الحزب الاشتراكي الألماني يعيش حالة الانقسام ما بين التجديد أو البقاء في التحالف

جاسم محمد
رؤية ـ جاسم محمد

تواجه الحكومة الألمانية، منذ شهر سبتمبر عام 2017، تزايدا في الخلافات داخل الائتلاف الحاكم وهذه الخلافات، دفعت الكثير من المراقبين إلى القول بأن هذا التحالف لن يصمد كثيرًا، كونه ولد هشًّا أصلًا.
الحزب الاشتراكي الديمقراطي تعرض للحظر من قبل النازيين وتجاوز حربين عالميتين، وهو الآن يتردد أمام الدخول في تحالف حكومي مع أحزاب الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل. ويواجه الحزب الاشتراكي الديمقراطي منافسين كثر، كما أن التوجهات داخل الحزب لم تفصل بعدُ فيما وجب التوجه نحو الوسط أم الاعتناء بالقيم اليسارية.
وقد سجلت أحزاب الائتلاف الكبير في ألمانيا خسائر فادحة في انتخابات البرلمان الأوروبي يوم  26 إلى 28 مايو 2019، عندما حصل تحالف المستشارة ميركل المسيحي الديمقراطي في هذه الانتخابات على المركز الأول أي ما نسبته 28 في المائة من الأصوات، وهذا يعني أنه خسر حوالي ثمانية في المائة مقارنة بالانتخابات الماضية عام 2014. أما الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم في برلين، أي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد تعرض لخسارة تاريخية وفق هذه التوقعات إذ حصل على 15,5 في المائة من الأصوات، وبذلك يكون قد خسر حوالي 12 في المائة من أصوات مؤيديه.
يقول الباحث في شؤون الأحزاب السيد بوغونته -من جامعة دوسلدورف- “الآن  الحزب الاشتراكي هو منقسم بين هذه الرغبة في تجديد روحه في المعارضة وإكراه المشاركة في تحالف حكومي كبير. ولا يتضح كليا ما إذا كانت قاعدة الحزب ستشارك في هذا المسار: “وهذا قد ينتهي بخسارة سيئة بالنسبة إلى قيادة الحزب”.
مؤشرات تراجع شعبية احزاب الائتلاف الحاكم: ( الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي ـ البافاري والحزب الاشتراكي الديمقراطي):
– تراجع الأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب، رغم فوزها بالانتخابات، وتعرض الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمحافظون، الشريكان أصلا في حكومة التحالف السابقة (2013- 2017) لخسائر فادحة في الانتخابات، رغم أن حزب ميركل حصد نسبة الأصوات الأعلى.
ـ إعلان المستشارة الألمانية ميركل عزمها عدم الترشح مجددا لمنصب المستشارة في 2021، بعد الإخفاقات الأخيرة التي مني بها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة.
ـ تخلي المستشارة الألمانية ميركل  خلال  شهر ديسمبر 2018 عن قيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ التي تولتها ل18 عاما.
ـ تعرّض الحزب الاشتراكي الديمقراطي لخسارة كبيرة في انتخابات مدينة بريمن أصغر مقاطعات ألمانيا يوم 25 مايو 2019  بينما حلّ الخضر في المرتبة الثانية. وهي تعتبر إهانة كبيرة، كون بريمن كانت أحد أبرز معاقل الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ـ إعلان  أندريا نالس رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي يوم  02 يونيو 2019على نحو مفاجئ استقالتها من منصبيها في رئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئاسة الكتلة البرلمانية بسبب النتائج الكارثية التي سجلها الحزب في انتخابات برلمان أوروبا والانتخابات المحلية بولاية بريمن.
كشف استطلاع ألماني حديث “زونتاغس ترند” الصادر يوم 10 مارس 2019 تراجع تأييد المواطنين للحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم بنسبة نقطة مئوية، إلى 17 بالمئة فقط. وظل حزب الخضر في المرتبة الثالثة بنسبة 16 بالمئة. كما احتفظ حزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) اليميني المعارض بنفس النسبة وهي 14 بالمئة:
أسباب تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي
ـ إن غالبية اعضاء الحزب وخاصة من الشباب، كانوا يرفضون وبشدة دخول الحزب الاشتراكي في الائتلاف الحاكم، وقد ثبت صحت اعتقادهم أن مشاركة الحزب الاشتراكي مع الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل، سوف يخلق من الحزب تابعا لها ويخسر الحزب قاعدته الشعبية.
ـ رفضت شبيبة الحزب الاشتراكي الدخول مجددا في ائتلاف حكومي كبير مع تحالف الاتحاد المسيحي. كما أن فرع الحزب في برلين يرفض عقد تحالف كبير بين الاشتراكيين والاتحاد المسيحي بحكم أن التجربة السابقة لم تكن ناجحة بالنسبة إلى الاشتراكيين الذين خسروا نسبة أصوات كبيرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لم تتجاوز 20 في المائة. وما يدعم هذه الفكرة، أن شعبية الحزب الاشتراكي فقد أصلا الكثير من شعبيته في الائتلاف السابق ما قبل سبتمبر عام 2017 وتراجعت شعبيته كثيرا.
وهذا يعني أن أعضاء الحزب التقليديين، كانوا وما زالوا حريصين على مصالحهم بالوصول إلى السلطة والتمتع بالامتيازات على حساب تأريخ الحزب. وكأن الحزب الذي وضع ثلاثة انتخابات مهمة في شرق ألمانيا  تجري في سبتمبر 2019 نصب عينيه، خطط منذ البداية لإعادة النظر في شراكته مع ائتلاف ميركل.
ـ إن الأحزاب التقليدية عموما في أوروبا وفي ألمانيا وبينها الحزب الاشتراكي، أصبحت بعيدا عن المواطن الألماني وهمومه، الاتهامات الموجهة إلى الحزب الاشتراكي من شبيبة الحزب، أنه تخلى عن إرث الحزب وتقاليده الاشتراكية وأصبح تابعا للمستشارة ميركل حتى أكثر من حزبها المسيحي الديمقراطي والحزب البافاري. الحزب الاشتراكي بالفعل خسر “هويته” حتى مواقفه إزاء الهجرة تحولت إلى صالح المسيحي الديمقراطي والحزب البافاري.
النتائج
ـ يبقى الرهان قائما على استمرار هذا الائتلاف الحاكم، رغم أنه أصبح هشا أكثر من بقية المراحل في تاريخ ألمانيا. هذه التطورات بدون شك تثير مخاوف ميركل والحزب البافاري داخل ألمانيا، بسبب احتمال انسحاب أو خروج الحزب الاشتراكي من الائتلاف الحاكم، من أجل إعادة صفوفه من الداخل.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الحزب الاشتراكي شارك في الائتلاف الحاكم بزعامة ميركل من أجل مصلحة ألمانيا أكثر من مصلحة الحزب، كون ألمانيا عاشت ازمة تشكيل حكومة دامت أشهرا طويلة ليخرج الائتلاف الحاكم بهذه الصورة.
ـ إن تداعيات أي انهيار محتمل للائتلاف الحاكم، لا تتحدد في داخل ألمانيا بل في دول أوروبا، وخاصة فرنسا، هي الأخرى في موقف لا يحسد عليه بزعامة ماكرون. أصوات الحزب الاشتراكي، ربما تسربت إلى اليسار والخضر، أكثر من بقية الأحزاب، أما أصوات الحزب المسيحي الديمقراطي والبافاري، فقد تسربت إلى الحزب البديل من أجل ألمانيا، وكأننا اليوم أمام مشهد “بورصة سياسية”، في يوم وليلة يعلن الائتلاف الحاكم في ألمانيا، إفلاس شعبيته!
أما احتمال إجراء انتخابات مبكرة يبقى واردا، وإذا أجريت سيكون الحزب الاشتراكي الخاسر الأكبر وكذلك الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة ميركل، وتحول الأصوات إلى أحزاب اليسار والخضر واليمين أو البديل من أجل ألمانيا.

التوصيات
ما ينبغي أن يقوم به الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هو العودة إلى تقاليده الاشتراكية التي عرف بها عبر التاريخ، والاهتمام بالملفات الرئيسية التي تهم المواطن الألماني في الوقت الحاضر، ومنها البيئة وفرص العمل والتأمين الاجتماعي والتأمين الصحي وملف الأمن والهجرة.. كذلك يحتاج الاشتراكيون في أوروبا إلى مد الجسور وإعادة ترتيب صفوفهم داخل البرلمان الأوروبي والبرلمانات الأوروبية على غرار ما تفعله الآن أحزاب اليمين المتطرف.

ربما يعجبك أيضا