المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية| ثلاثة دروس ينبغي أن تتعلمها أوروبا من انهيار أفغانستان

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

لم يكن الأوروبيون جادين إطلاقًا بشأن أفغانستان. ربما يعود هذا إلى أنهم يعلمون في أعماقهم أنهم لا يتحمّلون مسؤولية هذه القضية. يبدو الآن مرجحًا أن سيطرة طالبان على البلاد، ستجعل الأوروبيين أكثر انغلاقًا على أنفسهم، متوجسين من عالم لا يفهمونه، كما أن التوافق الناشئ بسرعة والمتمثل في أن بناء الأوطان هو أمر مستحيل، ربما يزيد من قلقهم بشأن مشاركتهم في تدخلات خارجية.

إن هذه العقلية تدمّر الروابط التي ينبغي أن تجمع الأوروبيين مع بعضهم البعض، ما يؤدي إلى ظهور مواقف معادية للأجانب شبيهة بتلك التي ظهرت أثناء أزمة الهجرة الناجمة عن الحرب السورية. مع فرار السوريين بسبب العنف في سوريا، واجه الأوروبيون خيارًا مرًا بين بناء جدران أعلى، عبر عقد اتفاقيات سيئة مع ما يُعرف بدول الطوق، أو فقدان السيطرة على تدفق المهاجرين. لكن هناك فارق بسيط بين قبول فكرة أن بعض الناس لا يمكن مساعدتهم، والتفكير أنهم لا يستحقون المساعدة. إن ثقة أوروبا في نفسها – والتي تعد ضرورية لو أرادت أن تصيغ مستقبلها بشكل فعّال – تضررت ليس فقط بسبب قدراتها العملياتية الضعيفة، لكن أيضًا بسبب الأزمة الأخلاقية لهذه القارة التي تزعم أنها ذات طابع عالمي، لكنها تحتفظ بهذا الطابع العالمي لقبائلها التي تتمتع بامتيازات.

مع هذا، هناك دروس أفضل يمكن استخلاصها من كارثة أفغانستان، والتي يمكن أن تتكرر في دول أخرى تعيش على جهاز إنعاش، مثل الصومال، ذلك البلد الذي انخرط فيه الأوروبيون لسنوات. ثمة خطر من أن جسامة المهمة الأمريكية في أفغانستان – بلغت تكلفتها تريليونات الدولارات – ستقنع الأوروبيين أنه من العبثي الانخراط في مهام كهذه، نظرًا لامتلاكهم موارد أقل بكثير مقارنة مع حليفهم الأمريكي، لكن هذا سيكون بمثابة قراءة سطحية للوضع. في السنوات الأخيرة، كان الوجود الأمريكي على الأرض محصورًا في قوات كان عددها أقل من 5 آلاف جندي، كما أن التكلفة البشرية للقوات المسلحة الأمريكية كانت أقل من 5 آلاف ضحية في عقدين، مقارنة مع أكثر من 58 ألف ضحية في عقد من الزمان أثناء حرب فيتنام.

إن مساعدة المجتمعات على تحويل أنفسها هو عمل يمتد عبر عدة أجيال. من المستحيل النجاح في هذا إذا كنا، كما يقول المثل، نمتلك الساعات فيما يمتلك العدو الوقت.

ينبغي لأوروبا إلقاء نظرة ثاقبة على النجاحات والإخفاقات في أفغانستان. حينها فقط سيمكنها بناء قدراتها بشكل تدريجي وواقعي، عوضًا عن السعي وراء مخططات كبرى تفتقر لدعم شعبي.

إن إصلاح القطاع الأمني هو نقطة بداية جيدة، كما أن هذا المجال يقع في قلب استراتيجية بناء الأوطان (هذا إن قَبِل المرء تعريف “ماكس ويبر” للدولة بوصفها منظمة تحتكر الاستخدام الشرعي للقوة). ولا شك أن جميع أوجه تعزيز دعائم الدولة – التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية – تعتمد على هذا التعريف، ودون توفير الأمن، لا يمكن للدولة إنجاز تقدم دائم. هذا أيضًا مجال تلعب فيه الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي دورًا مهمًا – بداية من الصومال ومالي وصولًا إلى إفريقيا الوسطى- وذلك عبر مهمات تدريب وتعاون ثنائي.

إن الأحداث الاخيرة في أفغانستان، تقدم لنا ثلاث دروس مهمة في هذا الصدد:

الدرس الأول، هو أن الوجود الأجنبي المحدود للغاية، مقترنًا بدعم جوي قريب للقوات الوطنية، كبح جماح حركة طالبات لسنوات عديدة، وخلق حالة جمود تمكن خلالها مجتمع أكثر انفتاحًا من اكتساب قوة، وهذا الغطاء الخارجي الذي وفرته قوة عسكرية محدودة، ساعد جيشًا هشًا على الصمود، وهذا نموذج ينبغي للأوروبيين دراسته وربما تكراره في منطقة الساحل الأفريقي، وربما لا يتطلب هذا حشدًا عسكريًّا هائلًا، لكنه يظل بعيدًا عن قدرات أوروبا.

الدرس الثاني يتعلق بإخفاق الجهود الأمريكية في بناء جيش أفغاني. إن جيوش البلدان الغنية – لا سيما الولايات المتحدة – لا تعرف طريقة إيجاد توازن سليم بين تحديث جيوش البلدان الفقيرة، وضمان أن يكون هذا التحديث مستدامًا. تعتمد الجيوش الملتزمة بمعايير حلف الناتو على نظام دعم مهم، لا تكون فيه كتائب المشاة إلا مجرد رأس حربة، والمكونات الأساسية للنظام، تتضمن تقدير الحالة العسكرية عبر موارد استخباراتية متكاملة، وسلاسل لوجستية معقدة ومكلفة، وقدرات إجلاء طبي سريعة، ودعم جوي قريب.

 وعندما تتمتع القوات المحلية بدعم قوة استطلاعية غربية، كما كان الحال في أفغانستان في سنوات عديدة، فإن هذه القدرات ستمنحهم ميزة كبيرة، لكن في حال سحب الحليف الغربي دعمه، ستجد القوة المحلية نفسها ضعيفة وغير جاهزة، بعد فقدانها القدرة على العمل بشكل مستقل، كما أنه في حال كان نظام دفع رواتب هذه القوات المحلية مصابًا بخلل بسبب الفساد، ستتهاوى روحهم المعنوية تمامًا وسيكونون غير راغبين في القتال.

الدرس الثالث لأوروبا من التجربة الأفغانية، يتعلق بالإطار الزمني لتواجد القوات الأجنبية. إن الدعم الخارجي لجيش هشّ يمنح الدول الفرصة والوقت الذي تحتاجه لتحويل المجتمع، وهذا مكسب مهم، خلافًا لما قد يقوله البعض الآن بشأن أفغانستان، إلا أن أمورًا كثيرة تغيرت للأفضل في البلاد. وربما كان من الخطأ الإصرار على وجود استراتيجية خروج من هذا البلد – مدفوعة باعتبارات سياسية محلية وليس عوامل موضوعية – وذلك بالنظر إلى التكلفة المنخفضة نسبيًّا لتواجد قوة عسكرية صغيرة، مقارنةً مع التكلفة المرتفعة لانهيار الحكومة الأفغانية.

وفي النهاية، إن مساعدة المجتمعات على تحويل أنفسها هو عمل يمتد عبر عدة أجيال، ومن المستحيل النجاح في هذا إذا كنا، كما يقول المثل، نمتلك الساعات فيما يمتلك العدو الوقت. هل تستطيع الديمقراطيات، سواء في أوروبا أو غيرها، أن تمتلك استراتيجية صبر كهذه؟ إن أي استراتيجية خروج تعتمد على استعداد جنود الجيش الوطني للتضحية بحياتهم من أجل بلد تحكمه قيادة يثقون بها، وفي حال لم يحترم هؤلاء الجنود قادتهم العسكريين، وكانوا يحتقرون قادتهم السياسيين، أو في حال شكّهم في أن هؤلاء القادة يسعون وراء مصالحهم الشخصية أو العرقية، فإن الانهيار سيكون دائمًا أمرًا محتملًا – حتى لو كان بعد جهود استمرت لعقود من الزمن. لهذا السبب، إذا تعلم الأوروبيون الدروس الصحيحة من أفغانستان وكانوا جاهزين للمشاركة في مهام خارجية محدودة ولكن متواصلة، فإنه يجب عليهم الاهتمام بالسياق السياسي لهذه المهام، ولا ينبغي لهم مطلقًا نسيان أن عملية الدعم السياسية مهمة للغاية لتحقيق نجاح طويل الأمد. 

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا