الصحافة الفرنسية | ماكرون ولوبن يسحقان حلول الوسط.. والتقارب السعودي الإيراني إلى أين؟

مترجمو رؤية

ترجمة – فريق رؤية

هل ثمة مواجهة حتمية بين ماكرون ولوبن؟

سلطت جريدة “نوفيل أوبس” الضوء على توقعات المعركة الانتخابية الرئاسية الفرنسية المقبلة، بعد أن أعادت الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية تشكيل المشهد، فقد وجد حزبا الجمهورية إلى الأمام (حزب الرئيس ماكرون) وحزب التجمع الوطني التابع للمرشحة مارين لوبن، أنفسهما بعيدين عما توقعته استطلاعات الرأي، ولا زالت المنافسة مفتوحة.

ورغم أنه لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث، لكن الجميع يفعل ذلك بالفعل. وهكذا، يدور الحديث عن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2022. لقد تم تفسير استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت – التي لا تمثل إلا لمحة بسيطة عن الرأي العام – على أنها إشارات تحذير لحدوث مبارزة حتمية بين ماكرون ولوبن. فهل حقًّا سيكون هناك انتقام لمبارزة عام 2017؟ في الواقع، أشارت دراسات أخرى إلى أن غالبية الفرنسيين يرفضون هذا السيناريو، وهكذا فإن ما حدث في الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية شكك بالفعل في توزيع الأدوار.

ومن المسلّم به أن قائمة الاقتراع المحلية التي حطم فيها الامتناع عن التصويت جميع السجلات السابقة بنسبة 66٪، مختلفة تمامًا عن الانتخابات الرئاسية ذات الخصوصية الشديدة. وقلة من الناخبين الذين تحدثوا يوم الأحد الماضي فهموا ذلك جيدًا. ووفقًا لاستطلاع آخر للمعهد الفرنسي للرأي العام، فقد حدد 75٪ من المشاركين تصويتهم على أساس قضايا إقليمية بحتة؛ وبالتالي لم يسعوا بأي حال من الأحوال إلى معاقبة ماكرون أو للترويج للوبن.

أكبر الخاسرين من الجولة الأولى

يبدو أن رئيس الجمهورية وعدوته المفضلة هما أكبر الخاسرين في الجولة الأولى. وبالنظر إلى معطيات ما قبل التصويت التي تشير إلى تقدم مرشحي مارين لوين في ست مناطق، وهم بين المفضلين في ثلاث مناطق أخرى، فإن مرشحي لوبن ليسوا مرشحين للفوز بأي حال من الأحول. حتى تييري مارياني، المنشق عن حزب الجمهوريين، المرشح المفضل في دائرة بروفنس ألب كوت دازور، بات يخاطر الآن بالفشل بعد انسحاب القائمة اليسرى لصالح رينو موزيلييه المنتهية ولايته، الذي كان قد تحالف مع حزب الجمهورية إلى الأمام في الجولة الأولى. وعلى الصعيد الوطني، فاز حزب التجمع الوطني بنحو 19٪ فقط من الأصوات، مقارنةً بأكثر من 27٪ في الانتخابات الإقليمية لعام 2015، وهذا فشل مرير لمنافسة الإليزيه.

وهنا سؤال ملح حول ما إذا كانت استطلاعات الرأي مخطئة للغاية بشأن نوايا التصويت لصالح حزب التجمع الوطني على المستوى الإقليمي، فكيف يمكننا الوثوق بالدراسات التي وضعت مارين لوبن على رأس الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية؟ هذا الأمر لم يتم الإعلان عنه سابقًا في نوايا التصويت، فهل يتم الآن إعلان التصويت لصالح لوبن؟ في الواقع تحفز المرشحة أنصارها وتحثهم على “تخصيص خمس دقائق من وقتهم لإسماع صوت الناس”. إن إثارة الشعور بانعدام الثقة في الديمقراطية هو مايسمح لها حتى هذه اللحظة بالازدهار في القيام بدورها.

اليسار يعيد اكتشاف مزايا الاتحاد

من جانبه، يعتمد ماكرون على عدم الاكتراث التام بالانتخابات المحلية التي يقوضها الامتناع عن التصويت. ومع ذلك، ربما يكون فقد دوره كشرطي مضاد للتجمع الوطني. فأمام مرشح حزب الجبهة الوطنية في أوت – دو- فرانس وبفارق كبير، انتصر إكزافييه بيرتراند بسهولة على الوزراء الذين كانوا يطاردونه وبات الآن يدعي حشد الناخبين اليمينيين لمعركته الرئاسية. وبشكل غير متوقع، تصبغ اليسار الاشتراكي والبيئي بألوان جديدة، حيث أخذا يرفعان رأسيهما ويتعرفان من جديد على مزايا الاتحاد في مناطق إيل دو فرانس، وباي دو لوار على وجه الخصوص. فهل سيكون باستطاعة اليسار تجاوز انقساماته وإيجاد مرشح حاشد للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ اليقين الوحيد بهذا الصدد هو أن يثبت التصويت الإقليمي أن اللعبة الرئاسية لا تزال مفتوحة أكثر مما تبدو.

ويظهر فشل حزب الجمهورية للأمام، الذي فاز بنسبة 10٪ فقط من الاقتراعات على المستوى الوطني، شعور رئيس الدولة بالوحدة الشديدة. فمثل هذه القاعدة الانتخابية الصغيرة تثير الشكوك حول الانتخابات الرئاسية، وحول ما إذا كان التأهل في الجولة الثانية ضد مارين لوبن أمر مؤكد؟ لكن استراتيجيو حملة ماكرون يشعرون بالطمأنينة من خلال التذرع “بمكافأة المنتهية ولايتهم” التي يستفيد منها الوجهاء الإقليميون من اليمين واليسار. وفي أبريل 2022، سيكون المنتهية ولايته هو ماكرون! لكن ماذا لو أصبح الناخبون الفرنسيون المتأثرون بالأزمة الصحية يؤمنون بالشرعية؟ في هذه المرحلة، لا يسع المرء إلا أن يتوقع أنهم سيذهبون للتصويت بأعداد كبيرة في الانتخابات الرئاسية. فهل سيقومون بذلك لتجديد عقد الإيجار؟ أم لإخراج المنتهية ولايتهم كما تعودوا؟ في الواقع الأمر ممتلئ بالتشويق.

 

الانتخابات الإقليمية تقلب الاستراتيجيات الرئاسية لدى ماكرون ولوبن

وفي السياق ذاته، رأت جريدة “لا ديبيش” أن كلا المرشحين ماكرون ولوبن كانا ينتظران إجراء الانتخابات الإقليمية التي تُعد الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية، أو نقطة الانطلاق، أو المختبر، أو لأنها تأتي تتويجًا لاستراتيجيات سياسية غنية لإضعاف المعارضة التقليدية. فعلى كل منهما، في ظل حرصه على خوض المبارزة في مواجهة الجولة الثانية التي لا يريدها الفرنسيون، مراجعة خططه الرئاسية الآن بشكل دقيق، حيث لم يبدُ أي شيء كما كان مخططًا له.

التساؤل حول استراتيجية التشويه

بالنسبة لمارين لوبن، وقبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية التي تترشح لها للمرة الثالثة، والأخيرة بلا شك، كان على الانتخابات الإقليمية أن تثبت أن التجمع الوطني يمكنه أخيرًا كسر السقف الزجاجي الذي ظل لسنوات يمنعها من غزو أقاليم جديدة بسبب الجبهة الجمهورية التي يقول البعض عنها إنها عفا عليها الزمن.

وبالاعتماد على قوة استطلاعات الرأي التي تنبأت بتحقيق حزب لوبن النصر في منطقة إلى ثلاث مناطق، كانت مارين ابنة جان ماري لوبن تعتزم جعل هذه النجاحات تتويجًا لاستراتيجيتها الخاصة بالتشويه والتطبيع. وإثبات أن حزب الجبهة الوطنية يمكن أن يقود البلاد بشكل طبيعي. وللأسف! لم يتمكن حزب التجمع الوطني من الفوز بأي منطقة – بل تضاءل أمله كذلك في منطقة بروفنس ألب كوت دازور مرة أخرى مع انسحاب قائمة اتحاد اليسار- لكنه أظهر أيضًا أداءً أقل من ذلك الذي جرى تحقيقه خلال الانتخابات الإقليمية لعام 2015. وعبر التذرع بالامتناع التاريخي عن التصويت وحقيقة أن جميع ناخبي حزب التجمع الوطني “لم يحضروا” خلال الجولة الأولى، فإن نتائج هذه الانتخابات تشكك بوضوح في مجمل استراتيجة حزب لوبن، لأنها لا تزال خاسرة.

ألم يكن من الأفضل البقاء ضمن الراديكالية التاريخية للجبهة الوطنية، التي تحظى بحشد قوي للناخبين اليمينيين المتطرفين، بدلًا من محاولة الميل نحو يمين اليمين من خلال الترحيب بالمنشقين من الاتحاد من أجل الحركة الشعبية ثم من الجمهوريين مثل تييري مارياني، وسيباستيان تشينو، أو جان بول جارو، مع السماح بتشكيل تيار “يمين خارج الجدران”، والذي يعتبر إريك زمور رئيسه؟ هذا السؤال بين القديم والجديد، الذي طالما عبر الحزب الحدودي، سيكون موضوعًا آخر للنقاش في مؤتمر شهر يوليو، حيث سيتعين على مارين لوبن التنازل عن رئاسة الحزب لمواصلة حملتها الانتخابية. وبالنظر إلى نتائجها المنخفضة في الانتخابات الإقليمة بمنطقة إيل دو فرانس، فإن الوصيف جوردان بارديلا ليس متأكدًا ما إذا كان سيحظى بهذا المنصب، الذي ينازعه عليه الآن لويس أليوت بوضوح.

معارضة منتعشة

ومن جانب إيمانويل ماكرون أيضًا، فإن هذه المناطق التي كان يتصور الرئيس الفرنسي لفترة من الوقت تجاوزها ستقلب خططه. فبسبب غياب مؤسسة محلية من شأنها أن تساعده على تصور انتصار في منطقة ما، حلمت حركة الجمهورية للأمام بأن تكون صانعة ملوك؛ ما أجبر اليمين هنا واليسار هناك على المطالبة بدعم الأغلبية الرئاسية من أجل الحفاظ على منطقتهم في مواجهة التجمع الوطني. وكانت العملية التي جرى فيها حشد العديد من الوزراء بمثابة خطوة لقطع الطريق تحت أقدام المنافسين المحتملين للرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبدافع من رغبته في الاستفادة من الشعبية المتجددة التي توفرها عملية التفكيك، فإن رئيس الدولة، الذي لم يرغب في الانخراط في الانتخابات الإقليمية، غيّر رأيه أخيرًا وتوقفت جولاته الميدانية لزيارة أراضي فرنسا في منطقة أوت دو فرانس، وأوضح عدد من مرشحي حزب الجمهورية للأمام أن التصويت لصالحهم كان تصويتًا لصالح الرئيس ماكرون .

وللأسف هناك أيضًا الفشل في جميع المجالات؛ حيث حقق رؤساء الجمهوريين والحزب الاشتراكي المنتهية ولايتهم درجات أعلى بكثير مما كان متوقعًا، وجرى التخلص من قوائم حزب الجمهورية للأمام، بما في ذلك تلك الخاصة بالوزراء الأغنياء في منطقة أوت دو فرانس والتي تم استبعادها من التشكيل. وفي النهاية، يجد حزب الرئيس ماكرون نفسه مضطرًا للتعامل بسياسة المنطقة تلو الأخرى في حال انسحب أمام التجمع الوطني، أي أنه سيطبق مبدأ الجبهة الجمهورية التي يمكن للأغلبية الرئاسية أن تطالب بها في الانتخابات الرئاسية خلال المبارزة بين ماكرون ولوبن.

وتؤكد الانتخابات الإقليمية أيضًا مدى فشل الحزب الرئاسي في ترسيخ جذوره في البلاد منذ إنشائه قبل خمس سنوات، وتظهر أن الجمهورية إلى الأمام موجود فقط بفضل إيمانويل ماكرون. لكن الرئيس الفرنسي الذي كان يأمل في استكمال التفكيك السياسي للعالم القديم من خلال الانتخابات الإقليمية، تسبب في إثارة معارضيه في نهاية المطاف، غير أن اليمين يتمتع بموقع أفضل من اليسار، ويمكن أن يعود أيضًا إلى حرب الأشقاء بين القادة.

واعترافًا بفشل الأغلبية، قال جيرالد دارمانين إن “الفرنسيين شعب سياسي وليسوا أغبياء. وعندما يصوتون في الانتخابات الإقليمية، فإنهم يصوتون لرئيس إقليمي. لكن عندما يصوتون على رئيس الجمهورية فإنهم يختارون رئيسًا للجمهورية، شريطة أن يصوّتوا؛ لأنه حتى هذه اللحظة، يعدّ معدل الامتناع فشلًا جماعيًّا للطبقة السياسية بأكملها.

ماكرون ولوبن يسحقان جميع الحلول الوسط

وفي مقابلة مع جريدة “لوبوان”، حذر أستاذ العلوم السياسية “جيروم سانت ماري” من التفسيرات التي يعتبرها محفوفة بالمخاطر للجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية، والتي أحدثت مفاجآت ضخمة، حيث كانت جيدة لليمين، وجيدة بدرجة أقل للحزب الاشتراكي، لكنها أتت سيئة لكل من حزبي الجمهورية إلى الأمام والتجمع الوطني.

وبعد أن توقع حزب مارين لوبن أنه سيكون الفائز الأكبر في هذه الانتخابات، فقد خسر ما يقرب من أربعة ملايين صوت بين عامي 2015 و2021. ويبدو أن هدفه في الفوز بمنطقتين أو ثلاث مناطق قد تلاشى، والأمل الوحيد لديه بات يقع على عاتق تييري مارياني، رئيس القائمة في بروفانس ألب كوت دازور.. وإلى أبرز ما جاء في الحوار:

حملت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية مفاجآت قليلة، لا سيما فيما يخص التجمع الوطني الذي سجل نتائج أقل مما كان متوقعًا؛ فهل يمثل هذا الأمر حجر عثرة في طريق مارين لوبن نحو الرئاسة؟

جيروم سانت ماري: أحدث انخفاض النسبة المئوية للأصوات لصالح حزب مارين لوبن في الانتخابات الإقليمية لعام 2021 مقارنة بسابقتها لعام 2015 بفارق يبلغ عشر نقاط تقريبًا صدى كبيرًا في فرنسا، حتى لو تمت الجولات الأولى بعد أسابيع قليلة موجة الهجمات. لكن هذا لا يفسر كل شيء، حيث تحمل ردود الفعل دلالة على وجود ظاهرة الأثر المضاعف؛ لأن آخر استطلاعات الرأي المنشورة كانت تؤشر على نتائج أكثر أهمية. ومع ذلك، يجب تخفيف العواقب السياسية التي سببتها هذه الجولة الأولى الفاترة. في الواقع، أظهر استطلاع للرأي حول نوايا التصويت الرئاسي أجرته مؤسسة “هاريس التفاعلية للتحديات” في وقت سابق من هذا الأسبوع أن الاستطلاع له تأثير ضئيل على توقعات المواطنين لانتخابات عام 2022 الرئاسية لأن نسبة مارين لوبن في الجولة الثانية بلغت 46٪. وفي الواقع لا يمكننا استقراء التوقعات الرئاسية من نتائج الانتخابات الإقليمية، لقد رأينا اليسار واليمين يواجهان صعوبات على الصعيد الوطني، لكنهما أقوياء للغاية محليًا. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي، احتلت قوائم التجمع الوطني والجمهورية إلى الأمام المقدمة بينما كانت هي الأقل مشاركة محليًّا.

هل يمكن توقع زيادة في الإقبال، لا سيما من ناخبي التجمع الوطني؟

أعتقد أنه سيكون هناك إعادة تعبئة للناخبين بالكامل. ففي المتوسط ​​خلال الانتخابات الإقليمية الثلاث الأخيرة، تم تسجيل زيادة بلغت ست نقاط في الإقبال بين الجولتين الأولى والثانية. ووفقًا لرأي العديد من السياسيين، كان هناك نقص في المعلومات المدنية من جانب الحكومة، حتى أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا أن هناك انتخابات إقليمية. ومن وجهة النظر هذه، ستكون الجولة الأولى قد عوّضت جزئيًّا هذا التقصير الحكومي الذي تفاقم بسبب ندرة النشطاء، الذين عكفوا على الترويج فقط للجولة النهائية للانتخابات.

وعلى غرار انتصار التجمع الوطني في دائرة بربينيان بالانتخابات البلدية الذي كان بمثابة الشجرة التي خبأت الغابة، هل بإمكان النصر في بروفانس ألب كوت دازور أن يكون كافيًا لحزب مارين لوبن؟

إذا حدث ذلك فسيكون هناك تأثير عكسي مفاجئ. حيث تظهر نتائج الجولة الأولى في بروفانس ألب كوت دازور أن فوز تييري مارياني يستدعي تغييرًا كبيرًا في عدد وتكوين الناخبين. وعندما يشارك ثلث المسجلين فقط، تصبح مسألة إعادة التصويت مرحّلة ثانوية. فكل شيء يعتمد على التفاوت في التعبئة. علاوة على ذلك، بالمقارنة مع عام 2015، فإن فكرة الجبهة الجمهورية باتت أكثر هشاشة وقد تبدو وكأنها ترتيب بين الموظفين وتتسبب بإزعاج الناخبين. ومثل هذه النتيجة في بروفانس ألب كوت دازور، افتراضية للغاية، وسيكون لها بالطبع تداعيات سياسية كبيرة على المستوى الوطني.

يستخدم بعض اليمينيين تجاه مارين لوبن، ولا سيما إريك زيمور، النتائج المخيبة للآمال للتشكيك في مسار التجمع الوطني. فهل قلّلت لوبن من أهميتها عبر توحيد التجمع الوطني؟

قبل كل شيء، أعتقد أن نتائج التجمع الوطني هي ضحية التكوين الاجتماعي لناخبي التجمع الوطني. لكن تعتبر نتائج لحزب الجمهورية إلى الأمام أكثر إثارة للقلق؛ لأن التكوين الاجتماعي لناخبيه موات للغاية للمشاركة. وبالعودة إلى التجمع الوطني، فإنني لست مقتنعًا بأن الناخبين في هذه الجولات المحلية أدركوا حقًّا التغيير الذي طرأ على المسار. ولذلك أفترض أنه كان هناك نقص في الدافع. وألاحظ أيضًا أن القوائم التي يمكن وصفها باليمين المتطرف حققت درجات محدودة مثل قائمة Zou. ومثل هذه النتائج لا تؤكد أو تنفي مسار لوبن، فهي غير ذات صلة؛ بل يظل العمل المؤثر الوحيد هو التواصل الانتخابي حيث كان بإمكان حزب الجبهة الوطنية بلا شك أن يسعى إلى إضفاء الطابع الدرامي على هذه الانتخابات بشكل أكبر، لجعلها انتخابات وطنية بدلًا من إثارة الشعور بالمسئولية والقدرة على إدارة رأس القائمة بشكل جيد. ويجب أن أضيف أيضًا أن السياسة الوطنية لا تزال تعاني حالة من الخدر بسبب أزمة كورونا. وآخر انتخابات “طبيعية” كانت الانتخابات الأوروبية لعام 2019 والتي كان من الممكن أن تشهد مبارزة بين التجمع الوطني وحزب الجمهورية إلى الأمام. والآن نحن في حالة انعدام للجاذبية؛ لأن الحكم على السلطة التنفيذية أخذ يتراجع: فلا إصلاح، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك تصويت مناهض الإصلاح.

حزب التجمع الوطني، الذي يتباهى بأنه أول حزب معارض، لا يمكنه الفوز في الانتخابات الوسطية بعد أن هزم الحزب الحاكم في الانتخابات الأوروبية بفارق نقطة واحدة فقط…

على المستوى الإقليمي والمحلي، لا ينجح هذا الحزب في ترسيخ نفسه؛ فالفجوة بين “التقدمية” و”الشعبوية”، والذي تعد أيضًا فجوة كتلة في مقابل كتلة، مهمة على المستوى الوطني، لكنها لا تترجم إلى المستوى الأدنى. نحن نعيش في بلد توجد فيه حياتان سياسيتان متداخلتان لا علاقة لهما ببعضهما البعض. وأستطيع تقديم القراءة التالية للانتخابات الأوروبية: فحتى لو كان حزب الجمهورية إلى الأمام في السلطة، وإذا كان إيمانويل ماكرون قد أعد حملة تقوم على مناقشة كبيرة بعد أزمة السترات الصفراء، فقد فاز حزب التجمع الوطني في الانتخابات! ولا يمكننا أن نقول “عندما تكون قائمة ماكرون في المقدمة، تكون قد فازت، وعندما لا تكون في المقدمة، فإنها لا تخسر”!

وعندما أستمع إليه، أكوّن انطباعًا بأن كل شيء وعكسه يقوي تصميمه على الفوز، ويبدو لي أن القراءة التي يستطيع أن يقرأها لهذه الانتخابات منحازة تمامًا بسبب رغبته الموجودة مسبقًا في الترشح للرئاسة بأي ثمن. فعلى الرغم من الاستطلاعات التي لا تزال منخفضة والتي تشير إلى تمكنه من 18٪ فقط من المقومات الانتخابية، وهي نسبة محدودة للغاية، دون أخذ المنافس بعين الاعتبار، واحتمالية أن تشهد الانتخابات جولتين، ونسبة 5.5٪ من نوايا التصويت في الجولة الأولى في هذا الاستطلاع. بالفعل الرئيس ماكرون محبوب من قبل البعض، لكنه في الواقع لا يحظى بشعبية كبيرة، ولا نرى في هذه المرحلة عددًا من الناخبين المحبطين من مارين لوبن يمكن أن ينضموا إليه.

أخيرًا، هل لا تزال الجولة الثانية من معركة ماكرون – لوبن والتي يدور الجدل حولها منذ شهور راسخة؟

بالتأكيد. فكلاهما أضعفته هذه الانتخابات الإقليمية، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. لكن كما حلّلت في كتابي الأخير، فهما يمثلان استقطاب المجتمع الفرنسي جيدًا لدرجة أنهما يسحقان جميع الحلول الوسط. إن نجاح اليسار واليمين هو عار لأنه ينبع من هيئة انتخابية مبتورة؛ الأمر الذي يسمح لقادة اليمين بأخذ مكانهم في السباق الرئاسي، لكنه لا يُظهر أن اليمين واليسار قادران على حشد الناخبين الشعبيين لأن هذه الانتخابات جرت بدونه، وبتمثيل مفرط هائل، ويستفيد اليمين بشكل خاص من حقيقة أن ما يقرب من نصف الناخبين في الجولة الأولى هم من المتقاعدين.

هل تتجه السعودية وإيران نحو تطبيع العلاقات؟

وعلى صعيد الشرق الأوسط؛ سلط موقع “لاكروا” الضوء على مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية. فبعد ثلاثة أيام من توليه الرئاسة الإيرانية، أكد إبراهيم رئيسي أنه “لا توجد عقبة” أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، الخصم الإقليمي الأكبر لبلاده، وهذه اليد الممدودة تؤكد حالة الاسترخاء التي بدأت منذ عدة أشهر بين البلدين.

ومنذ بداية هذا العام، عُقدت عدة اجتماعات سرية في محاولة لتخفيف التوترات التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2016، لكن تم إنكارها أولًا، قبل أن يؤكدها منذ ذلك الحين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين قال لإذاعة “ذا ناشيونال” الإماراتية في أواخر أبريل: “إيران دولة مجاورة، وكل ما نريده هو علاقة جيدة ومميزة معها”. وفي الشهر نفسه، التقى وفود من كبار المسؤولين السعوديين والإيرانيين بوساطة عراقية في بغداد. يقول ديفيد ريجوليهروز الباحث بالمعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط: “كان الأمر بمثابة طريقة لإظهار أنهما ليسا بحاجة إلى تدخل خارجي أمريكي لحل مشكلاتهما”.

اهتمام مشترك بالحوار

وكان البلدان على خلاف منذ عام 2016 وواجها النزاع المسلح. ففي سبتمبر 2019، شنت طائرة من دون طيار هجومًا على العديد من المواقع النفطية في المملكة العربية السعودية. وادعى المتمردون اليمنيون أنهم المسؤولون عن الهجوم، لكن تم إلقاء اللوم على إيران في وقت لاحق. يقول ديفيد ريجوليهروز: “حدث هذا الهجوم لكن دون أن يتبعه رد أمريكي كما توقعت الرياض”. وتبين أن السياسة العدوانية التي انتهجهتا المملكة بالتنسيق مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب تجاه إيران لم تكن ناجعة.

ومنذ أتى جو بايدن لسدة الحكم، تبرأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من هذه السياسة وتمسك بخطة رؤية 2030 الطموحة، والتي تهدف إلى تنويع اقتصاد السعودية خارج إطار النفط، مدركًا أنه “لا يمكنه الشروع في منطق المواجهة مع إيران، كما أن تطبيع العلاقات يسمح لبلاده أيضًا بتعزيز قوتها الداخلية”.

نفوذ إقليمي كبير

فيما يؤكد تييري كوفيل، الباحث بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية والمتخصص في الشؤون الإسلامية، أن إيران منفتحة على الحوار ما دامت المحادثات لا تتعلق بالتشكيك في نفوذها في المنطقة، معتقدًا أن “البلدين ليسا مصممين على أن يكونا أعداء”، وأشار إلى الانفراج في العلاقات الذي شهدته حقبة السبعينيات من القرن الماضي.

ومن المواضيع التي احتلت محور المناقشات بين البلدين، الصراع في كل من اليمن وسوريا ولبنان، حيث يتواجه البلدان بشكل غير مباشر. وسوف تلعب اليمن، على وجه الخصوص، دور الترمومتر بين هاتين القوتين الإقليميتين، فالسعودية تحلم بإخراج نفسها منه، وإيران، من جانبها، تريد وفقًا لرأي تييري كوفيل “أن يكون للحوثيين مكان في البيئة السياسية اليمنية المستقبلية”.

ربما يعجبك أيضا