انفجار «عكار».. مأساة جديدة تُفطر قلوب اللبنانيين

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

أوجاع تتزايد، وكوارث متسارعة يشهدها الشارع اللبناني، فما من أزمة تنتهي حتى يدخل في أزمة جديدة، تبطئ التئام الجروح وتعيد الأوجاع من جديد.

ففي الوقت الذي لا تزال فيه فاجعة مرفأ بيروت التي وقعت في العام الماضي تسيطر على الأذهان، استيقظ الشعب اللبناني صباح اليوم الأحد على مأساة جديدة وصفت بـ”مجزرة عكار”، سببها انفجار صهريج محروقات في عكار شمالي لبنان، ليخلف معه عشرات القتلى والجرحى، وكأن كل يوم يمر على الأراضي اللبنانية يجلب معه أزمة جديدة تعمق من جراح اللبنانيين التي لم تلبث أن تطيب نسبيًا إلا ونزفت من جديد.

28 قتيلًا وأكثر من 79 جريح

استيقظ الشارع اللبناني، اليوم فجرًا، على سماع انفجار مدوي لصهريج مازوت في بلدة تليل بعكار شمال لبنان، ليحصد 22 روحًا ويخلف أكثر من 79 جريح.

في البداية، وفور وقوع الحادث، كان الصليب الأحمر اللبناني، قد أوضح عبر حسابه الرسمي بـ”تويتر” أن “الحصيلة الأولية في عكار 20 قتيلًا وأكثر من 7 جرحى.

ولاحقا، قال الصليب الأحمر: إن 79 فردًا على الأقل أصيبوا ونقلوا إلى مستشفيات محلية مضيفًا أنها في حاجة ماسة لمتبرعين بالدم.

وبحسب وسائل إعلام لبنانية، أن أهالي بلدة التليل وجهوا نداء إلى آليات الدفاع المدني المتواجدة في عكار للتوجّه إلى مكان الانفجار.

فيما بعد، وجه وزير الصحة اللبناني حمد حسن، نداءً عاجلًا لإجلاء جرحى الانفجار إلى خارج لبنان، معلنًا ارتفاع عدد الضحايا إلى 22 قتيلًا، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 79 جريحًا.

ومن جهته، ناشد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير، جميع الجمعيات والمنظمات الدولية العاملة في لبنان، تسليم ما توافر لديها من أدوية وأمصال ومستلزمات طبية خاصة بمعالجة الحروق من الدرجة الثانية والثالثة إلى مستشفيات عكار وطرابلس.

ونقل موظف بأحد مستشفيات عكار يدعى ياسين متلج الوضع المتأزم، قائلًا لـ”فرانس برس”: “إنّ ما لا يقل عن سبع جثث (من بين 20 جثة) وعشرات المصابين بحروق نقلوا إلى المستشفى”، متابعًا: “الجثث محروقة إلى حدّ لا يمكننا التعرف إليها.. بعضها بلا وجوه وبعضها بلا أيادٍ”.

وأوضح أن المستشفى اضطر إلى رفض استقبال معظم الجرحى لأنه غير مجهز لمعالجة المصابين بحروق بالغة، فنقل بعضهم إلى مستشفى السلام في طرابلس على مسافة 25 كلم، وهو الوحيد المجهز لذلك في المنطقة.

وفي آخر حصيلة للضحايا، أفادت قناة LBC اللبنانية في تصريحات منسوبة لوزارة الصحة بلبنان، عن ارتفاع عدد الضحايا إلى 28 قتيلًا.

أسباب غير معلومة.. وتحقيق عاجل

وعن السبب الرئيسي وراء المأساة، وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي بيان رسمي عن الجيش أو القوى الأمنية بهذا الشأن، نقلت وسائل إعلام لبنانية، عن شهود عيان، روايتين عن سبب انفجار خزانات المحروقات التي كانت مخبأة في قطعة أرض في بلدة التليل في عكار شمال لبنان.

إذ قال شهود عيان لقناة “LBCI” إن المواطنين الذين تجمعوا قرب خزانات المحروقات لحظة مصادرتها من قبل الجيش، سمعوا طلقة نارية تسببت في الانفجار واندلاع الحريق في صهاريج المحروقات، ولفتوا إلى العثور على رصاصة في أحد الصهاريج المحترقة.

وفي رواية أخرى، قال شهود عيان إن أحد المواطنين أشعل سيجارة قرب خزانات المحروقات، وهو ما أدى إلى اشتعال الحريق والانفجار.

وما بين هذا وذاك، تظل الأسباب حتى الآن غير معلومة، في انتظار البيانات الرسمية للدولة، بعد التحقيق العاجل الذي طلبه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون من القضاء للكشف عن ملابسات الانفجار، كما شدد الرئيس اللبناني، على تكثيف البحث للتأكد من عدم وجود مفقودين.

ووفق موقع الرئاسة اللبنانية، قال عون: “هذه المأساة التي حلت بمنطقة عكار العزيزة أدمت قلوب جميع اللبنانيين الذين يقفون اليوم مع أبناء المنطقة في هذه المحنة التي ألمت بهم”.

وأعرب عون عن ألمه الشديد على ضحايا الانفجار الذي أودى بحياة عشرات الضحايا البريئة، متمنيًا الشفاء العاجل للجرحى.

ومن جانبه، قال الجيش اللبناني، في بيان له بشأن الحادث: “بتاريخ 15 أغسطس قرابة الساعة الثانية فجرًا، انفجر خزان وقود داخل قطعة أرض تستخدم لتخزين البحص في بلدة التليل- عكار كان قد صادره الجيش لتوزيع ما بداخله على المواطنين، ممّا أدّى إلى سقوط عدد من الإصابات بين مدنيين وعسكريين”.

وأكد الجيش في بيانه، على أن “التحقيقات بوشرت بإشراف القضاء المختص لمعرفة ملابسات الانفجار”.

ولفت الجيش في بيان ثان إلى أن المخابرات أوقفت قيد التحقيق المدعو (ر.أ) ابن صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود في بلدة التليل-عكار.

غضب في عكار

فور الانفجار، سادت حالة من الغضب في بلدة التليل في ​عكار شمال لبنان، إذ أفاد موقع “النشرة” اللبناني، إن “عددًا من أهالي البلدة، أحرقوا الشاحنات​ الموجودة في مستودع الرمل والبحص حيث وقع الانفجار، كردة فعل على الكارثة”، مشيرًا إلى أن “الأهالي قاموا أيضًا بإحراق شاحنة قرب منزل صاحب الخزان، مهددين بإحراق منزله”.

وقد ضرب ​الجيش اللبناني​ طوقًا أمنيًا حول محيط موقع الانفجار، ولا تزال عمليات المسح مستمرة من قبل الجيش و​الصليب الأحمر اللبناني​، بحثًا عن ضحايا ومفقودين محتملين.

وذكر مصدر عسكري أن الجيش اللبناني كان قد صادر صهريج وقود مخبأ ويوزع وقودًا على السكان عندما وقع الانفجار.

وقال شهود إن نحو 200 فرد كانوا بالموقع وقت وقوع الانفجار.

ويعاني لبنان حاليًا نقصًا حادًا في الوقود، وشهدت البلاد في الأيام الأخيرة حوادث خطف صهاريج، وأعلنت مستشفيات أنها تعاني من نقص الوقود وقد تضطر إلى الإغلاق.

وأمس السبت، كان الجيش اللبناني قد انتشر في محطات الوقود وسط نقص حاد في المحروقات، فيما تمسك حاكم مصرف لبنان المركزي برفضه إعادة الدعم لاستيراد المحروقات على الرغم من اشتداد الأزمة التي حملت أحد المستشفيات الكبرى على التحذير من “كارثة وشيكة”.

وأعلن مصرف لبنان منذ الخميس بدء استيراد المحروقات التي كانت من بين المواد المدعومة، وفق سعر الصرف في السوق السوداء الذي يتجاوز 20 ألفًا، بينما السعر الرسمي مثبت على 1507 ليرات، ما يعني رفع الدعم عن هذه المواد الحيوية.

«ميقاتي والحريري» يُعلقان

وتعليقًا على الحادث الأليم، قال رئيس الحكومة المُكلف نجيب ميقاتي، إن الانفجار في منطقة عكار، “يستصرخ ضمائر الجميع للتعاون من أجل إنقاذ اللبنانيين مما هم غارقون فيه من ويلات ونكبات وإهمال”.

جاء ذلك عبر بيان رسمي له، والذي أضاف فيه: “ليل عكار الحزين أدمى قلوبنا جميعًا على أبرياء سقطوا ضحية طمع من استغلوا أزمة المحروقات ليحققوا أرباحًا غير مشروعة ويحرموا الناس من أبسط حقوقهم”.

وأكد: “إننا عازمون على المضي في العمل الدؤوب كي لا تبقى عكار لقمة سائغة للمحتكرين وأصحاب الأطماع”.

وختم: “رحم الله الضحايا ودعاؤنا إلى الله أن يشفي الجرحى، ويبعد عن لبنان واللبنانيين المصائب والويلات”.

ومن جانبه، اعتبر سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل اللبناني، أن الانفجار مجزرة لا تختلف عن مجزرة المرفأ، مطالبًا المسؤولين بداية من رئيس الجمهورية، ميشال عون، بالاستقالة.

وقال الحريري في تغريدة عبر موقع تويتر: “مجزرة عكار لا تختلف عن مجزرة المرفأ، ما حصل في الجريمتين لو كان هناك دولة تحترم الإنسان لاستقال مسؤوليها، بدءً برئيس الجمهورية إلى آخر مسؤول عن هذا الإهمال، طفح الكيل”.

واختتم: “حياة اللبنانيين و أمنهم أولوية الأولويات”.

وفي تغريدة أخرى، ذكر الحريري بمأساة انفجار المرفأ، بنشر صورة من الحدث، بالإضافة إلى صورة جديدة من انفجار عكار، معلقًا: “4آب + 15 آب= #عهد_جهنم”.

مواقع التواصل تشتعل

فور اندلاع الانفجار، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع، مقاطع فيديو ومشاهد للانفجار وعدد من الجثث المحترقة، كما تم تداول مقاطع تُظهر نقل عدد كبير من الجرحى إلى مستشفيات المنطقة.

https://twitter.com/HusseinS2004/status/1426773336739221505

واشتعلت مواقع التواصل غضبًا وألمًا واحتجاجًا على الأوضاع المريرة، إذ لم يمر أقل من أسبوعين على إحياء لبنان الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، ليئن لبنان الجريح من كارثة جديدة، في ظل الدوامة الخانقة التي يمر بها الشعب دون حلول صارمة.

ربما يعجبك أيضا