بعد عقود من النمو.. هل يتخلى التنين الصيني عن عرشه الذهبي؟

ولاء عدلان

ولاء عدلان

لعقود نجحت الصين في خلق نموذجها الاقتصادي الفريد، فحين كان رجل الأعمال يقود خطة بناء الصين الحديثة على مدى 40 عاما، كان الحزب الشيوعي يمسك بزمام الأمور، ليضمن أن يتم الإصلاح ببطء وبنجاح دون أن يخرج عن السيطرة، الآن البلد البالغ عدد سكانه نحو 1.4 مليار نسمة، وبعد أن أصبح أسرع الاقتصادات نموا في العالم، بوتيرة نمو ظلت على مدى عقد كامل عند نسبة 10%، منتشلة أكثر من 800 مليون نسمة من الفقر، بات مهددا بتباطؤ النمو والأهم بفقاعة الديون التي قد تحدث تسونامي، لن يستطيع سور الصين العظيم منع شروره.

مؤشرات الاقتصاد الصيني

يشكل اقتصاد الصين نحو 17% من الاقتصاد العالمي، حيث  بلغ الناتج المحلى هذا العام نحو 14 تريليون دولار  بزيادة 2 تريليون دولار مقارنة بالعام 2017، ليواصل حفاظه على المرتبة الثانية كأقوى اقتصاد بعد أمريكا “20.4  تريليون دولار”، وذلك بعد أن كان يشكل 4% فقط من الاقتصاد العالمي عام 2000.

وفي تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في يوليو، توقع الخبراء أن يحقق الاقتصاد الصيني معدل نمو قدره 6.5% هذا العام، وهو الأضعف منذ الأزمة المالية العالمية 2008، منوها أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين مستمر بوتيرة جيدة، إذ تمثل البلاد الآن ثلث حجم النمو العالمي، ولديها أعلى متوسط دخل.

وأشاد التقرير بتركيز حكومة بكين على النمو عالي الجودة، مطالبًا السلطات بمواصلة كبح نمو الائتمان، وتسريع جهود إعادة التوازن، وزيادة دور قوى السوق، وتعزيز الانفتاح، بالقدر الذي قد يمكنها لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030، والأهم أنه سيضمن أن يكون النمو على المدى الطويل أقوى وأكثر استدامة.

رغم التوترات التجارية وتباطؤ النمو العالمي، إلا أن الصين لازالت تتربع على عرش مصدري العالم، وخلال الأرباع الثلاثة الأولى شهدت التجارة الخارجية نموا سريعا، حيث نمت تجارة السلع بـ 11.1% على أساس سنوى، فيما زادت الصادرات بنسبة 8.2% على أساس سنوى لتصل إلى “2.15تريليون دولار”.

بالنسبة لقطاع الخدمات الذي يشكل أكثر من نصف اقتصاد البلاد، فقد أظهر مؤشر مديري المشتريات الذي أصدره المكتب الوطني للإحصاءات أخيرا، توسع القطاع بوتيرة أسرع خلال الـ9 أشهر الأولى من 2018، كما أظهر المؤشر أن متوسط معدل التضخم خلال هذه الفترة سجل نحو 2%، وهو أقل كثيرا عن المستوى الذي تتوقعه الحكومة لهذا العام عند 3%.

نتيجة للحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصين عبر فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية بـ 200 مليار دولار، تراجع مؤشر مدير المشتريات للقطاع الصناعي في سبتمبر لأقل مستوى في سبعة أشهر إلى 50.8 نقطة  من 51.3 في أغسطس، في مؤشر على احتمالات أن يكسر حاجز الـ50 نقطة –  الفاصل بين النمو والانكماش- هبوطا.

كما أظهر مسح للشركات انكماش طلبيات التوريد الجديدة – وهي مؤشر للنشاط في المستقبل- في سبتمبر للشهر الرابع على التوالي وبأسرع وتيرة منذ فبراير 2016، إذ تراجع المؤشر إلى 48.0 من 49.4، ويتوقع الخبراء أن يسجل ميزان الحساب الجاري عجزا بـ1.3 بالمئة، مقارنة بالمستوى الذي جرى تسجيله في 2017.

وعلى الرغم من أن بكين تعد الثانية عالميا فيما يتعلق باستقبال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، هبط حجم هذه الاستثمارات خلال الأشهر الماضية إلى نحو 121 مليار دولار مقارنة بـ 131 مليار دولار في 2017.

فقاعة الديون

تشير التقديرات إلى أن ديون القطاع غير المالي في الصين ستصل إلى 300% من الناتج المحلي للبلاد، مقارنة بـ242% خلال 2016، فيما أفادت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني، بأن  الديون غير المعلنة للصين تقدر بنحو 6 ترليونات دولار، موضحة أن الحكومة الصينية تبقي هذه الديون خارج الموازنة الرسمية، حتى لا تتعرض لقيود عند الاقتراض من السوق العالمية.

ووفقا لمعهد التمويل الدولي، بين الربع الأخير من 2008 والربع الأول من  2018 ، انفجرت الديون الإجمالية للصين من 171 إلى 299% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتؤكد “ستاندرد” أن هذا المستوى من الديون ينذر بكارثة، مخاطرها لن تقف عند الصين فقط، بل ستهدد الاقتصاد العالمي بأكمله، بحجم تأثير التنين الصيني على الأسواق واحتكاره للجانب الأكبر من التجارة العالمية.

هل تستطيع الصين تفادي الكارثة؟

على الرغم من تحذيرات صندوق النقد الدولي من إجراء المزيد من خطط التحفيز الاقتصادي على حساب سياسات كبح الديون، أكدت الحكومة الصينية مطلع الشهر الجاري أنها ستكون أكثر من “نشيطة” فى تحفيز الاقتصاد بسبب حالة الغموض الخارجي، واعدة بدعم استقرار النمو المدفوع بالابتكار والاستهلاك وزيادة الانفاق في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.

وبحسب مقال نشرته صحيفة “جلوبال تايمز” أكتوبر الماضي، يجب على الصين أن تتخذ إجراءات أقوى ربما تشمل حزمة تحفيز واسعة النطاق للحيلولة دون توقف نمو الاقتصاد في ظل استمرار النزاعات التجارية مع أمريكا.

وتؤكد هذه النظرة المتفائلة للاقتصاد الصيني أيضا دراسة نشرتها “نيويورك تايمز” نوفمبر الماضي وتقول: الصين اعترفت في بداية تبنيها للرأسمالية، بالكنز الذي تملكه متمثلا في مدخرات شعبها، وفي الوقت الحالي هي في وضع جيد، فمعدل الادخار لديها يعادل ثلاثة أضعاف مثيله في أمريكا، وفيما يتعلق بنمو القروض الاستهلاكية والعقارية، فمن خلال سيطرة الحكومة على النظام المصرفي، يمكنها أن تجبر البنوك على تقديم الرحمة للمقترضين المتعثرين في أي وقت.

وتضيف الدراسة: الحكومة في بكين أيضا تحتفظ بقبضة محكمة على عملتها، ومغاردة رؤوس الأموال المحلية إلى خارج البلاد، ومع بعض الاصلاحات ودعم النمو المدفوع بالاستهلاك، يمكنها تجاهل نصيحة المؤسسات العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، التي تدعو إلى التقشف، وقد تقود إلى نتائج كارثية.

يقول كلاوس شواب مؤسس منتدى “دافوس” العالمي: كان هناك دائماً المنتقدون والمتشائمون الذين تنبأوا بأن نمو الاقتصاد الصيني سوف يتوقف عند حد معين، لكن الأيام برهنت على خطئهم، ويبدو أن بكين ستكرر الأمر، رغم  تحديات الحرب التجارية ومشكلات الدين وتأثير الاحتباس الحراري العالمي.   
   

ربما يعجبك أيضا