تقلبات السياسة الخارجية هي الخطر الحقيقي على السودان

يوسف بنده

رؤية

شهدت السياسة الخارجية السودانية خلال العامين الأخيرين تقلّبات مثيرة للجدل، إقليميّا ودوليّا. واتخذت الخرطوم سلسلة من الخطوات المتتابعة التي تكشف عن الانتقال من تحالف لآخر في المنطقة كما تكشف عن محاولة موازنة العلاقات المتوترة مع الغرب بعلاقات متنامية مع روسيا، والسعي إلى تسوية الملفات الخلافية مع دول الجوار، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن أسباب تنقّل السودان بين المحاور المتناقضة.

يقدّم أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية، الإجابة عن هذا التساؤل ضمن دراسة نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، جاء فيها أن هذا التحوّل في توجّهات السياسة الخارجية السودانية يمثّل امتدادا للطبيعة البراغماتية لنظام الإنقاذ منذ اعتلائه سدة الحكم عام 1989، حيث دأب على تغيير خارطة تحالفاته وعلاقاته الخارجية بشكل دراماتيكي، يستعصي في كثير من الأحيان على توقّعه. لكن الجديد في التحوّلات الأخيرة أنها أصبحت تحدث بشكل متسارع على كل الجبهات بشكل متواز.

* التحالف الاستراتيجي مع إيران: بدأت العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران عام 1974، بافتتاح السفارة السودانية بطهران، في ظل تلاقي نظامي إيران الشاه وسودان النميري، بشأن الدوران في الفلك الأمريكي، لكن العلاقات بينهما انحسرت إثر الثورة الإيرانية عام 1979، وتأييد السودان للعراق في حربه ضد إيران. ثم أخذ منحنى العلاقة في التصاعد في عهد الصادق المهدي، وصولا لمستوى التحالف الاستراتيجي في ظل نظام الإنقاذ الوطني.

* التحوّل تجاه الخليج العربي: أيقن السودان أن علاقته بإيران قد زادته عزلة وأن طهران خذلته سياسيًّا، برفضها التدخل في صراعات الجنوب ودارفور. كما أنها عرّضته للغارات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر 2012 دون أن يكون لذلك مردود اقتصادي كبير. وتسببت هذه العلاقة في اتخاذ إجراءات عقابية خليجية ضد الخرطوم بعد استضافة سفن حربية إيرانية بميناء بورتسودان أواخر عام 2012. كما أن السودان لم يستفد كثيرا من الاقتصاد الإيراني المحاصر، فظل حجم التجارة والاستثمارات والمساعدات الإيرانية للسودان متواضعا للغاية، ولا يتسق مع تنامي العلاقات السياسية والثقافية، ولا يكافئ ما تقدّمه الخرطوم من تسهيلات لطهران. ولهذا، دأب الرئيس عمر البشير على تأكيد أنّ الحصار الاقتصادي المفروض على السودان هو ضريبة تدفعها الخرطوم بسبب موقفها من قضية القدس وعلاقتها بإيران. وكان ذلك إيذانًا بتحول السودان من علاقتها بإيران صوب توثيق العلاقات مع دول الخليج.

* توثيق العلاقات مع تركيا: توافقت رغبة النظام السياسي السوداني مع نظيره التركي على ضرورة توثيق العلاقات بين الجانبين، لا سيما مع سياسة انفتاح أنقرة على دول القارة الأفريقية، والتي تمت صياغتها قبل خمسة عشر عاما، بهدف ممارسة دور فاعل على المستوى الدولي، بعد تعثر محاولات الانضمام للاتحاد الأوروبي، واكتساب التأييد الأفريقي للقضايا التركية، والاستفادة من ثروات القارة وسوقها الواسعة.

* التحالف مع إثيوبيا: تنامت العلاقات السودانية-الإثيوبية بعد اتفاق الدولتين على الوقف المتبادل لكافة أشكال الدعم للمعارضة السياسية والمسلحة. ومع تدشين مشروع سد النهضة الإثيوبي، أمسكت السودان بالعصا من المنتصف، بعدم التوقيع على اتفاق عنتيبي، دون الاعتراض على إنشاء السد. لكن بمرور الوقت انحازت الخرطوم لأديس أبابا، فتحوّلت إلى داعم أساسي للسد.

* توازن مع الغرب: تمثّل زيارة الرئيس عمر البشير لروسيا في 22 نوفمبر 2017 الخطوة الأهم لتحولات السياسة الخارجية السودانية، والتي سعى خلالها النظام السوداني إلى إيجاد توازن جديد في علاقاته بالدول الغربية التي تعتبرها الخرطوم السبب الأساسي في ما تعانيه من مشكلات.

وجاءت الزيارة في توقيت يسعى فيه النظام السوداني إلى توسيع هامش المناورة الاستراتيجي مع الغرب، عبر الاستعانة بظهير مساند بحجم وقوة روسيا، خاصة بعد الدور المحوري الذي لعبته في سوريا. إذ يأمل في الاستفادة من ورقة الضغط الروسية في دفع الولايات المتحدة والغرب لرفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب.

ويخلص أيمن شبانة إلى أن التحوّلات السياسة الخارجية السودانية بين الدول الإقليمية المختلفة تكشف أن النظام السوداني لم يحرص على صياغة استراتيجية راسخة على المدى البعيد لسياسته الخارجية.

وتتخذ معظم تحوّلات السياسة الخارجية السودانية في إطار الدائرة المغلقة المحيطة بالرئيس عمر البشير في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والأجهزة الأمنية بعيدا عن البرلمان، كما ترتبط أغلب تحوّلات السياسة الخارجية السودانية برغبة نظام البشير في الحفاظ على بقائه أكثر منها بالمصالح العليا للدولة السودانية.

ويؤدي تقلّب السياسة الخارجية لنظام عمر البشير إلى عدم قدرة السودان على استثمار موقعه الجغرافي في ممارسة دور إقليمي فاعل في تحقيق التواصل العربي-الأفريقي وصيانة الأمن القومي العربي، بدلا من استعداء الدول، وتهديد أمنها.
 
المصدر: صحيفة العرب

ربما يعجبك أيضا