اليمين المتطرف يبتلع أوروبا.. ما الأسباب والتأثيرات المحتملة؟

آية سيد
اليمين المتطرف في أوروبا

تشهد أحزاب اليمين المتطرف صعودًا في إيطاليا والسويد وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا. فما أسباب هذا الصعود؟


تحقق الأحزاب اليمينية المتطرفة نجاحات انتخابية في عدة دول أوروبية، آخرها فوز حزب “إخوة إيطاليا”، بقيادة جورجيا ميلوني، بالانتخابات الإيطالية في سبتمبر الماضي بـ26% من الأصوات.

وفي وقت سابق من الشهر نفسه، احتل حزب “ديمقراطيي السويد” اليميني المتطرف المركز الثاني في الانتخابات السويدية بـ20% من الأصوات. وبالمثل، تشهد أحزاب اليمين المتطرف صعودًا في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا.. فما أسباب هذا الصعود؟ وما تأثيره في المستقبل؟

تدفق المهاجرين

بحسب تقرير لمجلة “ذا ويك” الأمريكية، نشرته الأحد الماضي 9 أكتوبر 2022، تسبب التدفق الضخم للمهاجرين في السنوات الأخيرة، من سوريا والعراق وأفغانستان وإفريقيا، في إزعاج الكثير من الأوروبيين بسبب ارتفاع الهجمات الإرهابية وجرائم العنف.

وفي هذا الشأن، قال قائد الشرطة السابق الذي أصبح مرشحًا لحزب “الديمقراطيين المسيحيين” السويدي، تورستن إيلوفسون: “الأمر يزداد سوءًا في ما يتعلق بالجرائم العنيفة. وهذا يُقلق الناس”.

فقدان الهوية الوطنية

أضاف تقرير “ذا ويك” أن الشعور بانعدام الأمن الاقتصادي يتصاعد في أنحاء القارة الأوروبية، ما يخلق إحساسًا بندرة الموارد ويؤدي إلى التنافس عليها. وبينما تصبح أوروبا متعددة الثقافات وتنتقل السلطة من العواصم الوطنية إلى الاتحاد الأوروبي، يشعر البعض بفقدان الهوية الوطنية.

كل هذه العوامل دفعت عددًا متزايدًا من الأشخاص إلى تبني أفكار الشعبوية القومية والأحزاب التي كانت توصم بالتطرف والعنصرية. وقال إيلوفسون: “إذا كان منزلك يحترق، تتصل بالمطافئ ولا تفكر كيف بدأ الحريق”.

الأزمات العالمية

ذكر تقرير لمجلة “بوليتيكو“، نشرته في 3 أكتوبر 2022، أن الأزمات العالمية، مثل الأزمة المالية والهجرة وجائحة كورونا، وأخيرًا الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، تؤدي دورًا أساسيًّا في نمو الدعم لليمين المتطرف.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة خنت البلجيكية، كارل ديفوس، إن “هذه الأزمات الوجودية لها تأثير مزعزع للاستقرار وتؤدي إلى الخوف. والخوف هو التربة الخصبة لليمين المتطرف… يتجه الناس إلى ترجمة ذلك الخوف إلى سلوك تصويت متطرف”.

مبادئ الأحزاب اليمينية

تدعم الأحزاب اليمينية في أنحاء أوروبا “القانون والنظام” والشعبوية والأهلانية (تقديم مصالح أهل البلاد الأصليين على مصالح المهاجرين)  ومعظم هذه الأحزاب لديه صبغة استبدادية قوية، بحسب تقرير “ذا ويك”. ومن الناحية السياسية، يريد اليمين المتطرف الحد من الهجرة بنحو صارم، ومنح الأولوية للمواطنين الأصليين على الوافدين الجدد، وكبح سلطة “النخب” المثقفة.

ووفق التقرير، كان بعض هذه الأحزاب موجودًا منذ عقود، مثل حزب “التجمع الوطني” الفرنسي الذي احتفل هذا العام بالذكرى 50 لتأسيسه، لكنها كانت جهات فاعلة هامشية لا تملك فرصة لكسب الدعم الشعبي.

من يدعم تلك الأحزاب؟

كان معظم ناخبي اليمين المتطرف من الذكور، وغير المتعلمين، والمسنين وسكان الريف، وفق تقرير “ذا ويك”. لكن في السنوات الأخيرة، انضم إلى هذه الأحزاب قطاع أكبر من الشعب، من ضمنه الشباب. ففي السويد، اتجهت أصوات أكثر من 20% من الشباب، في سن 18 إلى 21 سنة، إلى حزب “ديمقراطيي السويد”.

وعلى الرغم من أن الرجال يفوقون النساء عددًا في صفوف تلك الأحزاب، ظهرت الآن قيادات نسائية مثل جورجيا ميلوني من حزب “إخوة إيطاليا”، وماريان لوبان من حزب “التجمع الوطني” الفرنسي، وأليس فايدل من حزب “البديل من أجل ألمانيا”.

كيف تحكم أحزاب اليمين المتطرف؟

أوضح تقرير “ذا ويك” أن أحزاب اليمين المتطرف غالبًا ما ترسخ سيطرتها بإجراءات مناهضة للديمقراطية. فمثلًا، منذ انتخاب فيكتور أوربان، زعيم حزب “الاتحاد المدني المجري” (فيدس)، رئيسًا لوزراء المجر في 2010، سيطر على المحاكم، وفرض رقابة على الإعلام، وحيّد المعارضة. وأصبح أوربان أيقونة لزعماء اليمين المتطرف بالعالم، حتى إن الاتحاد الأوروبي وصف حكومته بأنها “نظام هجين من الاستبداد الانتخابي”.

وأشار التقرير إلى أن بولندا هي التالية في هذا التحول، فرئيس وزرائها اليميني المتطرف، ماتيوز موراوسكي، من حزب “العدالة والقانون”، وصف فوز ميلوني في إيطاليا بـ”الانتصار العظيم”. وفي الوقت ذاته، ابتهجت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، بنجاح حزب “ديمقراطيي السويد” وقالت: “في جميع أنحاء أوروبا، يتطلع الناس إلى استعادة مصيرهم في أيديهم”.

العلاقة باليمين الأمريكي

تسعى حركات اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة لتشكيل جبهة عالمية، وفق “ذا ويك”. وعلى الرغم من أنها تعمل في سياقات سياسية مختلفة، فإنها تتشارك نظرة عالمية تقليدية، وأهدافًا كدعم القومية والقيم الدينية المسيحية وكبح الهجرة. ويسافر قادة اليمين المتطرف للالتقاء بالساسة ذوي التفكير المتشابه في البلاد الأخرى.

وفي أغسطس الماضي، تحدث كل من أوربان وميلوني في فعاليات “مؤتمر العمل السياسي للمحافظين”، وهو الملتقى السنوي لليمين الأمريكي. ومنذ 4 أعوام، أسس ستيف بانون، وهو مستشار للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، منظمة في بروكسل تُدعى “الحركة”، بهدف توحيد زعماء اليمين المتطرف في أنحاء الاتحاد الأوروبي، ومساعدتهم في الفوز بمقاعد في البرلمان الأوروبي.

أوجه التشابه

قبل أسابيع من انعقاد “مؤتمر العمل السياسي للمحافظين” في ولاية تكساس الأمريكية، حذر أوربان من تخريب أوروبا بسبب الهجرة وزواج “الأعراق المختلطة” والليبراليين العلمانيين. وأمام الحضور في المؤتمر، قال إن “الولايات المتحدة وأوروبا جبهتان في معركة من أجل الحضارة الغربية”. وفي هذا السياق، كتب مراسل شبكة “سي إن إن” الأمريكية، مايكل وارين، أن أوربان بدا مثل ترامب في أثناء خطابه.

وذكر تقرير منفصل لشبكة “سي إن إن” أنه مثلما وعد ترامب ببناء جدار يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، اقترحت ميلوني تكرارًا فرض “حصار بحري” لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

ولفت التقرير إلى وجود أوجه تشابه بين مواقف اليمين المتطرف في أوروبا، منها معارضة الديمقراطية الليبرالية، والتشديد على أهمية القومية المسيحية ودور الأسرة، ومعارضة مجتمع “الميم” الذي يشار به إلى المثليين والمثليات، ومزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين جنسيًّا.

ربما يعجبك أيضا