جيش أراكان، وجيش استقلال كاشين، وجيش تاانغ الوطني للتحرير، وجيش التحالف الوطني الديمقراطي في ميانمار – بشدة موجة القتل التي شنها المجلس العسكري.

وتعهدوا جميعًا بالدفاع عن “الشعب”، فيما تعمل قوات التاتماداو التي تدعي أنها القوة الوحيدة القادرة على وحدة البلاد، على تفكيكها. وبهذه الطرق التدريجية – كما يعلم السوريون – تبدأ الحروب الأهلية.

إن حقيقة تسرب اللاجئين الفارين من العنف عبر الحدود إلى تايلاند والهند، تمامًا كما فر الروهينجا إلى بنجلاديش، هي ضوء أحمر آخر لمجتمع دولي لا يزال يعاني من تداعيات النزوح السوري. ومع الأسى الشديد والظلم الناجم عن التهجير القسري يأتي اليأس والجوع والمرض وشبح الإرهاب.. ألم نكن هنا من قبل؟!

صحيح أنه من غير المرجح أن يصل هؤلاء اللاجئون إلى شواطئ أوروبا. إلا أن هذا بالكاد يجعل هذه الحالة الطارئة المتصاعدة أقل إلحاحًا من الناحية الإنسانية والأخلاقية والسياسية. فهل العالم مستعد حقًّا لتحمل سوريا ثانية في آسيا؟

وعلى الرغم من فشل دعوات “داود أوغلو” لوقف الحرب في سوريا عام 2011، إلا أن التدخل المبكر يظل أفضل أمل في القضاء على الصراع في مهده. فكم من أعمال العنف والرعب نحتاج قبل أن نصرخ “كفى”؟

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا