انهيار بنك سيليكون فالي.. «البجعة السوداء» تخيم على الأسواق العالمية

ولاء عدلان
بنك سيليكون فالي

وزارة الخزانة الأمريكية: النظام المصرفي الأمريكي يتمتع بالمرونة الكافية لتجنب تأثير الانهيار الداخلي لبنك سيليكون فالي.


سيطرت حالة من الذعر على تحركات الأسواق المالية العالمية، منذ أول من أمس الخميس 9 مارس 2023، على خلفية أزمة بنك سيليكون فالي الأمريكي.

وأغلقت السلطات الأمريكية، أمس الجمعة، بنك سيليكون فالي (SVB)، وتحفظت على جميع أصوله، متعهدة بحماية ودائع العملاء، لتعيد إلى الأذهان ذكريات انهيار بنك ليمان براذرز الذي فجر الأزمة المالية العالمية في 2008.

أكبر إفلاس مصرفي منذ 2008

قالت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، في بيان، إن هيئة الحماية المالية والابتكار في كاليفورنيا قررت إغلاق بنك سيليكون فالي لمواجهته مشكلات تتعلق بالسيولة، وتصل إلى حد الإعسار، مشيرة إلى أنها أنشأت بنكًا في سانتا كلارا لحماية الودائع المؤمّن عليها.

وأوضحت أن عملاء البنك سيتمكنون من الوصول الكامل إلى ودائعهم المؤمن عليها في موعد أقصاه الاثنين 13 مارس، على أن يحصل عملاء الودائع غير المؤمن عليها على أرباح في غضون الأسبوع المقبل، مع التعهد بحماية كامل أموالهم.

وبحسب البيان، وضع بنك سيليكون فالي تحت وصاية المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع لتتصرف في أصوله ضمن إجراءات لحماية أموال العملاء، وذلك في أكبر انهيار لبنك أمريكي منذ 2008 وثاني أكبر إفلاس لبنك تجاري في الولايات المتحدة الأمريكية.

لماذا تعثر بنك سيليكون فالي؟

بنك سيليكون فالي تأسس في 1983 وتركز أعماله على دعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال تحديدًا في قطاع التكنولوجيا، ويحتل البنك المرتبة الـ16 بين أكبر البنوك الأمريكية، وهو مصنف على قائمة فوربس لأفضل البنوك الأمريكية في 2023، وبنهاية الربع الأخير من 2022 بلغ إجمالي أموال العملاء لديه نحو 342 مليار دولار.

وقدرت أصوله بنحو 209.0 مليار دولار بنهاية ديسمبر الماضي، وبالتزامن مع قرار الإغلاق أمس، قدر إجمالي الودائع لديه بنحو 175.4 مليار دولار، وجاء هذا القرار بعد أن فشل البنك في تأمين تمويل بنحو 2.25 مليار دولار لسد الخسائر الناجمة من بيع الأصول المتأثرة بسلسلة رفع معدلات الفائدة الفيدرالية، وتحديدًا محفظة السندات الحكومية.

ويعد بنك سيليكون فالي شريكًا مصرفيًّا لنحو نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية الأمريكية، والأنباء حول تعثره حركت خلال الأيام الماضية، موجة سحب هائلة من عملاء البنك إلى الحد الذي لم يعد قادرًا على التعامل معها مع فشله في زيادة رأس المال.

صدمة للأسواق

تراجعت مؤشرات الأسهم الأمريكية أمس الجمعة، على نحو جماعي، بأكثر من 1% بضغط من أسهم البنوك مع تراجع صناديق المؤشرات المتداولة للبنوك المدرجة في وول ستريت بنحو 4.4% لتسجل أكبر خسائر أسبوعية منذ مارس 2020 بنحو 16%، وفق شبكة “سي إن بي سي”.

وتراجعت أسهم بنك سيليكون فالي بنحو 60% خلال جلسة الجمعة، بعد تراجعها بالنسبة نفسها أيضًا في الجلسة السابقة، وتأثرت بنوك كبرى أيضًا بالضغوط البيعية ليتراجع سهم جولدمان ساكس -4.2% وجي بي مورجان، أكبر بنكين بالولايات المتحدة، -2.3%، وذلك بعد تراجعه 5.4% في تداولات الخميس.

جي بي مورجان

تراجع أسهم جولدمان ساكس بتأثير من أزمة بنك سيليكون فالي- سي ان بي سي

وفي أوروبا، تراجع مؤشر ستوكس 600 بنحو 1.3% بضغط من هبوط القطاع المصرفي بنحو 4%، مع تراجع أسهم بنوك كبرى مثل دوتشيه بنك -7.5% وكريدي سويس -5% وإتش إس بي سي -5.8%، وفي أسواق الأسهم الآسيوية، تراجعت أيضًا أسهم البنوك أمس، إلى أدنى مستوياتها في أكثر من شهرين.

واشنطن تطمئن الأسواق

عقدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أمس، اجتماعًا طارئًا للمنظمين الماليين لمناقشة أزمة بنك سيليكون فالي وتداعياتها، وقالت يلين إن وزارتها تراقب من كثب تطويرات الأزمة التي تعد مصدرًا للقلق.

وقال نائب وزيرة الخزانة والي أديمو، في تصريح لـ”سي إن إن” إن النظام المصرفي الأمريكي يتمتع بالمرونة الكافية لتجنب تأثير الانهيار الداخلي لبنك سيليكون فالي، مضيفًا أن “لدينا الأدوات اللازمة للتعامل مع هذه الأزمة وتحييد تأثيرها”.

ضغوط ارتفاع أسعار الفائدة

انهيار بنك “إس في بي” يكشف عن الضغوط التي أحدثتها موجة التشديد النقدي التي بدأها مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي العام الماضي، وانضمت إليها غالبية بنوك العالم في محاولة لكبح التضخم المتسارع.

وأبرز هذه الضغوط هو خسائر البنوك من جراء استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية قبل قرارات رفع الفائدة، الأمر الذي يعرضها لخسائر مرتفعة بضغط من ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض أسعار السندات.

وعلى غرار ما أقدمت عليه السلطات الأمريكية من إغلاق بنك سيليكون فالي تحسبًا لتكرار سيناريو أزمة 2008، أعلن بنك إنجلترا أيضًا أنه قد يعلن إفلاس بنك سيليكون فالي في المملكة المتحدة، ويتحفظ على أصوله لضمان حقوق العملاء.

هل يتكرر سيناريو أزمة 2008؟

قال كبير مسؤولي الاستراتيجية في شركة سيركل للعملات الرقمية دانتي ديسبارت، في تغريدة اليوم، إن أزمة سيليكون فالي تكشف عن قصور (البجعة السوداء)، أي الأحداث التي يصعب التنبؤ بها مسبقًا، في النظام المالي الأمريكي، مضيفًا أن هذه الأزمة قد يتسع تأثيرها حال عدم وضع خطة إنقاذ حكومية عاجلة.

وحذر كبير مديري المحافظ في “فان لانسشوت كيمبن” الهولندية لإدارة الثروات لوك بلوفييه في تصريح لـ”سي إن إن”، من أن أزمة بنك سيليكون فالي قد لا تكون حالة فردية مع حقيقة وجود العديد من المؤسسات المالية التي تدير أصولًا تقل قيمتها كثيرًا عن المعلن عنه، ما يعني أن القطاع المصرفي قد يشهد موجة من الخسائر.

jyvdm fum

هل الاقتصاد الأمريكي متين؟

على النقيض، يرى نائب كبير اقتصاديي الأسواق في كابيتال إيكونوميكس جوناس جولترمان، أن أزمة بنك سيليكون فالي حالة فردية، وسببها الرئيس هو انكشافه على قطاعات بعينها، وتحديدًا التكنولوجيا، ما جعله عرضة للخسائر مع جفاف منابع التمويل لهذا القطاع في ظل ارتفاع أسعار الفائدة إلى أعلى مستويات الـ4% واحتمالات الركود الاقتصادي، وفق “رويترز”.

ويرى كبير المستشارين الاقتصاديين لدى أليانز الخبير الاقتصادي محمد العريان، في تغريدة عبر “تويتر” أمس، إن النظام المصرفي الأمريكي متين، ويمكنه احتواء مخاطر العدوى الناجمة عن أزمة بنك سيليكون فالي، بالإدارة الحكيمة للميزانيات العمومية للبنوك وتجنب المزيد من أخطاء السياسة النقدية.

 

محمد العربيان

تعليق محمد العريان على أزمة بنك سيليكون فالي

 

ربما يعجبك أيضا