اللغة العربية.. كنز مفقود يبحث عن مكتشف

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تعد اللغة العربية أكثر اللغات انتشارًا واستخدامًا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة بحسب منظمة اليونسكو، أهميتها جاءت لكونها لغة القرآن الكريم وهو ما أعطاها انتشارًا واسعًا، ودفع الأمم المتحدة إلى اعتمادها لغة رسمية داخل الجمعية عام 1954، وفي عام 2012 قررت اليونسكو الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام، أسوة باللغات الحية التي تحتفل بها.

رغم انتشارها الواسع إلا أنها مُهددة بالانهيار بسبب مدخلات عدة؛ منها الإرث الاستعماري في بعض الدول العربية التي احتلها، وانصياع البعض الآخر لمفهوم العولمة لمواكبة الدول المتقدمة، وتأثر الأجيال باللغات الدارجة في مواقع التواصل الاجتماعي إضافة لوسائل إعلام أضحت تستسهل لغات لا علاقة لها بالعربية، لتنسجم الأسر العربية هي الأخرى بتوجيه أبنائها للتعليم الأجنبي لتتوارى اللغة العربية رويدًا رويدًا تحت مسمى العولمة بمفهومها الغربي.

انهيار اللغة

استشعارًا لحجم التحديات التي تعترض اللغة العربية – كأهم جزء من مكونات الحضارة العربية والإسلامية لارتباطها مباشرة بالقرآن الكريم – حذرت اليونسكو من اندثار عدد من اللغات بسبب رياح العولمة التي تجرف كل الخصوصيات الفكرية والثقافية وتسعى إلى تنميط العالم وفق ثقافة ونمط الدول السائدة.

ومن أسباب ضعف اللغة العربية: “هجر الفصحى والاتجاه إلى العامية – إهمال الإعراب والشكل في النطق وفي الكتب – فساد لسان الحكام والمسؤولين ولجوؤهم إلى العامية – تأسيس مدارس التبشير – قلة البرامج الإعلامية التي تهتم باللغة العربية”.

ويمكن القول في هذا الصدد إن إهانة اللغة العربية والإساءة إليها والتشكيك في قدرتها على مواكبة تطورات الحياة اليومية للناس أصبح سلوكًا عامًا في المجتمع العربي بل أضحى عند البعض من مقتضيات بناء مجتمع الحداثة، وكأن الحداثة واللغة العربية خطان متوازيان لا يلتقيان أبدًا، متناسين أن اللغة العربية يتوفر فيها ما لا يتوفر في غيرها.

يقول ابن حزم: “إن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم – وقديمًا قال أحد الحكماء “إذا أردت أن تهدم حضارة قوم فابن على أنقاض لغتهم نحوًا جديدًا”، ويمكن إلقاء نظرة على أهم عوامل وأسباب انهيار اللغة في الدول العربية.

 الإرث الاستعماري

إن علاقة الاستعمار بالهوية الوطنية للبلد المحتل علاقة قديمة، وأفضل من عبر عن جوهر هذه العلاقة هو المفكر السياسي الإيطالي ميكافيللي في القرن السادس عشر فقد نصح الأمير الذي سوف يحتل أي بلد لكي يستطيع أن يستمر في احتلال هذا البلد والسيطرة عليه يجب أولًا أن يعمد إلى الرموز التي تشد أبناء هذا البلد إلى بلدهم وتشعرهم بالانتماء والوحدة فيزيلها ويقضي عليها.

بطبيعة الحال كل مستعمر له هويته الخاصة وعندما يقوم باحتلال بلد ما – أيًا كان هذا البلد – فإنه سيؤثر حتمًا على هذا المجتمع أفرادًا أو جماعات. ولأنه يسوق هويته بشكل طبيعي من خلال كل أفعاله وتصرفات أفراده وسلوكهم، فهو بالتالي سيؤثر شئنا هذا أم أبينا على الهوية الوطنية للبلد الذي يحتله سلبًا أو إيجابًا وسيحاول جاهدًا مسخها وإتلاف مكوناتها جزئيًا أو كليًا إن استطاع، حتى يتمكن من أن يجعل الشعب المحتل نسخة من هويته وتقليدًا صارخًا أو مسخًا له.

وهذا ما حدث لأغلب البلدان التي عانت من الاحتلال بشتى أشكاله، وما هو حاصل في فلسطين المحتلة خير مثال على ذلك؛ فكل ما يحدث وكل أساليب القمع والوحشية والإجرام المعمول بها لا تهدف إلا إلى محو هوية فلسطين العربية مستخدمين كل ما تحت أيديهم من قوة تحت نظر العالم أجمع. وما جرى في اليمن أيام الاستعمار البريطاني لجنوبه لا يخرج عن هذا النطاق، ولعل من أبرز الدول التي تتحدث بلغة مستعمريها الجزائر وتونس (فرنسا) والصحراء الغربية (إسبانيا) إضافة للدول الأفريقية التي أضحت لغتها جزءًا لا يتجزأ من لغة مستعمريها.

وسائل الإعلام وتدهور اللغة

تعد ظاهرة ضعف الأداء اللغوي وشيوع الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية واللجوء إلى العامية، وعدم سلامة النطق وازدواجية اللغة في وسائل الإعلام من أكثر ما يؤخذ على وسائل الإعلام.

ومن هنا حذر خبراء في اللغة العربية من تعرض الفصحى لأزمة “غير مسبوقة” بسبب انتشار التعليم الأجنبي وما وصفوه بـ”استهتار بعض وسائل الإعلام بالعربية الفصحى”.

فالشـباب يتعاملون مع اللغة العربية باعتبارها موروثًا ثقافيًا كأي موروث اكتسبوه، وآخرون يخافون منها لما لها من هالة دينية تجعلهم يتعاملون معها بحذر شديد ما أدى إلى جمودها في أذهانهم، وغياب اللغة العربية عند الكثير من الشباب وتفضيلهم اللغـة الإنجليزية دفع غالبيتهم للخلط بين اللغتين في الحديث، وبذلك أصبحت اللغة العربية مهجورة لمصلحة الإنجليزية.

ومن هنا تزايدت “الأخطاء الإملائية” في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات ورسائل الجوال، ووصل الأمر إلى حد الاستغراب من جيل لم يعد قادرًا على كتابةٍ صحيحةٍ ونحوية للغته، أو التعبير عنها بجملة مفيدة، حيث بات واضحًا أن هناك أخطاء فادحة بدءًا من الخطأ الشهير “الضاد” و”الظاء”، وانتهاءً بالهمزات.

وقد تركت تلك الأخطاء أثرًا علميًا وربما مهنيًا على جيل لم يعد مدققًا فيما يكتب، ويقرأ عنه الناس، حيث يتوقع أن يكون مخطئًا ويستمر دون أن يصحح ما فاته، أو ما وقع فيه عن جهل، أو حتى يفكّر في البحث والتعلّم من جديد؛ لأن الأهم أن لا يعود إلى الخطأ مرة أخرى.

العولمة والتعليم الأجنبي

في ظل العولمة فإن أي دولة لن تستطيع العيش في عزلة من هذه التطورات، الأمر الذي يؤكد الحاجة لتعلم لغة أجنبية، والتي تيسر للفرد والمجتمع سبل التفاهم مع العالم وتساعده على الاندماج فيه.

بيْدَ أن كثيرًا من دول العالم بدأ يتجاذبها اتجاهان بينهما تعارض إلى حد كبير؛ يتمثل الاتجاه الأول في ضرورة الأخذ بمظاهر التقدم الحضاري وما يشتمل عليه من تعليم أفراد المجتمع لغة أجنبية أو أكثر لاقتناعها بأن الانغلاق عن العالم غير مُجدٍ في ظل العولمة (Globalization)، وأن تعلم الفرد لغة أخرى بجانب لغته الأصلية هو السبيل الأمثل لتوسيع مداركه وإثراء تجاربه.

أما الاتجاه الثاني فإنه يرى أن تدريس لغة أجنبية في التعليم العام، خاصة في المرحلة الأساسية، سيؤدي إلى تفتيت الثقافة والهوية القومية والمتمثلة باللغة الأم.

اللغة العربية بما تكتنزه من تراث ضخم قادرة على أن تكون في مقدمة اللغات شريطة توفر المقومات، وهي وجود المثقف المفكر الذي يستطيع أن يتجاوز العوائق القديمة ليتمكن من تحويل اللغة القديمة غير المتداولة إلى صياغة خطاب يتواءم مع مستجدات العصر الحالي مع الحفاظ على ثوابت اللغة.

ربما يعجبك أيضا