المنتدى الثالث لـ«الحزام والطريق».. هل انتهى الحلم الصيني؟

ولاء السيد
مرصد مراكز الأبحاث

العديد من الدول أبدت موافقتها مسبقًا على هذه المبادرة، إلا أن الوضع الحالي ينذر بمزيد من التعقيدات والتحديات.


تستضيف بكين، اليوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023، المنتدى الثالث لمبادرة “الحزام والطريق“، الذي تستمر فعالياته حتى غد 18 أكتوبر.

ويحضر المنتدى عدد من القادة ورؤساء المنظمات الدولية، إلى جانب ممثّلين عن أكثر من 130 دولة، بضيافة الرئيس الصيني، شي جين بينج، الذي أعلن حضوره حفل الافتتاح وإلقاء كلمة رئيسة، وفق ما ذكرته وزارة الخارجية الصينية في وقت سابق.

طريق غير ممهد

البداية عندما جمع مهندس مبادرة الحزام والطريق، الرئيس الصيني شي جين بينج، قادة العالم للمرة الأولى عام 2017، وألقى عليهم خطته لتوسيع القوة الناعمة الصينية، من خلال شبكة من الاستثمار في البنية التحتية، أطلق عليها مبادرة الحزام والطريق، وصفت في ما بعد بـ”مشروع القرن”.

ومع حلول المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق، اليوم، يبدو الطريق أمام الرئيس شي غير ممهد، وتضاءل الزخم بشأن المبادرة في السنوات الأخيرة، خاصة مع خفوت وعود الصين بمساعدة الدول، التي سترتبط بها عبر المبادرة وسط ضغوط اقتصادية، خلال السنتين الماضيتين، قد تعوق تحقيقها لأهدافها، وفق ما نقله تقرير لمجة التايم.

خطوات بطيئة

مثلت جهود شي لتتويج بلاده كزعيم للعالم النامي مصدرًا حيويًّا للتمويل بالنسبة لدول الجنوب العالمي، وقدمت الصين بالفعل 114 مليار دولار من تمويل التنمية لإفريقيا وحدها، في الفترة من 2013 إلى 2021، وفق ما جاء في نتائج دراسة أجرتها جامعة بوسطن.

ودفع هذا الإنفاق الحكومتين الأمريكية والأوروبية إلى توسيع نطاق التعاون مع بعض الدول النامية لمواجهة نفوذ الصين، إلا أنه رغم تعهد المنافسون الغربيون بإنفاق بمليارات الدولارات، فإن العديد من مشاريعهم كانت بطيئة في الانطلاق.

هل انتهى حلم الحزام والطريق؟

رأى خبير الاقتصادات الناشئة، الدكتور  عبدالرحمن طه، أن العوامل البيولوجية إلى جانب النزاعات العسكرية كانت سببًا جليًّا في إعاقة تقدم تنفيذ مشروعات البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، خلال السنوات الـ3 الأخيرة، بداية من انتشار فيروس كورونا المستجد، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، وانتهاءً باشتعال التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

وأشار في تصريح خاص لشبكة رؤية الإخبارية إلى أن العديد من الدول أبدت موافقتها مسبقًا على هذه المبادرة، إلا أن الوضع الحالي ينذر بمزيد من التعقيدات والتحديات أمامها، موضحًا أن الكثير من الدول التي كانت لها علاقة بالطرق الاقتصادية معرضة للحروب، إن لم تخضها بالفعل، ما يجعل هذه الدول توجّه أموالها المدخرة إلى التسليح.

الصين اكتسبت ثقلًا دوليًّا

يرى طه أن الثورة الصناعية الرابعة هي التي ستحدد ما إذا كانت الطرق التجارية أمثال الحزام والطريق وخلافهما ستكون ناجحة أم لا، خاصة أن الأوضاع التي نشأت فيها أفكار إقامة هذه الطرق تختلف عن الأوضاع الراهنة، التي تصل بهذه التجربة والتجارب المماثلة إلى التأجيل أو الإيقاف.

وأشار إلى أن الصين اكتسبت بالفعل ثقلًا اقتصاديًا عالميًا، ولدى الدول التي أنشأت فيها البنية التحتية للمشروع، مشددًا على أنها ستكون مستفيدة مهما كان مصير المبادرة في النهاية.

وأكمل: “في النهاية، فإن الأوضاع الجيوسياسية التي تدور في العالم الآن، سواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا أو آسيا الوسطى، ستؤدي بنسبة كبيرة إلى تغيير طرق التجارة العالمية والتعامل بين الدول، ذلك لأن كل فعل أمني له رد فعل اقتصادي، يشهده العالم بأسره.”

تراجع نشاط الصين

تراجع إجمالي نشاط الصين في دول مبادرة الحزام والطريق بنحو 40% عن ذروته في عام 2018، مع تباطؤ نموها الاقتصادي، وهبط متوسط ​​صفقات الاستثمار في المبادرة 48% من ذروة عام 2018 إلى نحو 392 مليون دولار في النصف الأول من هذا العام، وفق ما جاء في دراسة جامعة فودان.

وحاليًّا تواجه بكين العديد من الاتهامات، بأنها جهة إقراض غير مسؤولة تدفع الدول إلى التخلف عن السداد، وكانت العلاقات المتصدعة مع أمريكا سببًا في جعل الارتباط بمشروع شي المفضل مثيرًا للجدل على نحو متزايد.

واعتبر أحد المسؤولين الصينيين أن مبادرة الجزام والطريق ماتت، وتلقت ضربة مزدوجة بسبب كوفيد والمشاكل الاقتصادية في البلاد المعنية بها، إلا أنه يأمل أن تؤدي الاجتماعات الحالية إلى تنشيط المشروع، بحسب تقرير لمجلة التايم.

الرئيس الصيني أثناء تفقده أحد مشروعات مبادرة الحزام والطريق

الرئيس الصيني في أثناء تفقده أحد مشروعات مبادرة الحزام والطريق

إيطاليا تغادر المبادرة

حظت المبادرة في وقت سابق بترحيب إيطاليا، وهي العضو الوحيد في مجموعة الـ7، الذي قرر الانضمام إليها، إلا أنها ستغادر (الحزام والطريق) بحلول نهاية العام، متسائلة عما إذا كانت مبادرة الرئيس الصيني تجلب فوائد اقتصادية من الأساس.

وما ساعد إيطاليا على اتخاذ قرار المغادرة أنه بعد توقيعها اتفاقية للتعاون في مبادرة الحزام والطريق عام 2019، تسارعت وارداتها من الصين، لكن هذا الانتعاشة لم تكن متبادلة، وفي العام الماضي، ارتفعت الصادرات الإيطالية إلى الصين 5% فقط، متخلفة عن صادرات ألمانيا وفرنسا، وهما دولتان غير عضوتين في مبادرة الحزام والطريق.

الصين في دائرة الخطر

أدى تفشي فيروس كورونا إلى كبح مشروع القرن في الصين، وأدى التباطؤ العالمي إلى تعريض قدرة المدينين على سداد قروضهم للخطر، وكانت زامبيا أول دولة أفريقية تتخلف عن السداد خلال الوباء في أواخر عام 2020، ما وضع الصين، أكبر دائن في البلاد، في دائرة الخطر.

ومع وقوع دول أخرى، بما في ذلك إثيوبيا وسريلانكا وباكستان، في أزمات الديون، انخفضت المشاركة السنوية في إطار مبادرة الحزام والطريق إلى 63.7 مليار دولار في العام الأول من الأزمة الصحية العالمية، وفقًا لدراسة أجراها مركز التمويل الأخضر والتنمية في شنجهاي بجامعة فودان، بانخفاض عن الذروة التي تجاوزت 120 مليار دولار في عام 2018.

واستمر هذا التراجع بسبب التوترات الجيوسياسية والمشاكل الداخلية، التي ابتلي بها الاقتصاد الصيني، ولا تظهر أي علامة تذكر على التراجع.

اختبارات جديدة

من المنتظر اختبار خطوط الائتمان للصين، هذا الأسبوع، وتظهر توقعات أن الزعيم الكيني ويليام روتو سيطلب مليار دولار لتمويل مشاريع البنية التحتية المتوقفة، في حين صرح مدير إدارة الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الصينية، وو بنج، هذا الشهر، بإنه سيتم الإعلان قريبًا عن “قرض كبير” لمشروع جديد للسكك الحديدية في إفريقيا.

لكن هذا لن يكون كافيًا لعكس الاتجاه العام لتقليص حجم مبادرة الحزام والطريق، رغم أنه قد يشير إلى التزام شي المستمر بالبرنامج على اعتباره محورًا لسياسته الخارجية. وحتى يونيو 2023، وقعت الصين أكثر من 200 اتفاقية تعاون مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية في 5 قارات، ضمن المبادرة.

ربما يعجبك أيضا