بعد مقابلته مع كارلسون.. ماذا يدور في عقل «سيد الكرملين»؟

مساعي سيد الكرملين.. هل يخطط بوتين لمهاجمة أوروبا؟

محمد النحاس

خلال المقابلة، ألقى بوتين باللوم على الغرب واعتبر أن موقف روسيا في أوكرانيا يأتي دفاعًا عن الأمن القومي.. لكن ماذا يخبرنا اللقاء عما يدور في خلد الزعيم الروسي؟ وكيف يرى مستقبل النزاع مع أوكرانيا؟


أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجهة نظر بلاده في الحرب مع أوكرانيا، في مقابلة مع الصحفي الأمريكي والمذيع البارز تاكر كارلسون.

وخلال المُقابلة، التي أثارت جدلًا كبيرًا في الغرب، تحدث بوتين عن فرص السلام بين روسيا وأوكرانيا، واعتبر الأخيرة “كيان مُصطنع”، وتحدث عن الموقف الاقتصادي الروسي، ونفى عزم روسيا “غزو بولندا”، كما عرج على سياسات الناتو منتقدًا إياها، وسياسة الغرب إجمالًا تجاه روسيا مستندًا على وقائع التاريخ من وجهة نظره.. فما أبرز ما أثاره بوتين؟ وكيف ينظر إلى المستقبل؟

استعداد للتفاوض

أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في المُقابلة التي استغرقت أكثر من ساعتين، مع الصحفي الأمريكي، أن روسيا وأوكرانيا ستتوصلان “عاجلًا أم آجلًا” إلى اتفاق، مشددًا على وجود رغبة لدى موسكو لحل الأزمة من خلال التفاوض.

وفي مقابلته الأولى، مع صحفي أمريكي منذ الحرب الروسية الأوكرانية، قال بوتين إن الزعماء الغربيين أصبحوا يدركون أنه من المستحيل إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ويتساءلون عما يجب فعله بعد ذلك، موضحًا أن روسيا ستقاتل من أجل مصالحها “حتى النهاية”، لكنها ليست مهتمة بتوسيع حربها في أوكرانيا إلى دول أخرى مثل بولندا ولاتفيا، حسب ما جاء في اللقاء المنشور على موقع تاكر كارلسون، مساء الخميس 8 فبراير 2024.

وكانت آخر مقابلة رسمية لبوتين مع إحدى وسائل الإعلام الأمريكية في أكتوبر 2021، عندما تحدثت معه هادلي جامبل من شبكة “سي إن بي سي”.

الإمدادات الغربية لأوكرانيا

حديث بوتين عن حتمية حدوث اتفاق، وحيرة القادة الغربيين تدعمه مؤشرات عدة، ميدانيًا، لم تتمكن القوات الأوكرانية من تحقيق إنجاز يُذكر في هجومها المُضاد، والذي روجت له طويلًا خلال عام 2023.

ويُضاف إلى ذلك، تراجع الإمدادات الغربية مع اندلاع حرب إسرائيل وحماس، وتململ الغرب من طول أمد الصراع، والاستهلاك الأوكراني العالي للذخائر، وفي الداخل الأمريكي فإن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، وموقف الكونجرس يهددان بعرقلة المساعدات إلى حد كبير، وبعد أشهر من المفاوضات المضنية، لم يتوصل أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى اتفاق ينص على رصد أموال جديدة لأوكرانيا وإسرائيل هذا الأسبوع.

وإجمالًا، يمكن القول إن المُقابلة أوضحت كيف يفكر سيد الكرملين، حيث أنه يتمسك بما يراه أمن روسيا القومي، وبالتالي لن يكون هناك تنازلات روسية حال حدوث تفاوض مستقبلي، والأهم من ذلك، أنه حديثه جاء ليوضح أن روسيا منفتحة على خيارات السلام لكنها ليس على حساب أمنها القومي، وحال تطلب الأمر سيكون بإمكان الروس مواصلة القتال، لكنه بوتين لا ينوي مهاجمة دول الناتو، إلا حال قيامها بذلك.

الاقتصاد الروسي

اقتصاديًا، قال بوتين إن “روسيا أصبحت الاقتصاد الأول في أوروبا في 2023 رغم العقوبات”، معتبرًا أن الأدوات الأمريكية “لا تجدي نفعًا”،  حديث بوتين عن قوة الاقتصاد الروسي ليس بعيدًا عن الواقع، فقد كان الأداء الاقتصادي لروسيا خلال أشهر الحرب مفاجئًا لكثير من الخبراء، ويتسق ما قاله بوتين مع البيانات، كما حمل حديثه في هذا الصدد، رسالة مفادها أن “روسيا بأفضل حال اقتصاديًا وبإمكانها مواصلة القتال”، وأن أحلام انهيار الاقتصاد الروسي التي رددها الغرب كانت بعيدة عن الواقع.

ورغم بعض التعثر في عام الحرب الأول (2022)، عاد الاقتصاد الروسي لينمو بنسبة 3.6% في العام 2023، وقد تمكن الاقتصاد في العام الماضي تحديدًا من التكيّف إلى حد كبير مع العقوبات، والالتفاف عليها بسبل شتى.

 ورغم الانخفاض الكبير في الإنفاق الفدرالي، ظلّ العجز العام تحت السيطرة عند 1.9%، ومهما يكن من أمر، يظل أمام الاقتصاد الروسي تحديات جادة طويلة الأمد، كما لا يمكن وصف الأعوام الماضية بأنها كانت يسيرة، بل إن التكيف هو الوصف الأدق لما كان عليه الحال.

الابتعاد عن الدولار

في إطار مساعي روسيا لـ”نزع الدولرة” أو الابتعاد عن الدولار، أوضح الرئيس الروسي أن حصة الدولار في تسويات التجارة الخارجية لروسيا انخفضت إلى 13% وحصة اليوان ارتفعت إلى 34 %، مشيرًا إلى أن روسيا كانت تتعامل مع الشركاء سابقًا بنسبة 51% عن طريق الدولار “وقد خفضناه الآن إلى 13%”.

وكانت الدول مثل الصين والهند وغيرها، ودول ما يُسمى بـ”الجنوب العالمي” قد أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع روسيا رافضةً الرضوخ للموقف الغربي، وكان هناك محاولات جادة لإجراء تبادل تجاري بعملات مختلفة بعيدًا عن الدولار، الذي يعد رمزًا لهيمنة الولايات المتحدة على مقاليد النظام العالمي. 

تمدد الناتو  

عرج بوتين على التاريخ بطبيعة الحال، حيث اعتبر أن أوكرانيا ليست سوى “كيان مصطنع من الحقبة الستالينية، ولم تكن موجودة قبل عام 1922″، واعتبر أن بدء الحرب في الـ24 من فبراير 2022، كان لحماية المصالح الروسية، وانتقد أيضًا تمدد الناتو “5 مرات” رغم تعهد الأمريكيين بعدم فعل ذلك. 

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، قال بوتين إنه لم يتحدث مع الرئيس جو بايدن منذ ما قبل الحرب، لكنه أضاف أن موسكو وواشنطن بينهما “اتصالات معينة” مُستمرة.

وأردف بوتين: “لا أستطيع أن أتذكر متى تحدثت معه (بايدن).. ولكن لماذا يجب أن أتذكر كل شيء؟.. لدي الكثير من الأشياء الخاصة بي للقيام بها.. لدينا شؤون سياسية داخلية”، مضيفًا أن بايدن “ارتكب خطأ فادحًا ذا أبعاد تاريخية” بدعم أوكرانيا.

الموقف الأمريكي من روسيا

في حديثه عن ديناميكية العلاقات الروسية الغربية، ألقى بوتين باللوم على العواصم الغربية وبخاصة واشنطن، وقال إن بلاده اقترحت انضمام روسيا إلى الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لكنهم رفضوا.

وتابع: “عندما رفض الناتو انضمامنا إليه كانوا يخشون روسيا كدولة كبيرة وقوية”، واتهم الولايات المتحدة بدعم الإرهابيين في روسيا واعتبارهم معارضة، وبأنها دعمت الانفصاليين في القوقاز.

تفجيرات نورد ستريم

عندما سأله كارلسون عن الجهة المسؤولة عن  تفجير “السيل الشمالي”، أجاب “أنتم بالطبع!”، متابعًا: “من فجر خط السيل الشمالي هو من لديه القدرات على ارتكاب ذلك والمستفيد منه.. حيث لا يجب البحث عن جهة لها المصلحة في ذلك فحسب بل قادرة على القيام بذلك أيضًا”، وقال إن روسيا مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز عبر أنبوب “السيل الشمالي-2” ولكن ألمانيا لا تريد.

وكانت السويد قد أغلقت مؤخرًا تحقيقات تفجيرات خطي نوردستريم، معتبرة أنّ ذلك ليس من اختصاصها، وفي وقت مبكر من العام الماضي، اتهم الصحفي الاستقصائي البارز سيمور هيرش في تحقيق مفصل الولايات المتحدة بالوقوف خلف تخريب خط أنابيب الغاز بمساعدة دولة أوروبية، لكن البيت الأبيض قال إن “هذه المزاعم كاذبة”.

ونفى الرئيس الروسي أن يكون لدى موسكو طموحات توسعية، واستمرار احتلال الأراضي الأوكرانية ذات السيادة، وقال إن روسيا ليس لديها مصلحة في مُهاجمة بولندا أو لاتفيا أو الدول الأوروبية الأخرى، ورفض مثل هذه الادعاءات.

غضب الإعلام الغربي

تعاطت وسائل الإعلام الغربية مع المقابلة بانتقادات لاذعة، وجاء في “الجارديان” أن اللقاء يعكس رؤية كارلسون السياسي أيضًا، فهو معروف بنقده المُتكرر للدعم الأمريكي لأوكرانيا، وهاجم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مرارًا وتكرارًا. 

وكانت نبرة “سي إن إن” أكثر حدة، فقد جاء في تقرير للشبكة الأمريكية، أن كارلسون امتنع عن انتقاد “النظام الاستبدادي لبوتين” واصفةً ما أسمتها “الحرب على أوكرانيا” بأنها وحشية، وعن أداء الصحفي قالت إنه كان متعثرًا وضائعًا، وكان منصة لنشر ادعاءات بوتين على حد طرح الشبكة الأمريكية.

تاكر كارسلون، صحفي ومذيع بارز يحظى بشعبية جارفة في الولايات المتحدة، ومشهور بمواقفه اليمينية، وعُرِف ببعض المواقف المثيرة للجدل، ويقدم في الوقت الحالي برنامجه عبر موقعه الإلكتروني، بعد طرده من “فوكس نيوز” قبل أشهر.

ربما يعجبك أيضا