الولايات المتحدة تسقط جسمًا غريبًا في ألاسكا.. من أرسله؟ وماذا يحمل؟

شروق صبري

قررت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إسقاط جسم غريب، بالقرب من ألاسكا، في خطوة بدت أسرع من إسقاط المنطاد الصيني، الأسبوع الماضي، ولكن الأسئلة الرئيسة حول أصل الجسم ووظائفه ظلت دون إجابة.


أسقطت الولايات المتحدة جسمًا غريبًا، كان يحلق فوق سواحل ولاية ألاسكا، ولكنها لم تحدد هويته بعد، بعد نحو أسبوع من إسقاط منطاد التجسس الصيني.

ونقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن مسؤولين في البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمر بإسقاط مقاتلة أمريكية، جسمًا مجهولًا، في أثناء تحليقه قبالة الساحل الشمالي لألاسكا النائي، أمس الجمعة 10 فبراير 2023، ولم تنسبه أمريكا إلى أي دولة.

لا يحتوى على معدات تجسس

نقلت وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية، عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض، جون كيربي، قوله بأن “الجسم الغريب حلق على ارتفاع 40 ألف قدم (13 ألف متر) وقد يمثل تهديدًا على سلامة الرحلات الجوية المدنية، لذلك أمر بايدن بإسقاطه، بناءً على نصيحة البنتاجون، وليس لأنه يحتوى على أجهزة تجسس”.

وسقط الجسم على المياه المتجمدة، وتوقع المسؤولون أن يستعيدوا الحطام أسرع من منطاد الصين الضخم، لأنه كان أصغر بكثير، ولكن الإشكالية هنا حول ماهية “الجسم” الذي حلّق يومًا كاملًا فى السماء لأغراض مجهولة، رغم بيان الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، الذي قالت فيه إنه “ليس منطادًا لخدمة الطقس”.

1836794 0

مخاوف من برامج الصين

وصف كيربي الجسم بأنه بحجم سيارة صغيرة تقريبًا، وهو أصغر بكثير من منطاد التجسس الصيني الضخم الذي أسقطته طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية، السبت 4 فبراير، قبالة سواحل كارولينا الجنوبية بعد عبوره فوق مواقع عسكرية حساسة عبر الولايات المتحدة.

ووفقًا لما أوردته أسوشيتد برس، فإن الإسقاطات المتتالية في مثل هذه التوترات المتصاعدة غير عادية، وتعكس المخاوف المتزايدة بشأن برنامج المراقبة الصيني والضغط العام على بايدن لاتخاذ موقف صارم ضده.

تفاصيل عملية الإسقاط

حسب الوكالة الأمريكية، رصدت طائرتان مقاتلتان الجسم، مساء 9 فبراير، وفي اليوم التالي، صرح السكرتير الصحفي للبنتاجون بات رايدر، بأن طائرة مقاتلة من طراز F-22 متمركزة في قاعدة ألاسكا المشتركة “إلمندورف ريتشاردسون”، أسقطت الجسم باستخدام صاروخ جو-جو قصير المدى AIM-9X، وهو نفس النوع المستخدم لإسقاط المنطاد الصيني.

وقبل عملية الإسقاط، أوقفت إدارة الطيران الفيدرالية الرحلات الجوية على مساحة تبلغ نحو 10 أميال داخل المجال الجوي الأمريكي، قبالة بولين بوينت في ألاسكا، وهو موقع محطة رادار للقوات الجوية الأمريكية مهجورة على بحر بوفورت.

رد مستفز من الصين

أوضحت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أنه بعد أسبوع تقريبًا من إسقاط واشنطن منطاد التجسس الصيني، أصرت الصين على أن المنطاد كان لأغراض الأرصاد الجوية، ولكنه انحرف عن مساره، وأن أمريكا بالغت في رد فعلها، وأقدمت على انتهاكات خطيرة للممارسات الدولية.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن الصور التي التقطتها طائرات الاستطلاع U-2 أظهرت أن المنطاد كان مجهزًا بهوائيات متعددة، قادرة على تحديد مواقع الاتصالات.

وبجانب هذا صرحت الخارجية الأمريكية بأن المنطاد كان يحمل ألواحًا شمسية كبيرة قادرة على تشغيل مجموعة من أجهزة استشعار لجمع المعلومات الاستخباراتية، وأن الشركة المصنعة للمنطاد لها علاقة مباشرة بالجيش الصيني.

تحرك جديد من إدارة بايدن تجاه الصين

نقلت وول ستريت جورنال عن مسؤوليين أمريكيين قولهم: “إن إدارة بايدن لم تعرف بعد من الذي أطلق الجسم، وإنها ليس لديها قدرة متطورة على المناورة”. ولم تحاول إدارة بايدن التواصل مع الصين، مثل ما حدث الأسبوع الماضي، عندما شوهد منطاد التجسس.

وقد أدرجت وزارة التجارة الأمريكية 6 شركات صينية على القائمة السوداء، قائلة إن هذه الشركات “لها علاقة بمنطاد التجسس الصيني”.

28805851 98db 4225 827d 5b6093bf241f

وكان الإجراء خطوة أخرى من إدارة بايدن لتقييد صادرات التكنولوجيا الغربية، التي يمكن أن تستخدمها الصين لتعزيز قدراتها العسكرية، ففرضت إدارة بايدن العام الماضي، ضوابط تصدير على معدات التصنيع التي يمكن أن تستخدمها الصين لتطوير أنظمتها العسكرية المتطورة.

تجدد التوترات بين واشنطن وبكين

أشارت وول ستريت جورنال، إلى أن اكتشاف المنطاد الصيني، أواخر الشهر الماضي، أدى الى تجدد التوترات بين واشنطن وبكين، وأثار انتقادات من المشرعين الجمهوريين لبايدن، لأنه لم يأمر بإسقاط المنطاد على الفور، بحجة اختياره أفضل وقت للعملية عندما يكون المنطاد فوق الماء، لكي يتجنب مخاطره.

وحدد مسؤولو إدارة بايدن أربع رحلات جوية سابقة على الأقل بواسطة مناطيد مراقبة صينية فوق الولايات المتحدة، لم يجر اكتشافها إلا بعد مغادرة المجال الجوي الأمريكي، ثلاثٌ من هذه الرحلات حدثت خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وواحدة خلال إدارة بايدن.

مراقبة مناطيد المراقبة الصينية

حسب شبكة سي إن إن، طوّرت المخابرات الأمريكية طريقة لتتبع مناطيد المراقبة الصينية، التي جرى اكتشافها فقط خلال العام الماضي، وتحديدًا بعد تولي الرئيس جو بايدن منصبه عام 2021، حيث عبر منطاد تجسس صيني لفترة وجيزة الولايات المتحدة الأمريكية.

وتمكنت أمريكا من تطوير تقنية استخدمتها للمرة الأولى لتتبع المناطيد في جميع أنحاء العالم. وبعد ذلك شغّلت الاستخبارات إشارات المناطيد عبر مخازن المخابرات الأمريكية وبيانات أخرى لمعرفة أين ومتى ظهرت في الماضي.

وتمكن المسؤولون من استخدام المعلومات التي جمعت من المناطيد السابقة، لاكتشاف أن مناطيد مراقبة مماثلة عبرت واشنطن دون اكتشافها ثلاث مرات، في ظل إدارة ترامب.

جسم طائر

أمريكا كانت على علم بمنطاد الصين

وفقًا للشبكة الأمريكية، كشف المسؤولون أن مناطيد التجسس التي اكتشفتها الولايات المتحدة الأمريكية هي جزء من أسطول كبير يضطلع بعمليات مراقبة على مستوى العالم، نيابة عن الجيش الصيني.

وكانت واشنطن قادرة على تتبع مسار المنطاد الأخير، حتى قبل دخوله المجال الجوي، فقد حذرت وكالة استخبارات الدفاع من أن الجسم كان متجهًا إلى أمريكا يوم 27 يناير، قبل يوم واحد من دخوله البلاد.

واعتقد المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون أن أفضل مسار للعمل هو الاستمرار في تتبع المنطاد وجمع المعلومات الاستخبارية عنه، إذ لم تَعدّ الصين العقوبات الأمريكية تهديدًا، فضلًا عن أن إسقاطه يمثل خطرًا مدنيًّا.

الصين سترد على العقوبات الأمريكية

قال المحلل السياسي الأمريكي، ماك شرقاوي لشبكة رؤية الإخبارية، إنه لا يمكن تبني وجهة النظر بأن الجسم الغريب الذي أسقطته أمريكا ينتمي إلى الصين، إلا إذا صرح الجانبان بذلك، وحتى إن كانت الصين هي التي أطلقت الجسم الغريب فهذا يعني أن بكين تريد تصعيد الأوضاع مع الولايات المتحدة.

وأوضح شرقاوي أن وضع الولايات المتحدة 6 شركات صينية على القائمة السوداء، رد فعل متوقع على إرسال الصين منطاد التجسس الصيني لأمريكا، ولكن من المرجح أن ترد الصين في أقرب وقت، تجاه شركات أمريكية، فهذا الأمر متعارف عليه بين الجانبين.

حرب باردة

قال شرقاوي لشبكة رؤية الإخبارية، إن التصعيد من الجانب الصيني، يؤكد أن الحرب الباردة بدأت بالفعل بين بكين وواشنطن، خصوصًا أنه أن الاستفزازات العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي كثيرة، تجاه قطع بحرية أمريكية، حيث تصر الصين على حشد قواتها بالقوة إلى تايوان، والولايات المتحدة لم تسمح بذلك نهائيًّا.

وعلاوة على هذا فإن إلغاء زيارة وزير الخارحية الأمريكة أنتوني بلينكن، للصين بعد حادثة المنطاد وسع فجوة الخلاف بين البلدين. ويرى شرقاوي أن إرسال مناطيد التجسس الصينية لأمريكا، يعد أنبوب اختبار صيني، لقياس رد الفعل الأمريكي على هذه الممارسات الاستفزازية.

WhatsApp Image 2023 02 11 at 6.46.47 PM

 

الجسم المجهول تابع للصين

فيما قال خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، في تصريحاته لـ”رؤية” حول ظهور جسم غريب مجهول الهوية في المجال الجوي الأمريكي، “إنه سوف يكون في النهاية للصين”، خصوصًا أن لهجة الحديث في أمريكا تقول إنه من دولة تحاول جمع المعلومات وتسعى للتجسس على أمريكا.

ويرى سمير أن مناطيد التجسس التي ترسلها الصين إلى المجال الجوي الأمريكي، مجرد رد على الحصار الأمريكي للصين في كل الجهات. ويدلل سمير على رأيه، في تصريحاته لـ”رؤية”، بأن وزير المخابرات الألمانية صرح بأن الصين تتجسس سياسيًّا على ألمانيا، وقدم توصية بعدم الانخراط الألماني مع الصين أكثر.

لماذ تخشى واشنطن من التجسس الصيني؟

أوضح سمير أنه سبق للولايات المتحدة أن اتهمت الطلبة الصينيين بأنهم يتجسسون على المعامل، وعلى الشركات الأمريكية للحصول على التكنولوحيا الأمريكية، وكلما كانت واشنطن حذرة في منع وصول الصين إلى التكنولوحيا الأمريكية وعدم سرقتها، يبقى القرن الـ21 أمريكيًّا.

image 13
وتابع خبير العلاقات الدولية لـ”رؤية”، بأن العلاقة بين أمريكا والصين علاقة تنافس، فمنذ إعلان استراتيجية الأمن القومي الأمريكية في ديسمبر 2017 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وصفت الصين وروسيا، بأنهما منافستان استراتيجيتان للولايات المتحدة.

وأشار سمير في تصريحاته لـ”رؤية” إلى أن استراتيجية الأمن القومي اليابانية أيضًا التي أعلنتها حكومة فوميو كيشيدا، عام 2022، وصفت الصين بأنها التحدي الاستراتيجي الأول لليابان، ولشركائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.

 

هل تندلع حرب مع الصين؟

نوه خبير العلاقات الدولية بأن فكرة اندلاع حرب بين الولايات المتحدة والصين مستبعَدة تمامًا في المستقبل القريب وحتى 2025، ولكن بعض الجنرالات الأمريكيين، أعدوا توصية الأسبوع الماضي، بضرورة استعداد أمريكا لحرب مع الصين في 2025، واستندوا إلى مجموعة من الأسباب.

السبب الأول، أنه في عام 2024 ستجرى انتخابات في تايوان، ويمكن أن تتخذ الحكومة الصينية من نتائج الانتخابات ذريعة للتدخل بقوة في تايوان لاستعادتها، ووقتها ستكون أمريكا ملتزمة بالدفاع عسكريًّا عن تايوان، مثل ما وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن.

والسبب الثاني، هو أن القوات المسلحة الأمريكية تعتقد أنه في يناير 2025 سيكون ذروة الجدل السياسي الأمريكي، وقد يفوز بايدن، أو ينجح رئيس جمهوري آخر، وبالتالي سيوجد نوع من التشاحن والانقسام الأمريكي، وقد تستغل الصين هذا الانقسام وتؤجح الأوضاع مع أمريكا.

واشنطن حذرة في التعامل مع الصين

قال خبير الشؤون الأوروبية، بهاء محمود، في تصريحات لـ”رؤية” إن واشنطن لم تعلن عن الدولة التي أرسلت الجسم الغريب، لأن لديها حسابات سياسية قد تؤثر فيها.

وأوضح أن جزءًا من الأزمة هو أن أمريكا حذِرة من أن لا تورط نفسها في أي أزمة جديدة، فحتى بعد إسقاطها المنطاد الصيني، لم تعلن عقوبات تذكر على الصين سوى إدراج 6 شركات صينية على القائمة السوداء، ولكن هذه الشركات تأثيرها ضعيف في الاقتصاد الأمريكي.


أمريكا لا يمكنها الدخول فى مواجهة مع الصين

أوضح خبير الشؤون الأوربية لـ”رؤية” أن الولايات المتحدة تدرك جيدًا أن الصين أهم قطب تجاري على مستوى العالم، وفكرة توقيع عقوبات عليها، أو الدخول في حرب تجارية معها، ستكون خاسرة، وبالتالي تؤجل أمريكا مرحلة الصين حاليًّا، وسط تورطها فى الحرب الأوكرانية.

ويعتقد بهاء أنه من الصعب على واشنطن أن تدخل فى مواجهة مباشرة مع الصين، من خلال عقوبات اقتصادية كبيرة، لأن الصين بإمكانها أن ترد بالمثل، إضافة إلى أن أي مواجهة مع الصين ستؤثر في أمريكا وفي حلفائها، وليس من مصلحة واشنطن الدخول فى مواجهة من أي نوع مع قوى اقتصادية بحجم الصين.

ربما يعجبك أيضا