بوليتيكو | كيف تستطيع أوروبا تهدئة الأزمة في أوكرانيا؟

علي عبدالعزيز

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

ليس بوسع أوروبا الوقوف مكتوفة الأيدي أمام الأزمة المتنامية بين روسيا وأوكرانيا، وترك الأمر للرئيس الأمريكي “جو بايدن” لمحاولة منع حرب على أبوابها.

يمتلك الاتحاد الأوروبي الأدوات لمساعدة كييف للدفاع عن نفسها وتطوير اقتصادها. لكن بالرغم من الحديث عن استقلال أوروبا الاستراتيجي، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى الإرادة لاستخدام أدواتها المتاحة بشكل كامل. إن قمة مبادرة “الشراكة الشرقية” التي عقدها الاتحاد الأوروبي في الأسبوع الماضي، والتي تضمّ أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وأرمينيا وأذربيجان (بيلاروسيا علّقت مشاركتها في يونيو الماضي) هي فرصة لصياغة مبادرة أوروبية أكثر فاعلية في المنطقة.

عبر دقه لطبول الحرب، يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إعادة كتابة “ميثاق باريس” لعام 1990، الذي سمح لدول شرق ووسط أوروبا باستعادة حريتها وأمنها ورخائها. يسعى بوتين لأن يبدو الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو عاجزين.

اتخذت أوروبا موقف المتفرج تجاه الحرب على إقليم كاراباخ التي خاضتها العضوتان في مبادرة “الشراكة الشرقية” أرمينيا وأذربيجان في العام الماضي، تاركة روسيا تتفاوض وتشرف على اتفاق وقف إطلاق النار هناك. لا يجب على أوروبا اتباع النهج السلبي ذاته تجاه أوكرانيا الواقعة مباشرة على حدود أوروبا، والتي لديها اتفاق شراكة مهم للغاية مع الاتحاد الأوروبي.

إليكم كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتعامل مع الوضع في أوكرانيا:

أولًا، ينبغي للاتحاد الأوروبي التوضيح جليًّا كيف يمكنه رفع التكلفة على روسيا في حال شنّها هجومًا عسكريًّا على أوكرانيا. ربما تتمكن الحكومات الأوروبية، بالتوازي مع جهود واشنطن، من تغيير حسابات موسكو، وذلك في حال كانت مستعدة للكشف عن نوع العقوبات الإضافية التي ستفرضها في حال أي عدوان روسي، بما في ذلك اتخاذ خطوات حاسمة لتقليل واردات المواد الهيدروكربونية الروسية.

على سبيل المثال، في حال أطلق الكرملين هجومًا مدمرًا على أوكرانيًا، ستواجه برلين ضغوطًا لإيقاف أنبوب “نورد ستريم2” للغاز الطبيعي. سيكون من الذكاء للمستشار الألماني “أولاف شولتز” أن يتخذ خطوة متقدمة عبر وضعه أنبوب الغاز- الذي جرى الانتهاء منه ولكن لم يتم تشغيله بعد – على الطاولة بشكل طوعي. ربما تواجه ألمانيا نقصًا محتملًا في إمدادات الطاقة، لكن توجيه تحذير واضح بأن مستقبل المشروع بات على المحك، ربما يدفع بوتين للتفكير مجددًا.

يمكن للأوروبيين أيضًا فعل المزيد لتقديم دعم أمني واقتصادي لأوكرانيا، والضغط في الوقت ذاته على الطرفين لتنفيذ “اتفاقيات مينسك” للسلام المتعلقة بشرق أوكرانيا. ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يدرج اتفاقًا أمنيًّا في مبادرة “الشراكة الشرقية” – على الأقل مع ما يُسمى “ثلاثي الأعضاء المنتسبين” الذين يضم أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا- ويشمل هذا تقديم مساعدات في مجل التدريب العسكري وإصلاح جهاز الاستخبارات ومكافحة الحروب الهجينة والسيبرانية. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن للاتحاد الأوروبي توسيع التفويض الممنوح لـ “مهمة الاتحاد الأوروبي الاستشارية لإصلاح القطاع العسكري والمدني” في أوكرانيا أيضًا.

تواجه ألمانيا قيودًا بسبب قوانينها التي تمنعها من تقديم أسلحة لمناطق الأزمات – حتى لو لم يمنعها هذا من تقديم تدريب وأسلحة لقوات البيشمركة الكردية -العراقية التي تحارب تنظيم داعش. لكن فرنسا وإيطاليا ليس لديهما مثل هذه القيود الداخلية، ويمكنهما المساعدة في تقوية الجيش الأوكراني، مثلما تفعل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتركيا بالفعل مع أوكرانيا.

علاوة على هذا، وفي ضوء إحجام الولايات المتحدة عن تقديم أي استثمار مهم، وعدم الترحيب دائمًا بأي مبادرة تقارب صينية، يبقى الاتحاد الأوروبي الطرف الوحيد القادر على منح منطقة البحر الأسود مستقبلًا أكثر ازدهارًا وأكثر استقرارًا اقتصاديًّا. ينبغي لبروكسل أن تخصّص لهذا الجهد جزءًا أكبر من إنفاقها وحوارها السياسي والدبلوماسي.

ينبغي للاتحاد الأوروبي استخدام صندوق “البوابة العالمية” الخاص بمشروعات البنية التحتية، لبناء ممرات رقمية وممرات في مجالي النقل والطاقة. ينبغي له أيضًا إدماج جيرانه في أوروبا الشرقية في مشاريع رئيسية مثل مشروع طاقة الهيدروجين الأخضر، عارضًا ضمّ روسيا في المشروع في حال تراجعها عن تهديداتها العسكرية ضد أوكرانيا. إن تجربة الاتحاد الأوروبي في تعزيز التعاون العابر للحدود والتواصل بين الشعوب في منطقة بحر البلطيق، ينبغي أن تُستخدم لتعزيز الترابط الاقتصادي والبشري في منطقة البحر الأسود.

ومع إصرار الولايات المتحدة على تحويل تركيزها نحو الصين وتطلعها لوفاء الاتحاد الأوروبي بوعده بتحمل المزيد من المسؤولية، ستصبح أزمة أوكرانيا اختبارًا لمدى قدرة أوروبا على المساعدة في تعزيز استقرار المنطقة المجاورة لها، وامتحانًا لمدى استعداد الحكومة الألمانية الجديدة لـ “التعامل بجديّة” مع التهديدات الأمنية.

كما ستكون أزمة أوكرانيا اختبارًا أيضًا للعلاقة التعاونية الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، واللذين من المقرر لهما تبنّي مبادئ توجيه استراتيجية جديدة في الأشهر المقبلة، كما تُعدُّ هذه الأزمة فرصة للاتحاد الأوروبي لجعل منطقة البحر الأسود محور تركيز لتعاون استراتيجي متجدد مع تركيا. بنت أنقرة علاقات وثيقة مع موسكو وكييف، ويمكن لأي مبادرة مشتركة بين تركيا والاتحاد الأوروبي أن تكون جزءًا من مبادرة خروج من المواجهة الراهنة، وذلك في حال اختار بوتين هذا.

لطالما كان الاتحاد الأوروبي منقسمًا بشأن روسيا. تعارض ألمانيا وفرنسا وإيطاليا فكرة ممارسة ضغط كبير على موسكو، لحماية علاقاتها الثنائية ومصالحها الاقتصادية مع موسكو، في حين تمنع دول وسط أوروبا العضوة في الاتحاد الأوروبي أي حوار أو تعاون جادين بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، لا سيما فيما يتعلق بالجوار المشترك بينهما. لكن الوقت قد حان لوضع هذه الخلافات جانبًا.

إن اتخاذ إجراءات جماعية هو السبيل الوحيد الذي سيمكّن الاتحاد الأوروبي من تسهيل التوصل لسلام دائم في منطقة البحر الأسود.    

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا