بعد 38 عاما.. نظام الملالي يستدعي أمجاد النصر الزائف

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لم تكن علاقة الجارين اللدودين، العراق وإيران، على أحسن ما يرام منذ مئات السنين وتحديدًا منذ الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في القرن السادس عشر، حيث كان العراق ساحة لهذا النزاع، واستمر هذا الحال إلى أن وصل البلدان إلى تلك الحرب التى تعتبر من أطول الحروب التي شهدها التاريخ والتي استمرت لمدة 8 سنوات.

شط العرب

يعود الخلاف على شط العرب إلى فتراتٍ قديمة، فطيلة العهد العثماني ظل خط تماسٍ ساخنا بين الدولة العثمانية وإيران بمختلف الدول التي قامت فيها، وظل خاضعا للدولة العثمانية بموجب اتفاقية القسطنطينية عام 1913 التي نصت على أنّ السيادة الإيرانية تقتصر على مناطق شرق شط العرب.

لكن الفرس ماطلوا بتوقيع البروتوكول أو العمل به، إلى نشوء الدولة العراقية، وبعد ثلاث سنوات من انضمامه إلى عصبة الأمم عرض العراق، في سنة 1935، على هذه المنظمة قضية الاختلاف بعد استفزازات الجانب الإيراني؛ لكن الآراء اتجهت إلى إبقاء الأوضاع في شط العرب على ما هي عليه، إلى حين إجراء تدقيق وأسفرت عن توقيع الطرفين لاتفاقية 1937 لتتم الاستجابة إلى الإرادة الإيرانية، وليظهر لأول مرة مصطلح “خط التالوك” الذي يعتمد ترسيم الحدود عند أعمق نقطة على امتداد الخط الصالح للملاحة في الشط إلى غاية التقاء الضفة الإيرانية بالأرض العراقية.

لم يعد في الأمر ما يثير العجب في الانتقام من البصرة أو المتظاهرين أو شط العرب، أو ما سبق من تدمير للمدن العراقية بالإرهاب الإيراني.

ومع استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979 أعاد شبح شط العرب وترسيم حدوده إلى واجهة مختلفة أرادت تقويض كل مخلفات حكم الشاه، ومنها اتفاقية الجزائر باعتبارها اتفاقية “خيانة” للشعب الإيراني، على حدّ وصف أجندته الداخلية والخارجية في التحشيد.

ألغى العراق الاتفاقية من جانبه بعد اشتداد النزعات العدوانية الإيرانية في 17 سبتمبر 1980، أي بعد 13 يوما متصلة من الاعتداءات على المخافر والمدن الحدودية، والتي بدأت في 4 سبتمبر، اجتهد خلالها العراق في إيصال رسائل إلى الأمم المتحدة والعديد من الدول للتدخل وإيقاف العدوان والعمل على عدم تصاعده إلى حرب شاملة؛ إلا أن الحرب حدثت.

الثورة الإسلامية

“عندما قامت الثورة الإسلامية، كانت عظمتها تخيف الأعداء الأقوياء، وعندما رأوا أنها مصدر ترحيب بين الدول الإسلامية الأخرى، كان هدفهم تدمير هذه الثورة بأي ثمن، ثم وجد أعداؤنا ضالتهم في صدام حسين، خاصة لما عرفوه عنه أنه شخصية ذات ميول كامنة للتحرك بقوة وغضب، لقد كان عدوانيا بطبعه”، هكذا عبر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “خامئني” خلال كلمته في ذكري الحرب العراقية الإيرانية.

وفي الوقت ذاته قال الرئيس الإيراني حسن روحاني: “إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيفشل في مواجهته مع إيران مثلما فشل صدام حسين تماما مشيرا إلى الحرب التي دارت في الثمانينيات بين إيران والعراق ومتعهدا بألا تتخلى طهران عن صواريخها”.

وأضاف -في كلمة بثها التلفزيون الإيراني- “الشيء نفسه سيحدث لترامب، ستواجه أمريكا نفس مصير صدام حسين”.

كارت التعويضات

يبدو أن إيران تحاول معاقبة العراق بعد وقوفها إلى جانب العقوبات الأمريكية ضد طهران، فقد طالب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس النواب الإيراني “حشمت الله فلاحت بيشة”، حكومة بلاده بالضغط على العراق لدفع هذه التعويضات، مشيرا إلى أن بلاده لم تقم بالضغط كما يجب على الحكومة العراقية لتحصل على التعويضات وذلك لتجنب إثارة التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين.

وأشار إلى أن العراق يملك حاليا من الأموال ما يكفي لدفع التعويضات، وأن عليه أن يدفع في نهاية الأمر.

وهذه ليست المطالبة الأولى من الجانب الإيراني، فقد سبق أن طالب نائب في مجلس الشورى حكومته بتحريك ملف الحرب العراقية – الإيرانية للحصول على التعويضات المالية.

يرى المحللون، أن الإيرانيين يستخدمون التعويضات كورقة ضغط جديدة على العراق، في وقت يحاول فيه القادة العراقيون تشكيل حكومة جديدة وتريد طهران أن يكون لحلفائها دور في هذا التشكيل.

الطريق إلى القدس عبر بغداد

ذكر الكتاب البريطاني “أغرب الحروب الحديثة” لكاتبه “موراي ووودز”، المنشور من قبل مطبعة جامعة كامبريدج، أن الحرب العراقية الإيرانية كان لها عدد من السمات الأخرى السلبية، فقد أتاحت المجال لاستخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، وذلك للمرة الأولى منذ ارتكاب الإيطاليين الجريمة ذاتها ضد الحبشة خلال حقبة الثلاثينات.

ورغم ذلك، كان لهذه الحرب اثنان على الأقل من السمات الفريدة الأخرى، التي يبدو أنه جرى تجاهلهما من جانب القائمين على هذه الدراسة الجديدة، فهي تعد الحرب الحديثة الأولى التي لم يكن لها أهداف واضحة، ففي الواقع، أشار صدام حسين وروح الله خميني، الملا الذي كان يحكم إيران آنذاك، إلى عدد من الأهداف من بينها تغيير نظام الحكم ضد بعضهما البعض.

انتهى “صدام” بفكرة ضم إقليم خوزستان الذي يقع جنوب غربي إيران، ويضم جماعات كبيرة تنطق باللغة العربية، ولكن لم يكن من الواضح على الإطلاق أن صدام رحّب بانضمام 2.5 مليون شيعي آخرين إلى سكان العراق، في الوقت الذي كانت تواجه فيه الأقلية السنية في تكريت صعوبة في الحفاظ على قبضتها على بغداد، ومن جانبه، أطلق الخميني شعار “الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد”، متظاهرا أنه كان يهدف إلى غزو العراق، ومن ثم الاتجاه إلى استعادة القدس وتدمير إسرائيل.

ولكن، لم يكن من المرجح أن يأخذ “الخميني” خطابه على محمل الجد، كذلك الحال بالنسبة للإسرائيليين الذين ساعدوا في تهريب ما يكفي من الأسلحة الأمريكية إلى إيران لوقف الزحف العراقي أولا ثم تحويل دفة الأمور ضد جيوش صدام، فقد كان يدرك كلا من الخميني والإسرائيليين أن منطقة الشرق الأوسط، التي كان يسيطر عليها العرب السنة، سوف تترك القليل من المجال أمام اليهود أو الشيعة “الفرس”.

من جانبه، بدأ الخميني فترة حكمه بإعدام آلاف من ضباط الجيش الإيراني وضباط الصف واعتقال آلاف آخرين؛ ومما زاد الأوضاع سوءا أن الأدميرال أحمد مدني، أول وزير دفاع تحت قيادة الخميني، قام بتخفيض مدة أداء الخدمة الوطنية من 18 شهرا إلى 6 أشهر؛ مما يعني أن جميع المجندين تقريبا في ذلك الوقت كانوا يستطيعون العودة مباشرة إلى الحياة المدنية.. وهكذا عندما أشعل العراق شرارة الحرب بغزو إيران في 22 سبتمبر عام 1980، كان الجيش الإيراني كله غير موجود كقوة فعّالة.

خسائر

انتهت حرب الخليج في الثامن من أغسطس 1988 على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ويُقدر خبراء اقتصاديون كلفة ثماني سنوات من الحرب بأكثر من 400 مليار دولار، فضلا عن كلفة بشرية أهم وهي أكثر من مليون قتيل وأضعاف ذلك من المصابين والمعوقين، كما خلَّفت دمارا واسعا في البنية التحتية للبلدين وألحقت ضررا كبيرا بالمنشآت النفطية التي هي قوام اقتصاديهما.

ربما يعجبك أيضا