بفعل كورونا.. الاقتصاد الياباني يعود إلى دائرة الانكماش

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

يبدو أن الطريق ما زال طويلا أمام اقتصادات العالم لكي تلتقط أنفاسها من تداعيات جائحة كورونا وتحتفل بالتعافي، فحتى الكبرى منها ما زالت تسجل تذبذبا ما بين نمو وانكماش مع تراجع أو زيادة وتيرة الإصابات بفيروس كورونا، ولعل اقتصاد اليابان نموذجا واضحا على ذلك فبعد أن سجل في الربع الثاني من العام الجاري نموا بنحو 2% عاد إلى دائرة الانكماش في الربع الثالث بوتيرة أكبر من التوقعات، بفعل استمرار قيود كورونا وضغطها على معدلات الإنفاق الاستهلاكي ما يعزز المخاوف من نتائج أسوأ في الربع الأخير من 2021 مع ظهور متحور فيروس كورونا الجديد “أوميكرون”.  

أسباب عودة شبح الانكماش

سجل الاقتصاد الياباني في الربع الثالث انكماشا بنسبة 3.6% على أساس سنوي وبنحو 1% على أساس فصلي، بضغط من تراجع  الإنفاق الاستهلاكي بالبلاد -الذي يشكل نصف الناتج المحلي الإجمالي- وسط زيادة معدلات الإصابات الجديدة بكورونا خلال فصل الصيف بفعل متحور دلتا.

في الفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضي تراجع استهلاك الأفراد في اليابان بـ1.3% – مقارنة بارتفاع بـ2% خلال الربع الثاني- وسط انخفاض حاد للإنفاق على السلع والخدمات المعمرة بفعل مخاوف عودة إجراءات الإغلاق العام لاحتواء الموجة الخامسة من الجائحة كورونا، مع عودة بعض القيود مثل تقييد ساعات عمل المطاعم وبعض الأماكن العامة.

كانت الحكومة في ظل هذه العوامل تتوقع انكماشا في حدود 3% خلال الربع الثالث، فيما توقع استطلاع لـ”بلومبرج” انكماشا بـ3.2%، إلا أن الأرقام الصادرة أخيرا عن مكتب رئيس الوزراء أثبتت أن وتيرة الانكماش فاقت التوقعات بـ0.6% إلى 0.4%.

استضافت طوكيو خلال الربع الثالث دورة الألعاب الأولمبية بدون مشجعين ووسط إجراءات احترازية مشددة، ما يفسر أيضا ارتفاع وتيرة الانكماش بهذا الحد، إلى جانب استمرار ظلال مشاكل اقتصادية عالمية كأزمة سلاسل التوريد.  

“أوميكرون” يعزز مخاطر الركود

الانخفاض الحاد في مستويات الإنفاق الاستهلاي خلال الربع الثالث يسلط الضوء على احتمالات أن نرى نتائج أسوأ خلال الربع الأخير من 2021 وربما تمتد إلى الربع الأول من العام المقبل، في حال قرر المستهلكون اليابانيون الاستجابة بذات الطريقة للارتفاع المحتمل في معدلات الإصابة بـ”أوميكرون”، فبحسب منظمة الصحة العالمية هذا المتحور ربما يكون أسرع انتشارا من “دلتا”.  

خلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت اليابان تراجعا في معدلات الإصابات الجديدة، كما أنها حتى اللحظة لم تسجل زيادة ملحوظة في الإصابة بـ”أوميكرون”، إلا أن هذا لم يمنع حكومتها من المبادرة إلى إغلاق حدودها أمام جميع الوافدين الأجانب الجدد وتقييد عدد الوافيدن إلى البلاد بـ3500 فقط يوميا على خلفية القلق من “أوميكرون”، وذلك بعد أسابيع فقط من رفع قيود السفر في أكتوبر.

مع هذه المبادرة لا نستبعد أن تتجه الحكومة اليابانية لإعادة تشديد التدابير الوقائية في حال تفشي أوميكرون، ما يعني بالتبعية أن الانتعاش الاقتصادي مهدد وقد ينتهي العام بتسجيل 6 أشهر من الانكماش أي العودة إلى دائرة الركود التي عانت منها البلاد لعقود.

آمال حزمة كيشيدا التحفيزية

خلال الشهر الماضي كشف رئيس الوزراء فوميو كيشيدا عن حزمة جديدة لتحفيز الاقتصاد الياباني بكلفة تبلغ 56 تريليون ين “490 مليار دولار”، وهذه الحزمة هي الثالثة من نوعها منذ بداية الجائحة التي تحاول من خلالها اليابان دفع عجلة التعافي الاقتصادي.

ويتوقع كيشيدا أن ترتفع قيمة الحزمة من 56 تريليون ين –ما يعادل 10% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد- إلى 79 تريليون ين تقريبا بما يشمل عناصر أخرى مثل القروض من صناديق التمويل الخاصة.

هذا الرقم مبالغ فيه مقارنة بالحزمتين السابقتين 40 تريليون ين في عهد رئيس الوزراء يوشيهيدي سوغا و38 تريليون ين في عهد شينزوا آبي، كما أنه من المتوقع أن تقر ميزانية إضافية قبل نهاية 2021 لدعم إجراءات التعافي، ما يعني أن حكومة كيشيدا تتحرك باتجاه مزيد من الديون في وقت لديها بالفعل واحد من أسوأ أعباء الديون بين الدول المتقدمة يقدر بأكثر من 250% من إجمالي الناتج المحلي.

كيشيدا أمامه فرصة واحدة لإدارة هذه الحزمة بذكاء وحذر فيما يتعلق بالعودة إلى مربع الإغلاق العام أو فرض قيود صحية أكثر صرامة، ما قد يدفع الشارع للرد عليه بمزيد من الإدخار دون إعادة ضخ أموال التحفيز في عجلة الاقتصاد، لنرى خلال الأشهر المقبلة مزيدا من تراجعات معدلات الإنفاق وبالتبعية النمو الاقتصادي.. اليوم اليابان لديها أكثر من 77% من سكانها تم تطعيمهم ضد كورونا بجرعتين من اللقاح، وهذا أمر يعزز من قدرتها على تجنب مخاطر الإغلاق العام، وفي حال تمكنت حكومة كيشيدا من إدارة حزمة التحفيز بما يدعم مستويات الإنفاق ويحرك معدلات النمو والإنتاج مع محاولة السيطرة بشكل أكبر على الإنفاق الحكومي وإطلاق إصلاحات في سوق العمل فقد تنجح في تحقيق التعافي المستقر في 2022 والنجاة من خطر الركود.

hrjwh

ربما يعجبك أيضا