الجارديان | مهاجرون يواجهون «وضعًا يائسًا» على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

تصدح مكبرات الصوت على الحدود البولندية منذ يومين بنفس التسجيل الصوتي المكرر: “انتباه! انتباه! عبور الحدود البولندية يكون قانونيًّا فقط عند المعابر الحدودية”. إن هذا التحذير المشؤوم موجّه نحو آلاف من طالبي اللجوء المتجمّعين في بيلاروسيا على الجانب المقابل للسلك الشائك المنصوب بين البلدين.

بحسب بولندا، فإن رئيس بيلاروسيا “أليكسندر لوكاشينكو” يتعمد إثارة أزمة لاجئين جديدة في أوروبا عبر تنظيم حركة مهاجرين من الشرق الأوسط إلى “منسك”، واعدًا إياهم بمرور آمن إلى الاتحاد الأوربي انتقامًا للعقوبات التي فرضتها بروكسل على نظامه الاستبدادي.

انتشر نحو 20 ألف من شرطة الحدود البولندية، مدعومين بقوات من الجيش، من أجل استعراض للقوة لم يسبق له مثيل في البلاد منذ نهاية الحرب الباردة. وحتى بضعة أيام قليلة مضت، تم التصدّي بعنف لمعظم المهاجرين، غير أن بعضهم تمكن من الوصول إلى “وارسو” بعد اختبائهم في غابات كثيفة. ومنذ شروع السلطات البيلاروسية يوم الاثنين في مرافقة آلاف المهاجرين إلى الحدود البولندية في تصعيد خطير لأزمة فتاكة بالفعل، أصبح عبور الحدود أكثر صعوبة.

في الغابات الواقعة بين البلدين، حيث تنخفض درجات الحرارة ليلاً لأقل من الصفر، فإن الآلاف من العائلات العراقية والسورية والأفغانية هم من يدفعون الثمن، وكباش فداء عالقون بين عنف السلطات البولندية ووعود بيلاروسيا الكاذبة. هم يعيشون في خيام مخبأة بين الأشجار، يحاولون البقاء دافئين في أكياس نوم رطبة، وقد توفي ثمانية أشخاص على الأقل منهم. قابلت صحيفة “ذا غارديان” مجموعة من ثلاثة أسر كردية عراقية من “دهوك”، من بينهم ثمانية أطفال على الأقل، كانوا قد عبروا للتو إلى الحدود البولندية من بيلاروسيا، في حين وصل متطوعون من منظمة “غروبا غرانيكا”، وهي شبكة من منظمات غير حكومية تراقب الوضع على الحدود، إلى هذه الأسر الكردية في الغابة بالقرب من “نارويكا” قبل أن تمنعهم شرطة الحدود البولندية حتى الآن – بمساعدة محامين مختصين بشؤون اللجوء – من إرجاعهم إلى بيلاروسيا.

يقول رجل يبلغ 40 عامًا: “لقد سافرنا لثلاثة أيام بالسيارة إلى إسطنبول”، ويضيف أنه اضطر لمغادرة محافظة “دهوك” العراقية خوفًا من انتقام أعضاء سابقين في تنظيم داعش في قرى مجاورة.

وأخبر الرجل مترجمًا أنه انطلاقا من تلك المدينة التركية، حجزوا رحلة جوية إلى “مينسك”، وبمجرد وصولهم الحدود البولندية “قطعت الشرطة البيلاروسية السلك الشائك وسمحت لهم بالعبور”. حاولت الأسر عبور الحدو تسع مرات قبل ذلك، لكن الشرطة البولندية تصدّت لهم وقامت بإرجاعهم في كل مرة.

تقول “أنّا ألبوث” من منظمة “حقوق الأقلية” غير الحكومية: إنه “بمجرد وصولهم، أخذتهم الشرطة البولندية في سيارة ونقلتهم إلى مركز مراقبة الحدود”. وأضافت “نحاول مراقبة الوضع، لأننا نعلم من تجاربنا السابقة أن الشرطة البولندية تصدّت للمهاجرين وأرجعتهم من حيث أتوا حتى بعد أخذهم إلى مركز شرطة”.

وقد ضاعفت حكومة وارسو اليمينية بمعدل أربع مرات من حضور شرطة الحدود وجنود الجيش في المنطقة، صانعةً بذلك منطقة عسكرية بعمق ميلين، وأنشئت سياجًا من أسلاك شائكة. هناك عشرات من نقاط التفتيش على طول كامل حدود المنطقة. يوقف الجنود كل السيارات، ويسألون عن وثائق ويطلبون من السائقين فتح صندوق السيارة.

في شوارع مدينة “سكولكا”، التي تبعد نحو 12 ميلاً من الحدود مع بيلاروسيا، تمرّ شاحنات الشرطة بشكل منتظم باتجاه المنطقة الآمنة، فيما تصدح صفارات الإنذار، وتحوم عدة طائرات هليكوبتر لمراقبة المشهد من الأعلى. تقول “كايلي مكانلي” مستشارة الشؤون الإنسانية في منظمة “أطباء بلا حدود”: إن “الوضع يائس ويزداد سوءًا”. وتضيف: “رأيت بأم عيني الإصابات التي تعرّض لها الناس بعد اعتداء قوات حرس الحدود البولندية والليتوانية عليهم”.

وتابعت بالقول: “وصف الناس كيف تم الاعتداء عليهم بأعقاب البنادق، وتوجيه لكمات لضلوعهم، وصعقهم بالكهرباء في الرقبة، فضلًا عن قيام شرطة الحدود بالاستيلاء على متعلقاتهم أو تدميرها. هذا أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف الآن”. وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، فقد نامت أسرة سورية في الغابة على الجانب البولندي من الحدود لـ 21 يومًا قبل إرجاعهم بالقوة إلى بيلاروسيا.  المساعدة الوحيدة التي تلقتها الأسرة كانت من طرف سكان محليين كرماء، لكن السلطات البولندية أرجعتهم بالقوة إلى بيلاروسيا حيث ينتظرهم هناك مصير مجهول.

وأرسلت الحكومة البولندية رسالة نصّية إلى هواتف المسافرين الذين وصلوا مؤخرًا، تحذرهم فيها من أن “الحدود البولندية مغلقة” وأن “بيلاروسيا تكذب عليكم” وتطالبهم بـ “العودة إلى مينسك”. تحتوي هذه الرسالة – الموجّهة إلى طالبي اللجوء ولكن تم إرسالها أيضًا لمعظم المسافرين إلى بولندا الذين أكملوا ملء استمارة تحديد موقع المسافرين – على رابط لموقع يتضمن تحذيرًا غامضًا موجهًا لطالبي اللجوء: “لا تتناولوا أي حبوب أو أدوية تُقدَّم لكم في بيلاروسيا، فربما تتعرضون لتسمم”. تقول “أنّا تشملوسكا” العضوة في مؤسسة “أوكاليني” والمنسّقة في مركز “مساعدة الأجانب” في وارسو: “في مطلع أكتوبر، أخبرت الحكومة البولندية الصحافة أن المهاجرين يتصرفون بطريقة غريبة، وأنها تظن أن ضباطًا بيلاروسيين خدّروهم أو سمّموهم”. وتابعت: “ليس لدينا مزيد من المعلومات بشأن هذه القصة، لكنني أرى أنها أخبار مزيفة لجعل المهاجرين يبدون خطرين وجعل بيلاروسيا تبدو شريرة”.  

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا