كيف تأثرت العمارة العربية بمفاهيم الحداثة؟

شيرين صبحي

ما بين لمسات تراثية وأخرى فرضتها الحداثة، هل تعبر العمارة العربية عن تاريخ وثقافة دولها؟


كيف كان شكل العمارة في الدول العربية قديمًا؟ وإلى أي مدى تأثرت بالحداثة؟ وهل تعبر عن هويتنا العربية؟

منذ منتصف القرن الماضي، زادت نسبة التحضر في العالم العربي، وارتبط هذا بتغير نمط الحياة خصوصًا بعد حركات التحرر من الاستعمار، فتوجه العالم العربي نحو تحديث أنماط المعيشة اليومية والتوسع في إنشاء المدن.

النموذج الغربي في العمارة

حركات التحرر لم يصاحبها القدرة على رؤية الذات العربية بشكل يخرج عما رسمه لها الآخر (الغرب). وبعد مرحلة التحرر كانت توجهات العالم العربي نحو الحرية والاستقلال تتزامن في غالبها مع تبني النموذج الغربي في العمارة والتحضر.

لا يمكن الحديث عن العمارة دون الرجوع للثقافة، كما يوضح أستاذ نظريات العمارة بهندسة عين شمس، محمد إبراهيم جبر، فثقافة الواقع المعاصر مستقاة إلى حد كبير جدًا من الثقافة الغربية، بالتالي تبدو العمارة المعاصرة في العالم العربي، نوعًا من استنساخ العمارة في كثير من ربوع العالم.

ثقافة “الكوكلة”

275846937 1391835008289627 3908457400962198127 n

د. محمد جبر

دول الخليج توافر لها من النفط والثروات المادية الكثير الذي حرك العمارة في اتجاه يستقي قيم العمارة الغربية. يقول جبر: “كثير من المنشآت ما كانت لتظهر دون وجود الثروة البترولية الضخمة. خصائص العمارة مستقاة من ميول الفرد والجماعة، وهذه الميول اليوم تتجه للثقافة الأمريكية والغربية لدرجة أن البعض يتحدث عن ثقافة “الكوكلة” نسبة إلى الكوكاكولا وماكدونالدز.”

ويضيف: “كثير من أدوات وآليات البناء في الوقت الحالي نتاج غربي بحت، بالتالي عندما ظهرت العمارة العربية أعقاب ظهور البترول، وبسبب الافتقاد للزخم التكنولوجي والفكري، ظهر ما يطلق عليه ثقافة “الامتصاص”، واللجوء إلى الثقافة الأكثر قوة.”

التوازي الدولي بين البيئة والهوية

عمارة الماضي كانت مرتبطة بالبيئة في كثير من البنى التقليدية، ثم بدأ الإنسان العربي يعيش كالغربي ويقلده. البيئات الصحراوية البسيطة، جذبها بريق الثقافة الغربية، التي انعكست على العمارة فظهرت ناطحات السحاب والمباني الشاهقة.

في النصف الثاني من القرن الماضي، بسبب الحربين العالميتين والنزوح من المناطق الريفية للمناطق الصناعية، ظهرت أنساق معمارية يطلق عليها “التوازي الدولي”، مثل المباني العالية، والوحدات الكبسولية. وتغيرت كثير من المفاهيم التقليدية المرتبطة بالبيئة من جانب، والمرتبطة بالهوية من جانب آخر.

العمارة العربية أبعد ما تكون عن الهوية

العمارة في كثير من الدول العربية، أبعد ما تكون عن الهوية، إلا ما رحم ربي، كما يقول الأستاذ جبر، فالبعض يحاول مزج السمات المعمارية مع التراث، فيبتعدون عن التراث المرتبط بالبيئة، ويذهبون إلى الطراز والعمارة اليونانية والإغريقية، فنجد كثير من الأعمدة التي تشبه معبد الأكروبول. أمور كثيرة جدًا تفرغ العمارة من ارتباطها بالبيئة والمكان والزمان، أو على الأقل عن ارتباطها بالماضي.

مصر تحركت في هذا السياق، حتى إن رؤية 2030 نجد أن كثير من الأطر المعمارية مستقاة أو مستنسخة من عمارة الخليج. كلما تنامت الثقافة والمستوى التعليمي كلما كانت الدولة قوية ومعتزة بهويتها، لهذا نجد دول المغرب العربي تحديدًا، لم تتأثر بهذه الثقافة، فنرى انعكاس البيئة على العمارة، في الألوان وانسجامها. كلما وُجد رقي ثقافي واعتداد بثقافة الذات، المرتبطة بالهوية والعادات والتقاليد، كلما وُجد تشبث بقيم الموروث.

الهوية ومفاهيم التراث

exotic structures 2716736 1920

العمارة العربية

التشبث ببنى الهوية ومفاهيم التراث تستلزم ثقافة معينة، الثقافة المصرية المعاصرة بدأت نوعًا ما تشعر بالهوية، وتستدعي العمارة الفرعونية، باعتبار أن لها وجودًا على المستوى العالمي وليس المستوى المحلي فقط.

الطراز الدولي جاب كثيرًا من دول العالم خصوصًا العواصم، بسبب معدلات الزحام، وزيادة أسعار الأراضي، وكثافة الإشغال، فتضطر الدول للاعتماد على الارتفاعات الرأسية.

 

الأطر الرأسمالية التي تحكم كثير من العالم العربي، تكاد تنازع التراث هويته لأن الاستثمار دائمًا مرتبط بتنامي الرؤى البرجوازية، التي تنكر التراث، وتعتمد على المادة وحسب. فالعمارة القديمة تعيش نوع من العزلة في سياق المد المعاصر للعمارة الغربية والتدفقات الفكرية المتعلقة بها.

عند ظهور المعماري حسن فتحي في ستينيات القرن الماضي، كان يطلق على عمارته “عمارة المقاومة”، التي تنشأ وتتأثر بالقيم القديمة أو تحافظ عليها، تيار يقف ضد التغريب. أما التردد ما بين القديم والجديد والمستحدث، فهو فكرة أزلية مرتبطة بكثير من الثقافات والمعتقدات والأطر الأدبية والفكرية والسياسية، فالصراع بين القديم والجديد صراع أبدي.

شكل البيت العربي

Architecture in the UAE

شكل البيت العربي كان مرتبطًا بالثقافة الإسلامية التي تحكمها الخصوصية، فكان يشمل الحرملك (الخاص بالنساء) والسلاملك، ومجموعة الغرف تحيط بحوش داخلي مفتوح للسماء، لتشكل نوعًا من الترابط النفسي بين الإنسان والسماء.

ويوضح جبر أن هذه الصيغة التقليدية تواترت عليها صورة البيت المصري مع اختلافات بسيطة، هذا يوجد في القاهرة القديمة وكثير من المناطق التي تحافظ على قيمها البيئية في دول الشمال العربي.

العمارة في المغرب العربي

في الجزائر وبعض مناطق المغرب العربي، كان البيت يضم فناءً داخليًا لكن كانوا ينزلون بالبيت لتحت الأرض، وينحتون الغرف في جوانب التربة، لتخفيض درجة الحرارة والهروب من الشمس. هذه الصورة اختفت أو تكاد تكون محيت تمامًا، فكثير من مناطق العالم العربي تعتمد على التكييفات.

الآن اختلفت صيغة البيت تمامًا، وفقا لدكتور جبر، وتلاشت فكرة الحوش بصورة أساسية، وظهر المسكن في صورته التقليدية التي نراها. الصيغ التي كانت تميز البيت العربي في القديم لا تزال موجودة بصورة متفاوتة في بعض القصور أو المناطق في السعودية، لكنها اجتهادات شخصية من بعض المعماريين، فلا نستطيع القول إن السمة الطاغية مرتبطة بالماضي.

القيم المعمارية المرتبطة بالبيئة جرى تجاوزها بالكامل في سياق الاعتماد على التقنيات الحديثة سواء كانت إضاءة أو تهوية أو غيرها.

ربما يعجبك أيضا