بركان الرافدين يثور بوجه عمائم الطائفية

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

انتفاضة العراق اختلفت هذه المرة عن سابقاتها من الاحتجاجات، قوامها الشباب خرجوا ثائرين ضد تفشي الفساد وتدهور الخدمات وانتشار البطالة بعد يأس من الحلول والوعود الزائفة من قبل المسؤولين، مُصرين على الصمود بوجه الظلم والطغيان رغم الرصاصات الغادرة التي اغتالت العديد منهم، وسط تواطؤ وتلكؤ حكومي في حل الأزمة، فأخرجت تلك المرة شعبًا ثائرًا قرر ألا يعود دون حريته، فتكاتف معه الجميع بالمؤونة والدعم والصدور المفتوحة للموت، رافعين لافتات “حياتنا في وحدتنا” ضاربين بعمائم الطائفية عرض الحائط.

ثورة غير ممولة

تميزت المظاهرات العراقية بأنها غير ممولة وليس لها قائد، فقد انطلقت دون مقدمات أو مؤشرات، شكل نواتها الشباب على عكس المظاهرات الماضية، لتثور ضد الفساد والظلم وتدني المستوى المعيشي وارتفاع نسب البطالة.

ولهذا السبب تفاجأت الحكومة مثل القوى السياسية بخروج المظاهرات دون رعاية من جهات حزبية، كما كان في السابق والتي كان يدعو لها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أو الحزب الشيوعي.

وما أضاف المشروعية لهذه الثورة تبرع العراقيين البسطاء بإعداد الطعام وتوزيع الشراب، والتدخل بقوة لإسعاف الجرحى ونقل القتلى والتي أبرزت وسيلة “التوك توك” كأسرع وأهم وسيلة إسعاف خلال احتجاجات العراق، التي شهدت إطلاق رصاص حي وغاز مسيل للدموع ضد المحتجين والمعتصمين.

ما يحدث في احتجاجات العراق ليست ثورة فقراء ولا هي ربيع عربي بقدر ما هي ثورة للمطالبة بحقوق مشروعة، بدأت احتجاجًا على الفساد والظلم وتدني مستوى المعيشة وارتفاع البطالة، لكن استخدام العنف المفرط وسقوط ضحايا واستخدام أساليب شمولية مثل قطع الإنترنت والدعاية المضادة وخطابات التشكيك، دفعت المحتجين للإصرار على تغيير النظام الذي لطالما عهد بموالاته لإيران التي باتت تتواجد بميليشياتها في أغلب مفاصل الدولة العراقية.

هل يسقط النظام؟

رغم الانتشار الغير مسبوق للاحتجاجات العراقية في بغداد ومدن أخرى، وما حظيت به من تعاطف كبير ودعم شعبوي هائل من مختلف الأطياف، لا يمكن تحديد المسار الذي قد تتخده في الأسابيع القادمة، سواء باتجاه التصعيد من قبل ميليشيات إيران أو باتجاه الخفوت تدريجيًا بعد تفريغ شحنة الغضب.

 لكن ما بات واضحًا بعد مواجهة الشباب العراقي للرصاص الغادر في الميادين، أن هذا الشعب خرج ولن يعود سوى بتغيير نظامه الذي قضى عليه منذ سنوات وتحديدًا بعد سقوط “صدام حسين” الذي أتت بعده حكومات متواطئة مع الاحتلال الأمريكي ومن بعده مواليه لنظام الفقيه في إيران.

ثورة أجمع عليها العراقيين، وجمعت النقابات وطلاب المدارس وفئات عمرية عديدة بمختلف طوائفها، اتفقت جميعها على وطن اسمه “العراق” دون النظر لانتماءاتها الطائفية أو العرقية أو الدينية، فجميعهم تضرروا من الانقسام السياسي والتدهور الأمني وتردي الخدمات واستشراء الفساد ونهب الثروات وتغلغل الميليشيات الإيرانية، فباتوا يصرخون ” الشعب يريد إسقاط النظام”.

كما أن تعامل الحكومة العراقية مع الاحتجاجات، أظهر عدم اتزانها وقدرتها على اتخاذ القرار المناسب وهو ما دفعها لاستخدام الوحشية عبر قوات مكافحة الشغب واستخدام الرصاص الحي وقتل وإصابة المئات من المحتجين، وهي جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وكذلك يعاقب عليها القوانين الدولية.

لا أمريكية ولا إيرانية

لا أحد يمكن أن يصف ما يحدث في العراق بأنها مؤامرة أمريكية أو سيطرة للنفوذ الإيراني، بقدر ما هي ثورة ضد الفساد والحكومة والأحزاب والنخب السياسية الحاكمة، وخاصة أولئك الذين جاؤوا على ظهور الدبابات الأمريكية وسهلوا مهامه في تدمير العراق واقتصاده.
فعندما يدرك المواطن العراقي أن بلاده تدخل ما يزيد عن ستة مليارات دولار شهريًا، ورغم ذلك لا يجد لقمة عيشه ويرى انهيار مؤسساته وتدني خدماته، فلماذا لا يثور هذا المواطن المسحول؟

وبحسب تقارير الفساد، فهناك أكثر من تريليون دولار جرى سرقتها من قبل الفاسدين من قبل من ادعوا نشر الديمقراطية، حتى أصبح العراق في المرتبة الثالثة كأكثر بلاد العالم فسادًا.

ساهم في ذلك كل من تحملوا مسؤولية الحكم في العراق منذ 2003 وحتى هذه اللحظة، مثل السيد عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء الحالي، بدعم من إيران ما دفع العراق ليصبح بلا هوية موحدة حيث الولاء المطلق للطوائف ليلغي معه كل مفاهيم الكرامة، فاتحًا الباب على مصراعيه أمام النفوذ الخارجي وتحديدًا الأمريكي والإيراني.

وأمام كل هذه الصراعات من فساد ونفوذ وطائفية وملايين الدولارات التي تتحصل عليها العراق، طُعن المواطن في كرامته وعزة نفسه وكبريائه، ومع ذلك يأتي من يشكك في ثورته ويخونه فمن يشارك في هذه المظاهرات ليسوا البعثيين ولا أنصار صدام حسين ولكن المخدوعين والمهمشين من مختلف الطوائف العراقية .

ربما يعجبك أيضا