بينها «الريسايكلينج» والـ«ديكوباج».. محاولات الأسر العربية لمحاربة الغلاء

أماني ربيع

ما بين "الديكوباج" والـ"ريسايكلينج" وتقليل الاستهلاك حاولت بعض الأسر العربية مكافحة غلاء الأسعار خاصة بعد الزيادات الأخيرة التي فرضتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.


تحول غلاء المعيشة إلى هاجس، فمع ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، والتأثر بزيادة أسعار النفط المرتبطة بالسوق العالمية بدأ مواطنون البحث عن بدائل.

لأن الحياة ومطالبها لن تتوقف،  يحاول المواطنون  باستمرار التكيف مع متطلبات المعيشة والتحايل على غلاء الأسعار بأفكار بسيطة ومبتكرة، وفي عام 2022 ومع مخاوف نشوب حرب عالمية ثالثة، لجؤوا إلى السلع المستعملة أو إعادة تدوير المقتنيات القديمة، والـ “minimalism”، وانتشر بينهم شعار “محاربة الغلاء بالاستغناء” الذي جاء على لسان الراحل أحمد زكي في فيلم “البيضة والحجر”.

التقليل من الأشياء

عندما وجدت ريهام  أحمد خالد، منسقة برامج ثقافية، نفسها تحولت إلى “كائن مستهلك” كما تقول لـ “شبكة رؤية الإخبارية”، قررت تغيير ذلك، وبدأت في الاهتمام بمصطلح  “minimalism التقليل من الأشياء”، وحاولت بالفعل تنفيذ هذه الفكرة والتقليل من الأشياء التي تستخدمها يوميًا في منزلها.

تحاول ريهام التخلص من “الكراكيب” وأي مقتنيات غير مرغوب فيها أولًا بأول، وتوزع أي قطع ملابس أو إكسسوار مر عليها أكثر منذ 6 أشهر، وبما أن اهتمامها الأول هو التسوق، ألغت متابعة صفحات البيع والشراء على حسابها بموقع إنستجرام، كي لا يرتفع استهلاكها في ظل الظروف الحالية.

تأثير السوشيال ميديا على الاستهلاك

ترى ريهام أن للسوشيال ميديا دورًا في تحويل الناس لأشخاص استهلاكيين، فألغت متابعتها لمعظم “البلوجرز” تقول: “يجلسون 24 ساعة بملابس أنيقة في ديكور فخم يستعرضون منتجات 80% منها هدايا لم يشتروها أصلا، فقط يرفعون سقف تطلعات الناس لينفقوا المزيد من النقود بحجة شراء هذا المنتج أو ذلك، مشيرة إلى أنها عندما وجدت نفسها تنجرف وراءهم مع حبها الشديد لمنتجات العناية البشرة قررت التوقف ومقاطعتهم.

أما شما حمدان، فترى أن متابعة مشاهير منصات التواصل الاجتماعي في تونس واحدة من أسباب زيادة النمط الاستهلاكي، فتوضح أن كثيرًا من الفاشنيستات يستعرضن منتجات الشركات المعلنة لديهم، وهو ما يؤثر بالطبع على قرارات الشراء من المتابعين.

وتقول شما: “البعض يشتري لمجرد تقليد الفاشنيستات وليس للرغبة في امتلاك أشياء تنقصه، ولكن في ظل الظروف الحالية وارتفاع الأسعار في كل العالم فعلينا تحديد أولوياتنا وتجنبك الإفراط في الشراء لمجرد إشباع الرغبة الشرائية فقط دون الاهتمام بالاحتياجات الأساسية”.

تداول الملابس بين الأصدقاء

في بند الملابس، ترى ريهام أنه بدلًا من شراء ملابس جديدة يمكن اللجوء لـ “تداول الملابس” ذات المقاس غير المناسب بين الأصدقاء تقول: “هذا ليس عيبًا، بدأت في هذا مع أختي وقريباتي، طالما ملابس في حالة جيدة لماذا نُهدرها”، حتى في ملابس طفلها لا تتجه لشراء الكثير من القطع وتحول ملابس الخروج القديمة إلى ملابس يرتديها في المنزل.

وكنوع من التكافل الاجتماعي بين الأقارب والأصدقاء قررت ريهام عند زيارتها لأي شخص بدلًا من شراء أشياء غير مفيدة، الذهاب بمنتجات غذائية يمكن تخزينها مثل الألبان والعصائر أو المواد التموينية المختلفة.

 إعادة تدوير الملابس “الريسايكلينج”

أما مصممة أزياء العرائس سارة سعيد، تستغل مهاراتها في التفصيل واستخدام ماكينة الخياطة في إعادة تدوير ملابسها، تقول لـ “شبكة رؤية الإخبارية”: “أستخدم ملابس القديمة التي ضاقت بعد الزواج والولادة وأصنع من “جيبة” مثلا فستان أو بنطلون لابنتي زينة. وتدعو النساء للعودة إلى الخياطة بدلًا من شراء الملابس بأسعار باهظة وكذلك لاستغلال ما لديهم وإضافة بعض التغييرات عليه بدلًا من رميه وإهداره.

أما شما، فترى أن إعادة تدوير الملابس من الأمور التي ستحد من الاستهلاك إلى جانب فتقول: “جميعنا يمتلك في دولابه قطع أزياء لم يرتدها منذ سنوات، منها ما يجب التبرع به وأخرى تصلح لإعادة التدوير وإعادة استخدامها وكأنها قطع جديدة، هذه الخطوة ستساعد بالطبع على التقليل من شراء الملابس والحصول على قطع مختلفة مما هو متاح لدينا بالفعل”.

الـ”ديكوباج” للتحايل على أسعار الأثاث

هاجر ربة منزل متزوجة منذ أكثر من 13 عامًا، تقول إن مُعظم أثاث منزلها أصبح قديمًا، ومع الغلاء ومصاريف المدارس ومحدودية دخل والدهم، وعندما سمعت عن “الديكوباج” كفن لإضفاء لمسة جمالية على أشياء كثيرة موجودة في المنزل، قررت تطبيق ذلك في منزلها.

وبحثت على يوتيوب على طريقة دهان الخشب وغيرت ألوان حجرة النوم وغرفة الأطفال مع إضافة بعض الملصقات الكارتونية ما جعلها مثل الجديدة.

اشترت هاجر قماش مفارش السرير لتنجيد “الأنتريه” في غُرفة المعيشة بسعر أرخص وقامت بتدبيسها ولصقها بصورة خفية، تقول: كل من يزورني يعتقد أنني اشتريت أثاثًا جديدًا ويفاجؤون عندما أخبرهم بما فعلته”، استهوى “الديكوباج” هاجر التي لجأت لتطبيقه في كل شيء، حتى البرطمانات الزجاجية الفارغة تلونها وتضع عليها ملصقات لتزيينها وتحولها إلى “فازات” ديكور أو “طقم توابل أنيق”.

سوق الجملة والوكالة

بما أن الملابس من أكثر البنود التي ينفق عليها الشباب من أجل الظهور بشكل أنيق، يلجأ مالك عبدالصادق، اسم مستعار، إلى تجميع أصدقائه والنزول إلى سوق الجملة في منطقة العتبة والموسكي، وبعض مصانع السادس من أكتوبر، يختارون موديلًا معينًا ويشترون ألوانه المختلفة بالجملة بسعر أرخص من القطاعي في المحلات.

يقول عبدالصادق ضاحكًا: “لا مشكلة لدينا كأصدقاء في ارتداء نفس الموديل أو حتى نفس اللون مثل الفتيات، أسعار الملابس باهظة جدًا، وعلينا أن نتجاوز ذلك بذكاء”.

تتفق مع هذا الرأي سارة، الطالبة بكلية التجارة جامعة القاهرة، تقول لـ “شبكة رؤية الإخبارية”: “لم أعد أشتري أي ملابس من المولات، أنزل إلى منطقة الغورية والأزهر والموسكي وأشتري الأحذية الرياضية “كوتشي” بأسعار رخيصة للغاية”، كما ترى سارة “الوكالة” في منطقة وسط البلد ملاذًا للمواطنين من الطبقة المتوسطة.

هاي كوبي

تشير الطالبة إلى أنها معروفة بين أصدقائها بالأناقة، و”الوكالة” لا تعني المنتجات المستعملة فقط، فهناك بواقي التصدير من ملابس بموديلات رائعة ومختلفة، وتنوه إلى أن الوكالة تحتاج يوم كامل من البحث بين المحلات لشراء قطع جيدة وكذلك مهارة في الفصال مع البائعين، تقول: محفظة النقود في محل بالمول بأكثر من 85 جنيه وأحيانًا 100، موجودة في الوكالة بنفس الجودة بـ 35 جنيه”.

تخلت نشوى، المُدرسة بأحد المدارس الإعدادية عن شراء والنسخ الأصلية من العطور أو النظارات الشمسية والحقائب وتشتري المُقلد “هاي كوبي” بأسعار تناسب ميزانيتها، كما ذكرت لـ “شبكة رؤية الإخبارية”، باستمرار تبحث نشوى عبر فيسبوك وإنستجرام عن جروبات لبيع هذا النوع من المنتجات التي توفر لها الأناقة وفي نفس الوقت لا تُرهقها ماديًا.

تعليم الأطفال المسؤولية

كربة منزل وأم لـ 3 أطفال تلجأ نشوى لإعادة تدوير الطعام تقول: “أستخدم بواقي صدور الفراخ التي لا يحبها أطفالي في إعداد صينية من النجرسكو، أما بواقي خبز “الفينو” فتحمصها في الفرن لتُصبح مقرمشات لذيذة بدلًا من شراء سناكس من السوبر ماركت”.

منذ عام، لجأ محمد، الموظف بإحدى شركات الأدوية إلى مشاركة أسرته في تفاصيل دخله وأحوال المعيشة، يقول لـ “شبكة رؤية الإخبارية” إنهم اشتروا عددًا من “حصالات نقود” كل حصالة لأمر مُعين، حتى أبناؤه الصغار يدخرون جزءًا من مصروفهم للمساعدة في شراء ما يريدون، يرى محمد أن هذا ليس مُخجلًا وأن تعليم الأبناء المسؤولية من الصغر أمر جيد لهم.

ربما يعجبك أيضا