الجارديان| كيف يتغاضى فيسبوك عن الثغرة التي تتيح لقادة العالم خداع مواطنيهم؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

كثيرًا ما سمح موقع الفيسبوك لقادة العالم والسياسيين باستخدام منصته لخداع شعوبهم أو مضايقة معارضيهم على الرغم من تنبيهه إلى أدلة على ارتكاب هذه المخالفات.

واطّلعت صحيفة الجارديان على وثائق داخلية كثيرة تكشف كيف تعاملت إدارة الفيسبوك مع أكثر من 30 حالة عبر 25 دولة من السلوكيات المتلاعبة سياسيًّا، والتي اكتشفها موظفو الشركة بشكل استباقي.

ويكشف التحقيق الذي أجرته الجارديان كيف سمح موقع الفيسبوك بالانتهاكات الجسيمة عبر منصته في دول فقيرة وصغيرة وغير الغربية، في مقابل إعطاء الأولوية لمعالجة الانتهاكات التي تجذب انتباه وسائل الإعلام الغربية أو تؤثر على الولايات المتحدة والدول الغنية الأخرى. وبينما تحركت الشركة سريعًا لمعالجة التلاعب السياسي الذي يؤثر على دول مثل الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية وبولندا، كانت تتحرك ببطء أو لا تتحرك على الإطلاق في حالات في أفغانستان والعراق ومنغوليا والمكسيك ومعظم دول أمريكا اللاتينية.

من جانبها، قالت “صوفي تسانج”، خبيرة البيانات السابقة في شركة فيسبوك، والتي عملت في منظمة “النزاهة” في الشركة لمكافحة السلوك الزائف: “هناك الكثير من الانتهاكات التي تحدث على الفيسبوك، ولا يتم التعامل معها بجدية؛ لأنها لا تعدّ خطرًا كافيًا على الفيسبوك.. ولا يتحمل فيسبوك تكلفة هذه الانتهاكات، بل يتحملها العالم ككل”.

وتعهد فيسبوك بمكافحة التلاعب السياسي المدعوم من الدولة عبر منصته بعد الإخفاق التاريخي للانتخابات الأمريكية لعام 2016، عندما استخدم العملاء الروس حسابات فيسبوك غير أصلية لخداع الناخبين الأمريكيين وتقسيمهم.

غير أن الشركة فشلت مرارًا وتكرارًا في اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب عند تقديم أدلة على تفشي التلاعب وإساءة استخدام أدواتها على يد القادة السياسيين في جميع أنحاء العالم.

وفي سبتمبر 2020، طردت شركة فيسبوك تسانج بسبب أدائها الضعيف، وفي يومها الأخير، نشرت مذكرة وداع مؤلفة من 7800 كلمة تصف فيها كيف أنها “وجدت محاولات صارخة متعددة من الحكومات الأجنبية لإساءة استخدام منصتنا على نطاق واسع لتضليل مواطنيها”، كما انتقدت الشركة لفشلها في معالجة مثل هذه الانتهاكات. وكتبت “أعلم أن يدي ملطخة بالدماء الآن”. ونشرت BuzzFeed News هذه المذكرة لأول مرة في سبتمبر 2020.

والآن تأمل صوفي تسانج أن تؤدي تصريحاتها وما كشفته من تلاعب إلى إجبار إدارة فيسبوك على إعادة تقييم تأثيرها على بقية العالم.

وفي تصريحات لها لصحيفة الجارديان، قالت: “ليس لدى فيسبوك حافز قوي للتعامل مع هذا، باستثناء الخوف من أن شخصًا ما قد يسربه ويثير ضجة كبيرة، وهو ما أفعله الآن.. لا يمكن العثور على الهدف الكامل للنشاط الزائف، ولا يمكنك إصلاح شيء ما إلا إذا كنت تعلم أنه موجود”.

وفي المقابل، قالت “ليز بورجوا”، المتحدثة باسم فيسبوك: “إننا نختلف بشكل أساسي مع توصيف صوفي تسانج لأولوياتنا وجهودنا للقضاء على الإساءات على منصتنا”.

وأضافت: “إننا نلاحق الإساءات بقوة في جميع أنحاء العالم ولدينا فرق متخصصة تركز على هذا العمل، ونتيجة لذلك، أزلنا أكثر من 100 شبكة من السلوكيات المنسقة المزيفة. وكان نصفها تقريبًا عبارة عن شبكات محلية تعمل في دول حول العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن مكافحة السلوك المنسق المزيف لهو أحد أولويتنا، ونحن كذلك نعالج مشاكل الرسائل غير المرغوب فيها والمشاركة الزائفة، إننا نحقق في كل مشكلة قبل اتخاذ إجراء أو تقديم ادعاءات عامة بشأنها”.

ومع وجود 2.8 مليار مستخدم، يلعب فيسبوك دورًا مهيمنًا في الخطاب السياسي لكل بلد تقريبًا في العالم. ومع ذلك يمكن التلاعب بخوارزميات النظام الأساسي وميزاته لتشويه النقاش السياسي.

وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في إنشاء “تفاعل” مزيف – سواء عبر الإعجابات أو التعليقات أو المشاركات أو ردود الفعل – باستخدام حسابات فيسبوك غير الموثوقة أو المخترقة. وبالإضافة إلى تشكيل التصور العام لشعبية الزعيم السياسي، يمكن أن تؤثر المشاركة الزائفة على خوارزمية خلاصة الأخبار المهمة للغاية في الفيسبوك، إذ يمكن للتلاعب بالخوارزمية أن يحدث فرقًا بين الوصول إلى جمهور من الملايين أو الصراخ وسط الصحراء.

وعُيَّنت “صوفي تسانج” في شركة فيسبوك في يناير 2018 للعمل في الفريق المخصص لاستئصال الارتباط الوهمي. ووجدت أن الغالبية العظمى من المشاركات المزيفة ظهرت على منشورات الأفراد أو الشركات أو العلامات التجارية، لكنها كانت تُستخدم أيضًا على ما يسميه فيسبوك أهدافًا “مدنية”، أي سياسية.

وكان المثال الأكثر بروزًا هو “خوان أورلاندو هيرنانديز”، رئيس هندوراس، الذي تلقى في أغسطس 2018 90٪ من جميع عمليات المشاركة المدنية المزيفة المعروفة في الدولة الصغيرة الواقعة في أمريكا الوسطى. وفي أغسطس 2018، كشفت تسانج عن أدلة تشير إلى أن موظفي “هيرنانديز” شاركوا بشكل مباشر في حملة لتعزيز المحتوى على صفحته بمئات الآلاف من الإعجابات الوهمية.

وكان أحد مديري صفحة “هيرنانديز” الرسمية على فيسبوك، يدير أيضًا مئات الصفحات الأخرى التي أعدها لتشبه ملفات تعريف المستخدمين. واستخدم الموظف الصفحات الوهمية لتقديم إعجابات وهمية لمشاركات هيرنانديز.

هذه الطريقة في الحصول على الارتباط الوهمي، والتي تسميها تسانج “إساءة الصفحة”، أصبحت ممكنة بفضل ثغرة في سياسات فيسبوك؛ إذ تشترط الشركة أن تكون حسابات المستخدمين أصلية وتمنع المستخدمين من الحصول على أكثر من حساب واحد، ولكن ليس لديها قواعد قابلة لمقارنة الصفحات، والتي يمكن أن تؤدي العديد من التفاعلات نفسها التي يمكن للحسابات القيام بها، بما في ذلك الإعجاب والمشاركة والتعليق.

وظلت الثغرة مفتوحة بسبب الافتقار إلى قوة الإنفاذ، ويبدو أن الحزب الحاكم في أذربيجان يستخدمها حاليًا لنشر ملايين التعليقات على صفحات فيسبوك لمضايقة وسائل إخبارية مستقلة وسياسيين معارضين أذربيجانيين.

ويرتبط إساءة استخدام الصفحة بما فعلته وكالة أبحاث الإنترنت الروسية خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2016، عندما أنشأت حسابات على فيسبوك تزعم أنها تمثل الأمريكيين واستخدمتها للتلاعب بالأفراد والتأثير على المناقشات السياسية. وأطلق فيسبوك على هذا اسم “السلوك غير الأصيل المنسق” (CIB) وكلف فريقًا من نخبة المحققين، المعروف باسم استخبارات التهديد، بالكشف عنه وإزالته. ويكشف فيسبوك الآن عن حملات “السلوك غير الأصيل المنسق” التي يُكشف عنها في تقارير شهرية، بينما يزيل الحسابات والصفحات المزيفة.

ولكن فريق استخبارات التهديد – والعديد من المديرين والمديرين التنفيذيين في فيسبوك – رفضوا التحقيق في قضايا إساءة استخدام الصفحة في هندوراس وأذربيجان، على الرغم من وجود أدلة دامغة في كلتا الحالتين تربط الإساءة بالحكومة الوطنية. ومن بين قادة الشركة الذين أطلعتهم “تسانج” على النتائج التي توصلت إليها، “جاي روزين”، نائب الرئيس لشؤون النزاهة، و”كاتي هاربات”، المديرة السابقة للسياسة العامة للانتخابات العالمية، و”ساميد تشاكرابارتي”، رئيس قسم النزاهة المدنية آنذاك، و”ديفيد أجرانوفيتش”، رئيس إدارة اضطراب التهديد العالمي.

وكانت القضايا مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب طبيعة القادة السياسيين المعنيين، حيث أعيد انتخاب “هيرنانديز” في عام 2017 في سباق رئاسي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه عملية احتيال، فقد اتسمت إدارته بتفشي الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. أما أذربيجان فهي بلد استبدادي يمنع حرية الصحافة أو الانتخابات الحرة.

من جانبه، لم يرد “هيرنانديز” على الاستفسارات التي أرسلها إلى مسئوله الصحفي ومحاميه ووزير الشفافية، وكذلك لم يرد الحزب الحاكم في أذربيجان على أي استفسارات.

واستغرق فيسبوك ما يقرب من عام لإزالة شبكة هندوراس، و14 شهرًا لإزالة حملة أذربيجان. وفي كلتا الحالتين، سمح فيسبوك لاحقًا لإساءة المعاملة بالعودة، ويزعم فيسبوك أنه يستخدم طرق الكشف اليدوية والآلية لمراقبة حالات إنفاذ “السلوك غير الأصيل المنسق” السابقة، وأنه يزيل “باستمرار” الحسابات والصفحات المتصلة بالشبكات التي جرت إزالتها سابقًا.

وقدمت تسانج العشرات من مذكرات التصعيد داخل نظام إدارة المهام في فيسبوك لتنبيه فريق استخبارات التهديد بشأن شبكات الحسابات المزيفة أو الصفحات التي كانت تشوه الخطاب السياسي، بما في ذلك في ألبانيا والمكسيك والأرجنتين وإيطاليا والفلبين وأفغانستان وكوريا الجنوبية وبوليفيا والإكوادور والعراق وتونس وتركيا وتايوان وباراجواي والسلفادور والهند وجمهورية الدومينيكان وإندونيسيا وأوكرانيا وبولندا ومنغوليا.

وغالبًا ما فشلت الشبكات في تلبية معايير التحول الخاصة بموقع فيسبوك لإعطاء الأولوية لعمليات الإزالة من “السلوك غير الأصيل المنسق”، ولكنها مع ذلك انتهكت سياسات الشركة وكان من المفترض إزالتها.

وفي بعض الحالات التي كشفت عنها تسانج، بما في ذلك تلك الموجودة في كوريا الجنوبية وتايوان وأوكرانيا وإيطاليا وبولندا، اتخذ فيسبوك إجراءات سريعة؛ ما أدى إلى قيام فريق استخباراتية التهديد بإجراء تحقيقات، وفي معظم الحالات، قام بإزالة الحسابات غير الأصلية.

وفي حالات أخرى، تأخرت إجراءات فيسبوك لعدة أشهر، وعندما كشفت تسانج النقاب عن شبكة من الحسابات المزيفة تنشئ تفاعلًا مزيفًا منخفض الجودة حول سياسيين في الفلبين في أكتوبر 2019، تركه فيسبوك ليضعف. ولكن عندما بدأت مجموعة فرعية صغيرة من تلك الشبكة في إنشاء قدر ضئيل من الارتباط الوهمي على صفحة “دونالد ترامب” في فبراير 2020، تحركت الشركة بسرعة لإزالتها. وفي العديد من الحالات الأخرى، لم تُحرّك إدارة فيسبوك ساكنا ولم تتخذ أي إجراء.

ووجد محقق من فريق استخبارات التهديد دليلًا على أن الشبكة الألبانية، التي كانت تصدر تعليقات زائفة بشكل مكثف، كانت مرتبطة بأفراد في الحكومة، ومع ذلك فقد أسقطت الحالة بعد ذلك.

كذلك فقد تجاهل فيسبوك شبكة حسابات مزيفة بوليفية تدعم مرشحًا رئاسيًا في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة المتنازع عليها في أكتوبر 2019؛ واعتبارًا من آخر يوم عمل لتسانج في سبتمبر 2020، كانت الشبكة مستمرة في العمل.

وبالمثل، تُركت شبكات في تونس ومنغوليا دون تحقيق، على الرغم من الانتخابات في تونس والأزمة الدستورية في منغوليا.

وفي خضم الاحتجاجات الجماهيرية والأزمة السياسية في العراق عام 2019، طلب خبير السوق المسئول عن ملف في العراق على الفيسبوك إعطاء الأولوية لشبكتين وجدتهما تسانج، وقد أكد أحد المحققين أنه يجب إزالة الحسابات، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء، وفي يوم تسانج الأخير، وجدت ما يقرب من 1700 حساب مزيف ما زالت تعمل لدعم شخصية سياسية في البلاد.

في النهاية، تجادل تسانج بأن فيسبوك متردد للغاية في معاقبة السياسيين الأقوياء، وأنه عندما يفعل ذلك، فإن العقوبات تكون متساهلة للغاية.

وقالت: “لنفترض أن العقوبة عندما تنجح في سرقة أحد البنوك هي مصادرة أدوات السطو على البنك، وينشر إعلان عام في إحدى الصحف يقول “لقد ضبطنا هذا الشخص يسرق أحد البنوك”… لا ينبغي أن يفعلوا ذلك”… “هذا في الأساس هو ما يحدث في فيسبوك. ولذا فإن ما حدث هو أن العديد من الرؤساء القوميين اتخذوا قرارًا بأن هذه المخاطرة كافية بالنسبة لهم للانخراط فيها”.. في هذا القياس، أنفق اللصوص الأموال ولا يمكن استعادتها”.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا