الفكرة والأحزاب الإسرائيلية الداعمة.. “خطة ضم الأراضي الفلسطينية” من الألف إلى الياء

مراسلو رؤية

ترجمة: محمود معاذ

ظهرت فكرة “ضم الأراضي الفلسطينية” لحدود إسرائيل مع انتهاء حرب 1967 واحتلال الأخيرة لعدد من الأراضي العربية، من بينها الضفة الغربية، وقد ظهرت اقتراحات مختلفة على أيدي شخصيات إسرائيلية يمينية بضمٍّ كلي أو جزئي لتلك الأراضي إلى حدود إسرائيل بشكل رسمي، جزء من هذه الاقتراحات التي طالبت بفرض السيادة كان لضمان فكرة عدم تنفيذ حل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية بجوار تلك الإسرائيلية، فيما كان جزء آخر مرتبطًا بأيديولوجية أرض إسرائيل الكاملة.

 خلال ولاية بنيامين نتنياهو المستمرة منذ 2009 حتى الآن، ظهرت العديد من الاقتراحات لضم الضفة الغربية أو مناطق منها لحدود إسرائيل بشكل رسمي، وقد تسيدها عضو الكنيست اليميني نفتالي بينت، الذي اقترح (حينما كان عضوًا للكنيست ورئيس مجلس الضفة في عام 2012) فرض سيادة رسمية على المنطقة (ج) بالضفة، والتي تقع بالفعل تحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية، وذلك في إطار برنامج اقترحه تحت مسمى “خطة التهدئة”، والتي تضمنت اقتراحًا أيضًا بنقل قطاع غزة للسيادة المصرية.

وفي عام 2014، أرسل “بينت” خطابًا لبنيامين نتنياهو طالبه بضم المستوطنات الضخمة في الضفة وما حولها لسيادة دولتهم. وفي 2016 قال: “بخصوص أرض إسرائيل، يجب علينا الانتقال من الكبح إلى الحسم، يجب علينا تحديد الحُلم، والحلم هو أن تكون الضفة الغربية جزءًا تحت سيادة أرض إسرائيل”.

وفي عام 2017، اقترح عضوان بحزبَيْ “الليكود” و”البيت اليهودي” مشروعَ قانون لضم مستوطنة معليه أدوميم، وهي أحد أكبر المستوطنات التي تقع في الضفة، وتمتد إلى أطراف القدس الشرقية، وقد قوبِل هذا الاقتراح (آنذاك) من جانب السلطة الفلسطينية بالإعلان أن ضم معليه أدوميم سيؤدي إلى انتهاء مسيرة السلام، وأنه أمر خطير وغير مقبول.

وفي ذلك الحين، كان هناك عدد من الاقتراحات بضمٍّ كامل للضفة الغربية، مثل اقتراح عضوَتَي الكنيست عن الليكود “تسيبي خوتوفلي” و”ميري ريجيف”، اللتين أعربتا عن دعمهما لحل الدولة الواحدة دون إقامة دولة فلسطينية بضم الضفة الغربية كاملة لحدود إسرائيل مع منح الفسطينيين الجنسية الإسرائيلية، وهناك عدد قليل من الشخصيات الإسرائيلية اليمينية الذين لم يتبنوا فكرة الضم، ولكن ليس رأفة بالفلسطينيين، وإنما لتجنب تحمل نفقاتهم، وكان “أفيجدور ليبرمان” على رأسهم.

وبعد إعلان الخطة الأمريكية للسلام بواسطة رئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب”، بدأت إسرائيل إجراءات غور وادي الأردن، وجرى تأجيل تلك الإجراءات، وأعلنت الولايات المتحدة “اعترافها” بسيادة إسرائيل على الجولان، الأمر الذي مهّد لنتنياهو ومنحه الشجاعة الكافية في إعلان برنامج “الضم” لمد حدود إسرائيل إلى الضفة الغربية، والترويج لذلك بقوة خلال انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين.

ويتوقف تنفيذ خطة الضم على عدة عوامل، أهمها مستوى رد السلطة الفلسطينية التي هدد مسؤولوها عدة مرات من تبعات هذه الخطة، ويعد الضوء الأخضر الأمريكي عاملًا مهمًّا للغاية؛ لأن الولايات المتحدة، التي أعلنت القدس عاصمة موحدة لإسرائيل والجولان تحت سيادة الأخيرة، تدرك جيدًا أن ضم أراضي الضفة الغربية مع غور الأردن هو أمرٌ قد يجلب نتائج عكسية تمامًا لا تساعد على قبول منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية لخطتها التي تريد تمريرها لتحقيق السلام، وهناك أيضًا موقف الاتحاد الأوروبي الذي أبدى أغلب أعضائه رفض برنامج الضم تمامًا.

وهناك عامل آخر مهم؛ هو مدى استعداد الأحزاب الإسرائيلية واتفاقها على خطة الضم، إذ تُعتبر إسرائيل دولة ذات نظام برلماني ائتلافي، لذا لو لم يكن هناك اتفاق واضح بين أغلب تكتلات الكنيست، قد يقود مشروع قانون للضم لانهيار الحكومة ذاتها وإجراء انتخابات قد لا تتحملها إسرائيل في ظل الانتخابات الثلاث الماضية التي جرت في أقل من عام لتشكيل الحكومة الحالية، لذا كان حريًّا توضيح موقف الأحزاب الإسرائيلية الكبرى على الساحة السياسية من مشروع الضم ومدى توافق تلك الأحزاب واستعدادها لتنفيذ الخطة، أم أن الفكرة كانت لمجرد جذب الناخب اليميني خلال انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين الذي أنجب لنا الحكومة الإسرائيلية الحالية تحت رئاسة “بنيامين نتنياهو” لعام ونصف، ومثلها لرئيس حزب أزرق أبيض “بيني جانتس”.

موقف الأحزاب الكبرى في إسرائيل

حزب الليكود: صاحب التمثيل الأعلى بالكنيست بـ36 عضوًا، ولطالما روّج رئيسه بنيامين نتنياهو لفكرة الضم، وكان حزبه المبادر في عرْضها قبل الانتخابات الأخيرة، كما يَعتبر حزبه أن ضم أي أراضٍ ممكنة سيساعد على هدم محاولات الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وتستند فكرة الضم في رأي “الليكود” على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن، وقد وعد نتنياهو خلال برنامجه الانتخابي الأخير أنه سيبدأ إجراءات بسط سيادة دولته على تلك الأراضي بعد انتصاره في الانتخابات، والذي لم يحدث حتى تاريخه، ولكنه صرّح مجددًا أن الإجراءات ستكون في بداية يوليو 2020.

ويرى العديدُ من المعارضين والكتّاب اليساريين أن نتنياهو يتحدث مرارًا عن فكرة الضم لاستغلالها مع أزمة وباء كورونا لإلهاء المحكمة العليا الإسرائيلية عن محاكمته بإشعارها أنه في مهام قومية حيوية لإنقاذ دولته وتوسيع نفوذها.

حزب أزرق أبيض: يُعدّ ثاني أكبر الأحزاب تمثيلًا بالكنيست بـ33 عضوًا. كان رئيسه ورئيس الأركان السابق “بيني جانتس” محسوبًا على التيار اليساري في بداية ظهوره على الساحة السياسية، غير أن تصريحاته ضد عرب 1948 رغم استعدادهم لدعمه، قادت لوضعه على قائمة أحزاب الوسط، ثم تصريحه فيما بعد عن دعمه لضم “غور الأردن” تنسيقًا مع المجتمع الدولي. وصرح مسئولون مختلفون أن جانتس لا يستبعد تمامًا فكرة ضم أراضٍ من الضفة، انتهاءً بانضمامه لائتلاف حكومي مع بنيامين نتنياهو، الأمر الذي أوضح أنه لن يعارض أي اقتراح قانون للضم؛ لأن مخالفة ذلك يُنذر بمشاكل مع حزب الليكود الذي انعقد بينهما اتفاق بتبادل رئاسة الحكومة.

القائمة المشتتركة: ثالث أكبر القوى في الكنيست الحالي بتمثيل وصل إلى 15 عضوًا، كان سبب خلافهم الرئيس مع “جانتس” إبداءه دعم فكرة الضم، لذا تُعد القائمة العربية المشتركة بالطبع هي أكبر المعارضين، ووصفوا ذلك بأنه خنوع خطير من جانتس لأفكار نتنياهو، وقد صرح رئيس القائمة “أيمن عودة” بأن خطة الضم ستقود إلى إشعال المنطقة لا محالة.

حزب شاس: وهو يعبّر عن طائفة المتدينين “الحريديم” ذوي الأصول الشرقية، وصل عدد أعضائه في الكنيست الحالي إلى 9 أعضاء، وهو أحد الأحزاب التي انضمت للحكومة الحالية، أعرب رئيس الحزب دعمه لفكرة ضم غور الأردن، وقال خلال جولة له في المنطقة ذاتها في يناير الماضي: إن تلك المنطقة تابعة لإسرائيل، وأمر طبيعي أن تكون تحت سيادتنا. وتابع: “أقول للأغيار وكل العالم، نحن هنا في أرض آبائنا، أرضنا التي نُسْكِنُها مواطنينا، ومن هنا ندعو رئيس حكومتنا بالسعي والإسراع في إعلان أن غور الأردن هي أرضنا”.

تكتل ديجيل هاتوراه: حزب الحريديم الذي يضم ذوي الأصول الغربية ويُمثَّل في الكنيست بـ7 أعضاء، وقد أكد رئيس القائمة “يعقوب ليتسمان” دعمه لقرار ضم غور الأردن.

حزب إسرائيل بيتنا: يترأسه أفيجدور ليبرمان، ويبلغ عدد أعضائه في الكنيست الحالي أيضًا 7 أعضاء، داعم بشدة لفكرة الضم، ولكن يظهر دعمه فقط في أوقات الانتخابات؛ ففي لقاء مؤخرًا مع المستوطنين، أعلن دعمه الكامل للفكرة رغم أنه قال قبل ذلك إنها مكلّفة لإسرائيل ماديًّا وأنه لا يدعمها، لكن من نهج ومبادئ حزبه دعم أي قرار ضد الفلسطينيين وعرب 1948، ولم ينضم للحكومة الحالية أو لم يُضم لأسباب مختلفة، منها خلافاته الكبيرة مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو التي وقعت خلال رئاسة ليبرمان لوزارة الخارجية، وسبب آخر هو عدم خلافات الأحزاب الدينية بالكنيست معه. وبالطبع تمثّل الأحزاب الدينية أهمية كبرى لنتيناهو لتشكيل حكومته مع تمثيلهم العدد الأكبر من حزب ليبرمان.

ربما يعجبك أيضا