بعد سنوات.. تحركات عراقية لفتح «حفرة الموت» الداعشية بالموصل

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد مرور نحو 6 سنوات، أعلنت الحكومة العراقية تحركها لفتح « حفرة الموت» أو «الخسفة» في محافظة نينوى شمالي العراق. حفرة تضم آلاف الجثث بينهم مدنيون قتلهم تنظيم داعش خلال فترة سيطرته، واليوم بدأت توجهات فعلية لفتحها لتروي مأساة أكبر مقبرة جماعية تروي بدماء العراقيين وسط مطالبات ذوي الضحايا بالبحث عنهم وإثبات حقهم في الحصول على تعويضات، فهل تتمكن الحكومة من فتحها رغم اعتذار منظمات دولية لصعوبة فتحها؟

تحرك لفتح «حفرة الموت»

تستعد الحكومة العراقية للتحرك بشكل فعلي من أجل فتح «حفرة الموت» أو «حفرة الخسفة» في محافظة نينوى شمالي العراق على بعد 20 كيلومتراً جنوب الموصل، حيث تضم الحفرة نحو ألفي جثة لمدنيين قتلهم تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على المحافظة.

من جهته، كشف عضو هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي، سعد العبدلي قائلاً “فتح حفرة الخسفة في محافظة نينوى يحتاج إلى جهد دولي، حيث تعد هذه الحفرة الأكبر والأكثر دموية، ولا نعرف عمقها وعدد الجثث الملقاة”، وفق ما نقلته صحيفة «الصباح» العراقية.

كما أضاف، أن “الجثث رميت بشكل عمودي تراكمي، مما يجعل الرفات والعظام تختلط مع بعضها، ليكون من الصعب تشخيص الرفات وعائديتها إلى أسر الضحايا، لكن هناك معلومات تفيد بأن قاع المقبرة عميق جداً ومظلم تماماً، ويحتوي على مياه محاليل وغازات وأمور أخرى”.

وأشار العبدلي إلى أن “الفريق المختص بقضايا المقابر الجماعية بدأ بالتخطيط لهذا الموضوع الذي يحتاج إلى جهد دولي”.

وفي يونيو الماضي، طالب نائب رئيس لجنة الأمن في البرلمان العراقي نايف الشمري الحكومة بضرورة التحرك لإنهاء ملف ضحايا “حفرة الخسفة”، ووضع حد لمعاناة ذوي الضحايا الذين دفنوا فيها على يد عناصر تنظيم “داعش” في نينوى.

مأساة الخسفة

يعود موضوع “حفرة الخسفة” إلى المرحلة التي أحكم فيها “داعش” قبضته على محافظة نينوى في 2014، إذ استخدم الحفرة لتصفية خصومه ومعارضيه ورميهم فيها، ويقدر بعض سكان المنطقة أعداد من ألقوا في المكان بأكثر من 10 آلاف شخص.

والخسفة كما يسميها بعض سكان المنطقة فجوة أرضية طبيعية يزيد قطر فوهتها عن 40 متراً وعمقها أكثر من 150 متراً، بحسب دراسة أكاديمية أجرتها “جامعة الموصل” قبل سنوات، أشارت إلى وجودها في منطقة شبه صحراوية تضم رمالاً متراكمة تسحب أي جسم ثقيل إلى داخلها.

وفي العاشر من يوليو2017  أعلنت القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة الموصل بعد تسعة أشهر من المعارك الدامية، قبل أن تفرض سيطرتها في نهاية شهر أغسطس من العام نفسه على كامل محافظة نينوى.

وعثرت السلطات العراقية خلال عمليتها العسكرية المستمرة لاستعادة المدينة على مقبرتين جماعيتين تضمان رفات مئات السجناء في منطقة حمام العليل وفي الخسفة الواقعة في قرية العذبة وكلاهما جنوب الموصل.

ولا تتوافر إحصاءات دقيقة حتى الآن عن العدد الفعلي للضحايا الذين تم إلقاء جثثهم في هذه المقبرة الجماعية.

من هم ضحايا الخسفة؟

في الخامس من أغسطس 2014، أعلن تنظيم داعش عن تصفية (2070) شخصاً من مدينة الموصل وعلق عناصره قوائم بأسمائهم في لوحة إعلانات الطب العدلي في الجانب الأيمن للمدينة. مع أوامر صارمة لذوي الضحايا بعدم تتبع أو الاستفسار عن مكان دفنهم والامتناع عن إقامة مجالس عزاء على أرواحهم.

لذا اكتفى الأهالي المنكوبين وبعيون دامعة بإلقاء نظرة على أسماء أبنائهم في قوائم الموت وعادوا ليعلنوا عن أحزانهم خلف أبواب بيوتهم الموصدة. فيما كان ذوو مفقودين آخرين يتسللون بين الحين والآخر إلى المكان ذاته وقلوبهم مليئة بأمل أن لا يعثروا على أسماء مفقوديهم ليواصلوا رحلة البحث الصامتة.

وأهالي القرى القريبة منها يؤكدون بأنها عميقة للغاية وبسبب انحدارها الشديد وصعوبة النزول اليها فلا أحد يعرف تحديداً ماذا كان في قعرها قبل أن ينشط التنظيم في نينوى بعد 2006 وسيطرته المطلقة عليها صيف 2014 إذ استخدمها كمقبرة لضحاياه وهم من مختلف فئات المجتمع في نينوى. ومن هنا استمدت أسماءها المتعددة ( حفرة الموت أو الرعب أو مقبرة الخسفة).

وبحسب شهود العيان، فإن التنظيم وقبل فترة وجيزة من سقوطه بعد معارك التحرير منتصف 2017 قام بردم الخسفة، إذ ألقى عناصره هياكل مركبات وأنقاض أبنية في جوفها قبل أن تستغرق الجرافات ساعات طويلة في إهالة التراب عليها.

صعوبات فتح الخسفة

مع احتمالات ضم الخسفة لآلاف من مواطني نينوى بينهم مدنيون ومنتسبون للجيش والشرطة العراقية، فإن فتحها خارج إمكانيات الحكومة المحلية، ويتطلب الأمر جهودًا دولية، وقد تم التواصل مع منظمات إنسانية دولية عديدة للقيام لكنها رفضت دون أن تذكر الأسباب مكتفياً بالقول أن ذلك ” يفوق إمكانياتها أيضاً”.

عدم وجود موقف حكومي آنذاك لفتح الخسفة له تداعياته العميقة على آلاف من ذوي المفقودين الذين يتعين عليهم إثبات حالة الوفاة للحصول على امتيازات الدولة للشهداء والحصول على شهادة الوفاة لتسيير المعاملات الرسمية في الدوائر الحكومية المتعلقة بالأحوال الشخصية من إرث وغيرها، وكل ذلك يستلزم بطبيعة الحال وجود جثة قانوناً للحصول على شهادة وفاة.

لطالما كانت “الخسفة”، أو “حفرة الجن”، مثار اهتمام الباحثين وحتى المواطنين في مدينة الموصل العراقية، على مر العقود والفترات الماضية، غير أنها تحولت اليوم إلى ما هو أبعد من معرفة سبب تكونها أو عمقها وحقيقة ما فيها، وما كان ينسج عنها من قصص وحكايات، وذلك بعد ارتكاب تنظيم “داعش” واحدة من أبشع مجازره المروعة فيها، بعد قيامه بخطف ما لا يقل عن ألفي عراقي وإعدامهم ورميهم في الحفرة، مع عجز واضح للسلطات العراقية عن دخولها وانتشال رفاتهم، فهل تتمكن اليوم من اتخاذ إجراءات فعلية لفتح الحفرة التي طال انتظارها وكشف المستور عن أبشع مقبرة لداعش إبان فترة سيطرته؟

ربما يعجبك أيضا