الصين تسعى لبسط نفوذها في آسيا الوسطى بمبادرة «الحزام والطريق»

بسام عباس

مع تضاؤل النفوذ الروسي في آسيا الوسطى، يضع الرئيس الصيني شي جين بينج المنطقة هدفًا له ليبسط نفوذه عليها.


تسعى الصين لزيادة نفوذها في منطقة آسيا الوسطى من خلال مبادرة الحزام والطريق، مستغلة انشغال موسكو بالحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضحت مجلة “ناشيونال إنترست” في تقرير نشرته أمس الأربعاء 9 نوفمبر 2022، أن الصين، المانح الرئيس للدول النامية في المنطقة، تعطي مبادرة الحزام والطريق أولوية قصوى في استراتيجية المشاركة الإقليمية.

تباطؤ اقتصادي وتعثر مالي

أفاد تقرير “ناشيونال إنترست” الأمريكية أن الصين استثمرت نحو 90 مليار دولار في دول مبادرة الحزام والطريق بين عامي 2014 و2019، ولأن الدول النامية منخفضة الدخل تمثل أكثر من 46% من إجمالي دول المبادرة، أصبح العديد منها مدينًا للصين.

وأضافت المجلة أن جميع دول مبادرة الحزام والطريق شهدت نموًا سلبيًا في الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انتشار فيروس كورونا، الذي دفعها لخفض ملاءاتها المالية، ما ضاعف ديون هذه الدول للصين، فمن بين 68 دولة مشاركة في المبادرة لن تستطيع 23 دولة الوفاء بالتزاماتها.

تعزيز المبادرة

توقعت المجلة في تقريرها ألا تتغير سياسة الصين تجاه آسيا الوسطى كثيرًا، وقالت إنه مع وضع الأزمة الاقتصادية الحالية والتغيرات الهيكلية داخل النظام الدولي في الاعتبار، فمن المرجح إجراء تعديلات في هذه السياسة بتعزيز مبادرة الحزام والطريق.

وأضافت أن رئيس الصين سيكثف ترويج المبادرة في آسيا الوسطى في أثناء ولايته الثالثة، لأهميتها في إنجاح المبادرة، ولأن الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق انطلق قبل عشر سنوات من كازاخستان، فسيكون على الصين إظهار إنجازات المشروع في آسيا الوسطى، تأكيدًا لنفوذها.

بكين تحل محل موسكو

أوضح التقرير أن بكين تتفهم صعوبة التنبؤ بدور روسيا في المنطقة، فكانت حريصة على عدم الضغط بشدة على مبادرة الحزام والطريق في المنطقة، ومع الاتجاهات الجديدة في علاقاتها بدول آسيا الوسطى، تسعى بكين لتوطيد موطئ قدم قوي في المنطقة لتحل محل موسكو.

ونظرًا إلى تراجع دور روسيا في آسيا الوسطى بسبب حربها المستمرة في أوكرانيا، أخذ موقع الصين بالمنطقة في الصعود، ما أدى إلى تسريع خروج دول المنطقة من مدار موسكو، فضلًا عن أن اعتماد موسكو الاستراتيجي على بكين في الحرب، يجعل الانتقام الروسي من الصين مستبعدًا.

موجة دبلوماسية عالية الكثافة

ذكرت “ناشيونال إنترست” أن الزعيم الصيني التقى زعماء من دول آسيا الوسطى أكثر من مرة، خلال هذا العام فقط، ما يشير إلى موجة جديدة من الدبلوماسية عالية الكثافة، تلخص 30 عامًا من العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف، وتطلعات التعاون في المستقبل، وهي رسالة من الصين بأنها موجودة بقوة.

وفي القمة الافتراضية التي جمعت قادة آسيا الوسطى ورئيس الصين في يناير 2022، قدم شي عددًا من المقترحات المهمة، منها زيادة التجارة إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2030، وتعميق التعاون في مجال التقنيات المتقدمة، وتوفير 1200 منحة دراسية ترعاها حكومة بكين، وفق ما ذكرته المجلة.

النظرة الإيجابية في وسائل الإعلام

قالت المجلة الأمريكية إن زيارات شي في سبتمبر لكازاخستان وأوزبكستان، تكشف عن عمق المصالح الصينية في المنطقة، كما كشفت عن الاتفاقيات الموقعة مع البلدين عن التزام الصين السياسي القوي تجاه المنطقة، مع تركيزها الجديد على التعاون بين وسائل الإعلام الصينية ونظيراتها بالمنطقة.

وأشارت إلى أن النظرة السلبية إلى الصين كانت منتشرة في المنطقة، رغم استثماراتها الضخمة للتنمية الاقتصادية في آسيا الوسطى، وسبب ذلك نقص المعلومات الإيجابية عن الصين. ونوهت المجلة بأن تعاون الجانبين إعلاميًّا سيكون أداة رئيسة لتلميع صورة الصين، وتوطيد قوتها الناعمة بالمنطقة.

تعزيز مشاريع النقل

أضافت المجلة أن شي وصف مبادرة الحزام والطريق بأنها آلية مهمة لتحقيق المصالح الصينية في آسيا الوسطى، ففي قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، دعا شي لاستكمال مشاريع المبادرة باستراتيجيات التنمية الوطنية ومبادرات التعاون الإقليمي، وكذلك لتوسيع التعاون شبه الإقليمي ودون الإقليمي.

وستشارك الصين من العام المقبل في تشييد البنية التحتية الحيوية للنقل بالمنطقة، وستحيي مع أوزبكستان وقيرغيزستان مشروع بناء السكك الحديد بينها. ويستهدف المشروع ضمان وصول الصينيين إلى أسواق آسيا الوسطى، بعدما أعاقت الحرب الروسية الأوكرانية الطرق المهمة المؤدية إلى أوروبا.

النفوذ الاقتصادي الصيني

كشفت المجلة عن أن اهتمام الصين بالتنفيذ السريع للمبادرة، من خلال إنشاء خط السكك الحديد، يهدف إلى زيادة نفوذها الاقتصادي الإقليمي. ووفقًا لخبراء، لن يكتفي المشروع بالسكك الحديد، بل سيفتح أيضًا أسواقًا جديدة للمنتجات المصنعة من الدول الـ3، وسيكون الخط من أقصر طرق نقل البضائع الصينية إلى أوروبا.

وأضافت أن الصين ستعمل على استثمارات أكثر استهدافًا، بدلًا من الالتزامات واسعة النطاق، لافتة إلى أن الصين عازمة على حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة من خلال ربطها بشروط سياسية معينة، من المحتمل أن تكون خفيفة في البداية، وأكثر صرامة في النهاية.

مخاوف وتحديات

أوضحت المجلة أن دول آسيا الوسطى تسعى لتسريع تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، وغيرها من المشاريع التي تمولها الصين، في ظل التداعيات الاقتصادية السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، محذرة من قبول هذه الدول لأي “تمويل صيني سخي”، لأنها ستدفع ثمنًا باهظًا يشمل “إضفاء الطابع الصيني” على اقتصاداتها وثقافتها.

وأضافت أن على دول مبادرة الحزام والطريق أن تتعلم من تجارب باكستان وسريلانكا، وأن تكون أكثر حذرًا بشأن قبول الاستثمارات الصينية بشروط سياسية، وبالتالي، تتحول مبادرة الحزام والطريق تدريجيًّا من خطة تطوير البنية التحتية الإقليمية إلى استراتيجية أمنية لآسيا الوسطى.

ربما يعجبك أيضا