الهجرة جيدة لبريطانيا.. حان الوقت لكسر الأساطير

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

رغبة عمياء في الحد من أعداد المهاجرين، كانت السبب وراء تصويت البريطانيين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يجعل صفقة على الطراز النرويجي تسمح بحرية التنقل مع أوروبا القارية شبه مستحيلة، فأي رئيس وزراء يقبل ذلك سيتم محاكمته من قبل الصحافة والرأي العام بتهمة الخيانة.

بعيدا عن الضغط الذي يشكله المهاجرون على قطاع الخدمات الصحية والاجتماعية في البلد المضيف، فإنهم يشكلون نعمة للاقتصاد، إذ يساهمون في تسريع النمو وخلق وظائف جديدة ومعالجة مشكلة نقص العمالة في بعض القطاعات، لاسيما في البلدان التي تعاني من تراجع نسبة الشباب بين ساكنيها، كما هو الحال في غالبية الدول الأوروبية، وفي بريطانيا تحديدا شهدت السنوات الأخيرة نموا لأعداد العمالة المهاجرة، فخلال الفترة ما بين 2015 و2016 وحدها سجل حجم العمالة الأوروبية في بريطانيا رقما قياسيا 2.26 مليون عامل، فيما وصل حجم العمالة غير الأوروبية إلى  1.23مليون عامل.

وفي ستة أشهر فقط عقب التصويت لصالح “البريكست” في يونيو 2016، تباطأ سوق العمل في بريطانيا بـ1.5 %، وتراجع معدل نمو العمالة إلى 0.2 % بنسبة أدنى من السنوات الأربع السابقة، وتم استيعاب ذلك بصعوبة حيث توقف التوظيف وزاد إجمالي ساعات العمل، يقول الكاتب أديتيا شاكرابورتي في مقال نشرته “الجادريان” اليوم: طالما أن “البريكست” مرادف لطرد المهاجرين، لا يمكن أن يكون هناك أمل للتوصل إلى حل وسط مع بقية الاتحاد الأوروبي الراغب في الحفاظ على حرية الحركة والتنقل بين بلدان القارة، كما يمكن إلحاق هزيمة لا نهاية لها برئيسة الوزراء تريزا ماي وحلمها الخاص بتقييد الهجرة.
 

ويضيف الحجج المناهضة للمهاجرين من نوعية وصمهم بـ”القتل والإرهاب والعنف والوظائف الهامشية” هي مجرد كتلة من الأساطير العارية والتعصب، التي جرى توظيفها قبيل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي من قبل حكومة ماي، وبمعنى أدق تحول المهاجرون إلى كبش فداء لضريبة البريكست من تخفيضات صارمة في الإنفاق الحكومي وتقويض لنظام الخدمات الصحية الوطنية والنظام التعليمي وغيرها من التداعيات.

ويتابع مع مرور الوقت، تنكشف مزاعم السياسيين المزيفة، فالرجال والنساء الذين جاءوا إلى لندن من بودابست أو براج هم مثل الأجيال السابقة من الوافدين، شباب متعلمون  لديهم رغبة في العمل وصنع المستقبل، إنهم ليسوا عمالة منخفضة المهارة  أو عبء اقتصادي على خزينة المملكة، إذ يدفع المهاجرون من أوروبا الشرقية المليارات من الضرائب سنويا إلى بريطانيا أكثر مما يدفعون في الإنفاق العام.

يقول ديفيد بلانشفلاور خبير سابق لدى بنك إنجلترا المركزي، في كتاب جديد عن “البريكست وترامب”: إن التقشف الذي فرضته الحكومة يعني أن أموالهم “ضرائب المهاجرين” لم تستخدم لتمويل الخدمات التي يحق لهم الحصول عليها، ومن المعيب أن يقدم وزراء الحكومة البريطانية على إجراءات تقشف تضر بالمهاجرين ويلقون في الوقت نفسه باللوم على المهاجرين.

واستطرد لم يخلق حزب المحافظين هذا المناخ بمفرده، بالطبع، فمن توني بلير إلى إد ميليباند، سار زعماء حزب العمال إلى جانبهم وهم يتحدثون حول “مخاوف مشروعة”، رافعين شعارات مناهضة للهجرة، تخيل أن “العمال” يقدم على تقييد عمل النساء من أجل تعزيز أجور الرجال، أنت لا تستطيع تخيل ذلك، لكن إحراق العمال غير البريطانيين من أجل تسجيل النقاط السياسية لا يزال يعتبر مقبولاً.
 

الواقع أن بريطانيا في حاجة إلى استمرار تدفق المهاجرين إليها، ففي الربعين الثالث والرابع من 2016 أي عقب استفتاء الانفصال قفز معدل الإنتاج لكل ساعة عمل إلى 1.2% دون زيادة لأعداد العمالة، إلا أنه في حال استمر النمو في التصاعد سيعاني سوق العمل البريطاني من نقص العمالة وسيحتاج إلى بدأ التوظيف مرة أخرى، والخروج من الاتحاد يعني ترحيل أعداد كبيرة من العمال تحديدا الأوروبيين، وهذا سيدفع سوق العمل المحلي إلى تعويض هذه العمالة بنفس الحجم، غير أن نجاح هذه الفرضية يتوقف على حجم العمالة المدربة والماهرة لدى بريطانيا.
 
تقول تيريزا ماي إنها لا تسعى إلى طرد المهاجرين، وأن الهدف خلال الأعوام المقبلة هو خفض عددهم من مئات الآلاف حاليا ليكون في حدود عشرات الآلاف.

يرى خبراء أن بريطانيا قد تختار لدى خروجها من الاتحاد، حسم ملف الهجرة، على الطريقة النرويجيية أو السويسرية، لتتمكن من فتح حدودها للمهاجرين كجزء من البند المتضمن حرية حركة العمال بين بلدان الاتحاد، ويمكن للمملكة أيضا أن تختار تطبيق نظام الهجرة القائم على النقاط الخاص بالمهاجرين من خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية على المهاجرين من دول الاتحاد عقب الانفصال، وهذا النظام يقسم المهاجرين إلى خمس فئات اعتمادا على مهاراتهم وتاريخهم ومساهمتهم في المجتمع البريطاني.

تقول دراسة للمركز الديمقراطي العربي: إذا أرادت بريطانيا أن تحتفظ بحق الوصول الكامل إلى السوق الأوروبية الموحدة وهي درة الاقتصاد الأوروبي، قد تضطر إلى الحفاظ على حرية تنقل اليد العاملة بين المملكة ودول  الاتحاد، عبر تقييد قبولها للمهاجرين من العمال ذوي المهارات المنخفضة، والتركيز على اجتذاب عدد أكبر من العمال المهاجرين ذوي المهارات العالية.
   

ربما يعجبك أيضا