بلاد الرافدين.. الصراع بين أمريكا ومليشيات إيران يحتدم في المحافظات السنية

محمود سعيد

رؤية –  محمود سعيد

تم على مدار الأسابيع القليلة الماضية رصد أرتال أمريكية تمركزت في بعض المدن العراقية، وهنا الحديث ليس فقط عن القوات الأمريكية المنسحبة من سوريا التي بدأت تتمركز في العراق، ولكن أيضا عن قوات أمريكية باتت تتنقل من العاصمة بغداد إلى صلاح الدين ومن أربيل إلى كركوك ومن الرمادي إلى الفلوجة، بل وفي قلب مناطق سيطرة المليشيات الشيعية التي أكتفت بـ”العويل” و”التهديدات الجوفاء”.

التسريبات على الأرض تؤكد أن هذه التحركات ستستهدف تحجيم المليشيات الشيعية الموالية لإيران أو القضاء عليها تماما وتفكيكها، فحجم الأرتال والتحركات العسكرية على الأرض وحركة الطيران الأمريكي الكثيفة تنذر بعمليات عسكرية قريبة لتنظيف المحافظات العراقية السنية من المليشيات الشيعية الموالية لإيران.

فيما قال المحلل والإعلامي العراقي عمر الجنابي إن هناك معلومات مؤكدة عن شروع القوات الأمريكية بانتداب ضباط كبار من قيادة الجيش العراقي السابق لإعادة ترتيب الملفات الأمنية في المحافظات التي شهدت عمليات عسكرية ضد داعش بعد سيطرة قوات مدعومة إيرانيا على أمن تلك المحافظات السنية، وقد تكون محافظتي نينوى والأنبار أول من سينظم وضعهما الأمني تليهم صلاح الدين وديالى.

مراقبة إيران

فيما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه من المهم الحفاظ على وجود عسكري أمريكي في العراق، حتى تتمكن واشنطن من مراقبة إيران عن كثب، وقال ترامب إن الولايات المتحدة أنفقت ثروة على قاعدة في العراق.: “ربما نحافظ عليها. أحد الأسباب التي أريد أن أبقيها هو أنني أريد أن أراقب إيران قليلا، لأنها تمثل مشكلة حقيقية”.

وردا على سؤال حول ما إذا كان ذلك يعني أنه يريد أن يتمكن من ضرب إيران، قال ترامب: “لا، لأنني أريد أن أتمكن من مراقبة إيران”، وأردف قائلا: “كل ما أريد القيام به هو أن أتمكن من المراقبة. لدينا قاعدة عسكرية غير معقولة ومكلفة بنيت في العراق. إنها في موقع مثالي للنظر إلى جميع أنحاء أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط المضطرب”.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت أن جون بولتون، مستشار ترامب المتشدد للأمن القومي سأل عن الخيارات العسكرية لضرب إيران بعد أن شنت جماعة مرتبطة إيرانية هجوماً بقذائف الهاون لم يصب فيه أحد في 7 سبتمبر الماضي في “المنطقة الخضراء” في بغداد، وهي المنطقة المحصنة التي توجد فيها السفارة الأمريكية. وقالت الولايات المتحدة إن سفارتها كانت الهدف.

في الوقت نفسه نقلت مصادر عن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو أثناء زيارته الأخيرة للعراق أنه سلم رئيس الوزراء العراقي عبد المهدي قائمة بأسماء قادة مليشيات شيعية مسلحة، وطلب إنذارهم بمغادرة العراق وإلا فستكون فصائلهم هدفا للقوات الأمريكية.

موقف العراق

أكد الرئيس العراقي، برهم صالح، أن نظيره الأمريكي دونالد ترامب، لم يستشر العراق بشأن إبقاء القوات الأمريكية على الأراضي العراقية من اجل “مراقبة إيران”، وقال إن “الوجود الأمريكي في العراق جزء من اتفاق بين الدولتين وتشمل مهمة محددة وهي مكافحة الإرهاب”.

فيما قال القيادي المليشياوي قيس الخزعلي، زعيم مليشيا العصائب الإرهابية: “إن دولته مستعدة لتدمير القوات الأمريكية على أراضيها إذا لم تمتثل واشنطن لمطلب المشرعين المحليين مغادرة البلاد عند اتخاذ قرار”. وأتت تلك التصريحات بعد أنباء عن مقتل ما لا يقل عن 30 من مقاتلي الحشد الشعبي قتلوا بضربة جوية شنتها الولايات المتحدة في محافظة الأنبار بالقرب من بحيرة الثرثار.

التحدي الإيراني

الهيمنة الإيرانية الكاملة على العراق معلومة للعالم أجمع، وقد ضغط النظام الإيراني على حكومة بغداد حتى تم دمج مليشيات الحشد الشعبي الشيعية (الباسيج العراقي الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني) في الجيش العراقي، وهو ما يعني أن التغول الإيراني في العراق تم شرعنته، أو هكذا ظنت إيران!.

وبحسب “مجموعة الأزمات الدولية” فإذا قررت إيران الانتقام من الولايات المتحدة، فإن طهران قد تجد أن خيارها الأمثل هو توظيف وكلائها في الشرق الأوسط، ونقل التقرير عن مسؤول كبير في الأمن القومي الإيراني قوله إن المسرح المحتمل لذلك هو العراق، حيث ترتبط الميليشيات المنتمية إلى الأغلبية الشيعية بعلاقات وثيقة مع طهران.

فيما نشر الجيش الأمريكي دراسة، عكف على كتابتها طيلة أعوام، أكد فيها أن “إيران الجريئة والتوسعية تبدو وكأنها المنتصر الوحيد” بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003.

ويقول مؤلفا الدراسة، العقيدان جو ريبورن وفرانك سوبتشاك، وكلاهما متقاعدان إن: “التكنولوجيا لا يمكنها دائمًا التعويض عن نقص القوى العاملة، قائلين إن حرب العراق كانت غير ناجحة إلى حد كبير لعدة أسباب، أهمها عدم فهم العمل الداخلي للسياسات العراقية وصراع المجموعات المسلحة العراقية، الأمر الذي تسببت في تفاقم المشاكل”.

نقل المعركة للمحافظات السنية

أما عمر الجنابي فكشف أن الأنباء القادمة من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى تشير إلى أن إيران بدأت بتشكيل فصائل سنيّة مسلحة بدعم منها عبر شخصيات سنيّة تتبع لها، وسبق لبعضهم أن زاروا إيران والتقَوا بمرشدها “علي خامنئي”، حيث بدأ هؤلاء بالتطويع فعلياً بشكل سرّي وبهدف ضرب القوات الأمريكية الموجودة في مناطقهم بعد أن حصلوا على الدعم المادي وأخذوا الضوء الأخضر بذلك من قبل القيادة الإيرانية، وهذا يدل على أن إيران لا تريد تدمير ما بنته في العملية السياسية طيلة السنوات الماضية، كما لا تريد أن تصطدم القوة العسكرية الشيعية التي تدين لها بالولاء في العراق بالقوات الأمريكية، حيث اشتركت معظم تلك القوة بالعملية السياسية وحصلت على عدد كبير من المقاعد في مجلس النواب وجزء كبير من الكابينة الحكومية، إضافة إلى تغولها في جميع مفاصل الدولة وانتشارها العسكري في جميع أنحاء العراق باستثناء إقليم كردستان.

العراق ولاشك سيكون ساحة لصدام دامي بين واشنطن وأذرع إيران في العراق، وهذه الانتشار الأمريكي الواسع يجري وسط إقامة مؤتمرات سياسية لقوى عراقية تارة في ولاية ميتشيجان الأمريكية وتارة في العاصمة الألمانية برلين، وهي مؤتمرات عقدت برعاية أمريكية لافتة وكان اسم مؤتمر ميتشجان ” مؤتمر انقاذ العراق”.

ولا شك أن مليشيات إيران التي تهيمن على المشهد السياسي في العراق لن تقبل بتقليم أظافرها وهي على استعداد لشن حرب عصابات طويلة الأمد  ضد القوات الأمريكية في العراق، دون أن تلجأ إلى الحرس الثوري الإيراني للحصول على الدعم.

 

ربما يعجبك أيضا