بعد انقلاب “النهضة” على الفخفاخ.. الحكومة التونسية تواجه مصيرًا غامضًا

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

من جديد تعكر حركة النهضة الإخوانية صفو المشهد السياسي التونسي، بعد إعلانها عدم المشاركة في الحكومة التي أعلنها رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ.

وفي يناير الماضي، كلف الرئيس التونسي وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ بتشكيل حكومة جديدة، بعد أن رفض البرلمان حكومة اقترحها الحبيب الجملي، ليتكرر نفس المشهد مرة أخرى.

موقـف “النهضـــة” الإخوانيــة

ورفضت حركة النهضة التشكيلة المقترحة معتبرة أنها لا تتناسب مع حجمها كأكبر حزب في البرلمان، وطالبت بحكومة وحدة وطنية لا تقصي أي حزب في إشارة إلى قلب تونس الذي رفض الفخفاخ ضمه إلى الائتلاف الحكومي.

وتحتاج الحكومة لموافقة 109 نواب وهو أمر لا يبدو سهل المنال في ظل جبهة رفض قوية من أحزاب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة إضافة إلى الدستوري الحر. وفي حال فشلت الحكومة سيدعو الرئيس إلى انتخابات مبكرة في موعد لا يتجاوز ثلاثة أشهر.

يشار إلى أن حكومة الفخفاخ المقترحة تضم وزراء من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وحزب تحيا تونس وحزب النهضة وحزب البديل إضافة لمستقلين.

كيف رد الرئيـــس التونـــسي؟

ورداً على مأزق تشكيل الحكومة قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، إنه سيحل البرلمان ويدعو لانتخابات مبكرة إذا لم تحصل حكومة إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان، محذرا من أي “مناورات تحت عباءة الدستور”.

وأشار الرئيس التونسي خلال لقاء مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، إلى أن “تونس تمر بفترة دقيقة”، معربا عن ثقته بقدرة الجميع على تجاوز الأزمة القائمة.

وأكد سعيد أن “نص الدستور واضح بهذا الخصوص، وأن الفصل 89 هو الذي يجب أن يطبق فيما يتعلق بتكوين الحكومة”.

وشدد الرئيس التونسي على وجوب الاحتكام للدستور وحده، وتجنب التأويلات والفتاوى غير البريئة، منبها من “خطورة تجاوز الدستور باسم الدستور”.

غموض يحيط بفصول الدستور

ويسيطر الترقب على الشارع في تونس في انتظار ما ستؤول إليه مفاوضات اللحظات الأخيرة، قبل انقضاء مهلة تشكيل الحكومة خلال أيام، في ظل غموض يحيط بفصول الدستور في حال فشل رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ في مهمته.

وتنتهي المهلة المحددة في الفصل 89 من الدستور، في 20 من الشهر الجاري، بعد تكليف الفخفاخ في 20 ينايرالماضي، ولكن الفصل نفسه ينص على أنه في حال مرور 4 أشهر، مدة قصوى، منذ التكليف الأول دون تشكيل حكومة، لرئيس الجمهورية أن يحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة.

وباحتساب المدة كاملة فإنه بحلول 20 من الشهر الجاري تنقضي 3 أشهر ونصف منذ التكليف الأول، ولا يشير الدستور في الفصل 89 على وجه الدقة، إلى ما يمكن أن يحدث خلال ما تبقى من الآجال قبل حل البرلمان.

وإذا فشل الفخفاخ في نيل الثقة في البرلمان التوسي هذا الشهر، فمن الممكن أن يحلّ رئيس البلاد البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة، مما قد يطيل أمد الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد.

مــأزق تشــــــكيـل الحكومــــة

اعتبر سياسيون تونسيون أن مأزق تشكيل الحكومة يضع تونس اليوم أمام هامش ضيق من التعاطي مع هذه الأزمة غير المسبوقة، وأن خياري التمديد لحكومة تصريف الأعمال أو حل البرلمان يمثلان كارثة على البلاد.

وقال المحامي والمحلل السياسي ماجد برهومي إن ”السيناريوهات المطروحة اليوم هي إما تمرير الحكومة بقوة في البرلمان، رغم رفض حركة النهضة، أو أن يحال الأمر إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الذي سيكون أمام خيارين”.

وأوضح برهومي أن تونس تواجه خيار حل البرلمان، ما يمثل بالتالي كارثة بكل معنى الكلمة بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي والتعامل مع المانحين الدوليين.

وأضاف أن الخيار الثاني يكمن في التمديد لحكومة تصريف الأعمال برئاسة يوسف الشاهد، وهذا الخيار أيضا يمثل كارثة، ولا يقدم رسائل إيجابية إلى الشركاء الدوليين والجهات المانحة.

في المقابل، قال رئيس حزب “تونس بيتنا” فتحي الورفلي، إن من واجب رئيس الجمهورية اليوم حل البرلمان، معتبرا أن “التشكيلة البرلمانية الحالية لا تبشر بخير، ولا يمكنها العمل لخمس سنوات” – على حد تقديره.

وحول سبب رفض “النهضة” منح الثقة لحكومة الفخفاخ، قال الورفلي: إن “حركة النهضة تسعى إلى الهرب من الحكم المباشر، وكانت دائما تحكم من وراء الستار، وتعاملت مع الدولة بمنطق الغنيمة”.

وزارة “إخوان تونس” المفضلة

ويرى مراقبون أن قرار “النهضة” بعدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ مرتبط بإصراره على عدم منح الحركة وزارة تكنولوجيات الاتصالات في التشكيلة الحكومية الجديدة إضافة إلى حرصه على الكفاءات دون الولاءات الحزبية.

وأثار تمسك حركة النهضة بتلك الوزارة مخاوف جانب كبير من التونسيين، نظراً لما يعنيه ذلك من تحول معطياتهم الشخصية المحفوظة بقوة القانون إلى أدوات في يد الحزب العقائدي الساعي إلى التغلغل في تفاصيل المجتمع بعد تغلغله في مفاصل الدولة.

يقول الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو، إن إصرار حركة النهضة على وزارة تكنولوجيات الاتصالات “أمر مقلق للغاية”.

ولتفسير سبب تمسك إخوان تونس بهذه الوزارة يقول النائب في البرلمان ياسين العياري “ربما ما لا يعلمه التونسيون أنه لدينا وكالة تابعة لوزارة تكنولوجيا الاتصالات، اسمها A2T يطلق عليها  “إف بي آي” تونس، لها الإمكانات التقنية الكافية والخبرات والتكوين لاعتراض وقراءة كثير من محادثات الناس والتطلع على أماكنهم وأسرارهم وأمورهم”.

ويضيف “من المفروض أن يكون عملها منظما ومؤطرا من قبل القضاء لاستعمالها في عدد من المسائل المهمة مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والجوسسة وغسيل الأموال”.

ربما يعجبك أيضا