بين مخاطر التضخم والركود.. الاقتصاد الأمريكي يسير على حبل مشدود

ولاء عدلان
الاقتصاد الامريكي

خفض بنك جولدمان ساكس الأسبوع الماضي احتمالية ركود الاقتصاد الأمريكي إلى 20%، وسط اعتقاد أقوى بأن المركزي الأمريكي يسير على الطريق الصحيح لتحقيق الهبوط السلس.


نما الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني من العام الحالي بنحو 2.4%، متجاوزًا التوقعات لنمو بحدود 1.8% فقط.

يأتي هذا خلافًا للتوقعات القاتمة التي خيمت على آفاق أكبر اقتصاد في العالم منذ نهاية 2022، فخلال الربع الأول من 2023 نما 2%، ما يعني أنه لا يزال بعيدًا عن خطر الركود رغم وصول معدلات الفائدة إلى أعلى مستوياتها في 22 عامًا.

أداء قوي

أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية الخميس الماضي، نمو الإنفاق الاستهلاكي، العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، خلال الفترة من إبريل إلى يونيو الماضي 1.6% انخفاضا من 4.2% في الربع الأول، وارتفع الاستثمار المحلي 5.7% مقابل انكماش بأكثر من 11% في الربع الأول.

وارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، باستثناء الغذاء والطاقة، وهو المؤشر المفضل لمجلس الاحتياط الفيدرالي لقياس التضخم، بأقل وتيرة منذ الربع الأول من 2021 مسجلًا 3.8% انخفاضًا من 4.9% في الربع الأول، وخلال يونيو الماضي، تباطأ المؤشر إلى 4.1% مسجلًا أدنى مستوياته منذ أكتوبر 2021، انخفاضًا من 4.6% في مايو.

وخلال يونيو تباطأ معدل التضخم السنوي إلى 3%، مسجلًا أدنى مستوى منذ مارس 2021، ومتراجعًا من أعلى مستوى له في 41 عامًا المسجل في يونيو 2022 (9.1%)، لتعزز هذه البيانات التفاؤل بقدرة الاقتصاد على تحقيق الهبوط السلس دون السقوط في فخ الركود.

اقرأ أيضًا| مخاطر الركود تحاصر الاقتصاد العالمي في 2023.. ما مداها؟

معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة منذ 2019 (قبل الجائحة) وصولا إلى الربع الثاني من 2023

معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة منذ 2019 (قبل الجائحة) وصولا إلى الربع الثاني من 2023

تراجع مخاطر الركود

قال كبير الاقتصاديين في بنك جولدمان ساكس يان هاتزيوس، إن الاقتصاد الأمريكي يواصل بث إشارات تعزز الثقة في قدرته على تجاوز خطر الركود، مشيرًا إلى أن البنك الشهير خفض الأسبوع الماضي احتمالية حدوث الركود 5% إلى 20%، وسط اعتقاد أقوى بأن المركزي الأمريكي يسير على الطريق الصحيح لتجنب الركود وقيادة الاقتصاد نحو الهبوط السلس.

وقال رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في مجموعة باركليز أجاي راجادياكشا، في تصريح لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، قد لا يتمكن الفيدرالي من الوصول إلى مستهدفه للتضخم عند 2% هذا العام، لكن قد ينتهي بنا المطاف بالقرب من هذا المعدل عند 2.6 أو 2.7%، وهذا سيكون كافيًّا لتحقيق هبوط سلس أو تباطؤ في النمو الاقتصادي دون خسائر فادحة في معدلات نمو الوظائف الجديدة.

توقعات متفائلة

تتفق الآراء المتفائلة بتجنب خطر الركود مع تصريحات رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي جيروم باول نهاية الأسبوع الماضي، عندما قال إن قوة سوق العمل تبشر بأن زيادات سعر الفائدة تمكنت من خفض التضخم، دون أي تأثير سلبي ذي مغزى في السوق أو قوة الاقتصاد، مشيرًا إلى أن صانعي السياسات النقدية استبعدوا سيناريو الركود في الوقت الحالي.

ورفع الاحتياط الفيدرالي الأسبوع الماضي الفائدة للمرة الـ11 منذ مارس 2022 إلى نطاق يتراوح بين 5.25% و5.5%، تاركًا الباب مفتوحًا لزيادة جديدة في اجتماعاته المقبلة، وفي المقابل لا يزال الاقتصاد الأمريكي يبدي مرونة أمام هذه الزيادات المتتالية، فخلال الربع الثاني ارتفع مؤشر تكلفة التوظيف، الذي يستخدمه الفيدرالي كمؤشر لنمو الأجور، بنحو 1% انخفاضا من 1.2% في الربع الأول.

وفي الوقت الذي يسهم فيه نمو الأجور في زيادة معدل التضخم يسهم أيضًا في الحفاظ على قوة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد الأمريكي، ما يحدث نوعًا من التوازن، وخلال الأسبوع الماضي رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الولايات المتحدة هذا العام بمقدار 0.2% إلى 1.8% بفضل صلابة نمو الاستهلاك ونقص المعروض في سوق العمل.

توقعات صندوق النقد للاقتصادات المتقدمة - تقرير يوليو

توقعات صندوق النقد للاقتصادات المتقدمة – تقرير يوليو

مخاوف من سحق سوق العمل

قوة الاقتصاد الأمريكي وسوق العمل ليست نعمة مطلقة، فقد تجبر هذه القوة الاحتياط الفيدرالي في نهاية المطاف على الإبقاء على الفائدة مرتفعة لفترة أطول، الأمر الذي سيفقد سوق العمل حيويتها الحالية ويجر الاقتصاد إلى دائرة الركود، وهذا ما حذر منه جيروم باول الأربعاء الماضي عندما قال إن النمو القوي لسوق العمل قد يرفع معدلات التضخم ويدفع الفيدرالي باتجاه مزيد من التشديد.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك أوف أمريكا، مايكل جابن في تصريح لصحيفة فايننشال تايمز، إن السياق التاريخي يخبرنا بأن الركود هو الاحتمال الأقرب للحدوث في أعقاب دورات التشديد النقدي القاسية والتضخم المرتفع بعناد، لكن الخبر الجيد أن دورة الأعمال في عالم ما بعد كوفيد تبدو مختلفة وقد تفاجئنا على غرار ما حدث في الربعين الأول والثاني.

يشار إلى أن بنك أوف أمريكا وصف في مطلع العام (الركود) بأنه الصدمة الوحيدة المتوقعة في 2023 تحديدًا في اقتصادات مثل الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وبريطانيا، وفي المقابل توقعت شركة كارمينياك الفرنسية لإدارة الأصول، أن يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود في نهاية 2023.

اقرأ أيضًا| وسط موجة التشديد النقدي.. هل يغرق الاقتصاد الأمريكي في الديون؟

ربما يعجبك أيضا