القدس.. الورقة المؤجلة على طاولة المكتب البيضاوي

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

كعادته منذ أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، يخرج علينا من آن لآخر بقرار طائش يدخل العالم أجمع في متاهة سياسية وسؤال يتردد في الأذهان من هذا “المتهور” .

وها هو الآن بمجرد جرة قلم يعلن اعتراف بلاده بمدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ضارباً بكل التحذيرات العربية والغربية عرض الحائط.

ترامب “المتهوّر” قرر أخيراً إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ليقضي بذلك على أحلام ملايين الفلسطينيين الذين يتمسكون بالمدينة المقدسة عاصمة لدولتهم التي يأملون إقامتها على حدود 1967.

أصل الحكاية

عام 1980 ضمّت إسرائيل الجانب الشرقي من القدس بعد احتلالها بالكامل سنة 1967، لكن المجتمع الدولي لم يعترف بإعلان سلطات الاحتلال المدينة المقدّسة عاصمة لهم، وظل الموقف الدولي يعترف بهذا الجزء فلسطينياً.

الولايات المتحدة الأمريكية كانت إحدى الدول التي لم تعترف بالخطوة الإسرائيلية، وأبقت قنصليتها بمدينة القدس، في حين قررت دول كثيرة نقل ممثلياتها في غرب القدس إلى تل أبيب.

سنة 1990، نص قرار للكونجرس الأمريكي على نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، وبعدها بخمس سنوات صدر قانون نقل السفارة الأمريكية، الذي تنكّر لتاريخ القدس والسيادة الفلسطينية العربية الإسلامية.

القانون تضمّن 3 بنود؛ الأول أن تبقى القدس موحدة غير مجزأة، والثاني يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لـ”إسرائيل، أما البند الثالث فيلزم الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في أي وقت مناسب.

قانون نقل السفارة

صدر القانون سنة 1995، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وقضى بنقل سفارة الولايات المتحدة من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، بحلول العام 1999 أو متى يحين الوقت المناسب.

وأقرّ القانون إمكانية تأجيل هذه الخطوة ستة أشهر كل مرة، بناءً على طلب مسبق يقدمه الرئيس الأمريكي للكونجرس، بداعي حماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

ويعتبر زعيم الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ “بوب دويل”، عرّاب القانون، وهو قائد جهود تمرير القانون فى الكونجرس، كما أنه كان أول من تقدم بمشروع قانون بشأن نقل السفارة.

في عام 2001 قام الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش بتأجيل القرار لمدة 6 شهور في شهر يونيو 2001 وذلك إبان ولايته الأولى، وواصل التأجيل بقية مدة حكمه التي انتهت في 2008.

ويأتي دعم الولايات المتحدة للقانون في إطار أنه “يصب في مصلحة أمريكا التي تُفضل رؤية عملية السلام “بين الفلسطينيين والإسرائيليين” أكثر استقراراً قبل مواجهة قضية القدس”.

أوباما.. تأجيل الصدام

في محطة أوباما، حاولت واشنطن تفادي تطبيق القرار قدر المستطاع، خوفاً من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وانعكاس ذلك بالطبع على دولة الاحتلال.

وقد أجّل الرئيس الديمقراطي نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة أكثر من مرة، رغم الضغط الكبير الذي كان يلعبه “اللوبي الصهيوني” على الإدارة الأمريكية.

لماذا الآن؟

صدور القانون أعقب توقيع اتفاقية “أوسلو” للسلام بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، والتي تمت برعاية أمريكية.

أمريكا الراعية للاتفاق أرادت المحافظة على الأجواء شبه الهادئة التي خلّفتها “أوسلو” عقب أحداث الاشتباك وانتفاضة الأقصى الأولى سنة 1987، وكانت تعلم أن تنفيذ القانون ينسف كل جهودها التي تصب في مصلحة إسرائيل أولاً.

كما أن اتفاق “أوسلو” كان ينص في مضمونه على الالتزام بعدم المساس بوضع مدينة القدس، وتأجيل بحثها إلى ما يسمى بمفاوضات الحل النهائي، التي اصطدمت بواقع جديد عقب انطلاق انتفاضة الأقصى الثانية سنة 2000.

الأوضاع الساخنة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية تصاعدت بين 2000 و2007، إذ انتهت ولاية كلينتون وبدأت فترة حكم بوش الابن الذي وقّع قانون “القدس الموحدة” سنة 2002، وأقره مجلس الشيوخ الأمريكي.

هذا القانون أثار الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية، في حينه، وقد اعتبرته الدول العربية خطيراً، وقالت: إنه يهدد الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن أنه دليل على الانحياز الأمريكي لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدس وفلسطين، ولكن انشغال “جورج بوش” الابن بالحرب على العراق منع التنفيذ.

كابوس العرب

في مقال نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية للكاتب البريطاني “روبرت فيسك”، قال فيه: إن الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل يمثل حلم إسرائيل وكابوس العرب

وأضاف: “في ضوء 3 حروب كارثية شهدها الشرق، سيكون من الصعب تخيل أن هناك أي شيء آخر أكثر تصعيدا وخطورة وجنونا من إقدام أمريكا على نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، كما يفكر دونالد ترامب”، يقول الكاتب البريطاني:  “يجب أن نتوقع أفعالا جنونية من رئيس مجنون”، لكن، ألا يوجد أي شخص في البيت الأبيض يمكنه أن يعطل ترامب ولا حتى صهره “جاريد كوشنر”، الذي يعد ذراع ترامب في الشرق الأوسط، أم أن “كوشنر” مشغول في فضيحة دعم المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي كشفت عنها مجلة “نيوزويك””.

ويؤكد أن “نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس مجرد خطوة رمزية، إنها تعني أن واشنطن ستعترف بالمدينة، التي تحتل مكانة “مقدسة” عند المسلمين والمسيحيين واليهود، عاصمة لدولة إسرائيل”، مشيرا إلى أن عملية السلام والعالم الوردي الذي يتحدثون عن أننا نعيش فيه لم يعد موجودا حتى في الخيال، لأن الجميع يهجرونها تباعا وفي مقدمتهم إسرائيل والفلسطينيين والأمريكيين.

وتساءل الكاتب البريطاني: “هل سيتوقع ترامب استقبالا حارا ورقصا بالسيف في الرياض ، هل يختار السعوديون شراء صفقات أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات إذا سلم القدس لإسرائيل؟”، مضيفا: “أشك في ذلك”.

لاشيء.. أنها كل شيء

لا يمكن اعتبار القدس قضية إسلامية بذاتها فهي قضية تهم الديانات الثلاث، خاصة وأنها تضم آثارا مختلفة للأديان الثلاث، وهو ما لا يتوفر في الكثير من دول العالم، فهي تعتبر ملتقى الأديان الثلاث اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلامية، مع وصول الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب.

تضم القدس عدة أبواب تاريخية، هي باب العامود، وباب الساهرة، وباب الجديد, وباب الخلي، وباب المغاربة، وباب النبي داود، وباب الأسباط.

أما الأديان الثلاث فتتمثل بقوة داخل المدينة فمن الآثار الإسلامية الموجودة، الحي الإسلامي وهو أكبر الأحياء الأربعة، ويضم قبة الصخرة ثالث أكثر الأماكن قدسية في الإسلام ويديره الوقف الإسلامي.

أما الآثار الإسلامية فيوجد كنيسة القيامة التي تتمتع بأهمية خاصة لدى المسيحيين في كل أنحاء العالم، فهي تقع في المكان الذي شهد محاولة قتل السيد المسيح وصلبه، ووفقا للتقاليد المسيحية فإن المسيح صلب في غولغوثا، وقبره في الكنيسة، وهي أيضا الموقع التي بعث منه.

ويدير هذه الكنيسة ممثلون عن مختلف الكنائس فهناك بطريركية اليونان الأرثوذكس، والفرانسيسكان من كنيسة الرومان الكاثوليك والبطريركية الأرمنية، فضلا عن الأقباط، والإثيوبيين، والكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

وهي من مقاصد الحج الرئيسية للملايين من المسيحيين في أنحاء العالم الذين يزورون قبر المسيحي، ويسعون لطلب العزاء والفداء من خلال الصلاة في الموقع.

أما الحي اليهودي فيضم حائط المبكى، والذي يزعم اليهود أنه ما تبقى من هيكل النبي الملك سليمان، وهو أكثر المواقع قداسة لدى اليهود.

ربما يعجبك أيضا