تهديدات المجتمعات الموازية في أوروبا إلى التعايش السلمي

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

بدأت أوروبا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في أعقاب موجة الإرهاب التي ضربت أوروبا عام 2014 و2015، تراجع مواقفها من جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب بقية التنظيمات المتطرفة. الحكومات الاوروبية أدركت كيفية استغلال الجماعة إلى مساحة الحريات في أوروبا من أجل تنفيذ أجندتها.

الاستخبارات الألمانية في تقاريرها، تحذر منذ عام 2014، من  خطورة جماعة الإخوان المسلمين، ويكمن ذلك في أعضائها والمتعاطفين معها ممن حصلوا على تعليم جيد ويشغلون مناصب كبيرة ولهم صلات جيدة في ألمانيا ودوليًّا، وتتزايد خطورتهم ربما حتى أكثر من بقية التنظيمات المتطرفة، كونها تعيش وسط شرائح المجتمع، وتتسلل إلى مؤسسات ألمانية، باستخدامها واجهات عمل منها شركات تجارية ومنظمات ومجالس إسلامية.

وتَـخْلُصُ الاستخبارات الألمانية إلى أن المؤسسات العاملة على أراضيها والتابعة للجماعة الإسلامية ليست إلا واجهة لـ”الإخوان المسلمين” في ألمانيا، وأنها وإن كانت تقوّم نفسها كمنظمات وجمعيات معتدلة تشجع على الحوار، إلا أنها تخفي أهدافها الحقيقية في ألمانيا والغرب؛ إذ هي ترفض قيمًا رئيسية في النظام الديمقراطي الحر مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين.

مجتمع موازٍ في أوروبا

كشفت دراسة لدار الإفتاء المصرية، حول “المجتمع الموازي لجماعة الإخوان الإرهابية في الغرب”، أن التنظيم تمكن من الانتشار والتوسع في المجتمعات الغربية، عبر الكيانات الموازية التي تسعى لتكون بديلًا للدولة والمجتمع، بهدف الاستحواذ على القوة والضغط على صانع القرار لتلبية طلبات الجماعة.

وأوضحت الدراسة أنه بعد خروج عناصر جماعة الإخوان في الستينيات إلى الدول العربية والأوروبية عملت الجماعة على تطبيق فكرة إقامة المجتمعات الموازية في هذه الدول، بالسيطرة على الطلاب المسلمين، ودور العبادة، ونشر المجلات التي تحمل أفكار الجماعة، واستغلت الجماعة في ذلك قضايا الأمة الكبرى؛ مثل القضية الفلسطينية والتي روجت أنها المدافع الأول عنها.

استطاعت الجماعة أن تخلق قدرًا من التفاعل بين الجماعات الأخرى المتشابهة معها فكريًّا في أوروبا عبر إقامة شبكة دولية غير رسمية ومعقدة للغاية، تترابط فيما بينها عبر شبكات مالية وأيديولوجية، وهو الأمر الذي تزامن مع قيامهم بعدم اعتماد صيغة عضوية الفرد في جماعة الإخوان بالخارج، وأنها لا تأتي عبر كيان خاص بل تكون عن طريق الإيمان بالأفكار والأساليب والمنهج الخاص بها.

الإخوان المسلمين شبكة علاقات داخل أوروبا

تمثل أوروبا الحاضنة والملاذ الآمن لجماعة الإخوان المسلمين، والتي نجحت في تأسيس شبكة علاقات من جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وجمعتها الخطط والأهداف، وامتدت نشاطاتها في أوروبا عبر مؤسسات ومراكز كثيرة وحصلت على الدعم من الدول الداعمة للجماعة.

النشاط الأكثر خطورة في أداء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا إقدامه على تأميم فضاء الفتوى في القارة من خلال إنشاء المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي يرأسه القرضاوي وتأسس عام 1996 في العاصمة الأيرلندية دبلن، ويعد إحدى الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقي لجماعة الإخوان في أوروبا.

اعترف قادة الجماعة بحرصهم على تكييف تنظيماتهم في أوروبا مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والقانونية في هذه الدول، وكان نائب المرشد الأعلى إبراهيم منير، المقيم في لندن حدد في مقابلة مع جريدة المصري في 6 يوليو عام 2009 ’’الاختلاف بين الإخوان المسلمين في مصر والإخوان في أوروبا‘‘ مؤكداً ’’تكييف النموذج الأصلي‘‘.

اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا

في دراسة أعدتها الباحثة فالتينا كولومبو عن (الإسلام في أوروبا) تشير إلى ’’أن العمل الإسلامي في أوروبا مختلف عن العالم العربي، وله تنظيم مستقل تمامًا، فهو اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهو مسجل في الاتحاد الأوروبي، وله مقر في بروكسل‘‘.

ونقلت عن منير إشارته إلى وجود تنظيمات غربية متفرعة عن الإخوان المسلمين، مظلتها الرئيسة، التي تقابل رأس الهرم، هي اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي تنشر بياناته في (رسالة الإخوان)، وهو يضم تنظيمات أنشأها أفراد لديهم صلات قوية بالإخوان، “وأنشأ هؤلاء الأفراد في كل بلد غربي مجموعة من المؤسسات التي تتخذ أشكالاً محلية مألوفة: جماعات لحقوق الإنسان، مؤسسات دينية، مؤسسات بحثية، اتحادات طلابية، وجماعات ضغط إلخ”.

وحسب كتاب “المشروع: استراتيجية الإخوان للغزو والتسلل في فرنسا والعالم” ، فإن جماعة الإخوان تدرك جيدًا أن المسلمين لا يتعرضون إلى الاضطهاد في الديمقراطيات الغربية، إلا أن استراتيجية الجماعة تتمثل في “زرع التشتت داخل المجتمعات الإسلامية في الغرب، عن طريق تأكيد شعور الاضطهاد ما يؤدي بهذه الأقلية إلى التقوقع أو الانفصال عن المجتمع”، ما يدفعها إلى التعصُّب والعمل تدريجيا نحو محاولة أسلمة المجتمع من خلال التبشير بقيم متشددة، على حساب قيم التسامح والانفتاح.

يشير الكتاب إلى استراتيجية “التفكيك” إلى الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي أو “السلطان الجديد” كما يصفه الكاتبان رجب طيب أردوغان، في كولونيا الألمانية في فبراير 2018 أمام مئات المسلمين ذوي الأصول التركية-الألمانية ردًا على دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى دمج الأتراك بشكل أكبر في الثقافة الألمانية.

لقد ادركت أوروبا بالفعل خطر جماعة الاخوان المسلمين، واعتبرتها بأنها أكثر خطورة من تنظيم داعش والقاعدة، والسبب يعود إلى نجاح هذه الجماعة في اتخاذ واجهات “شرعية” والالتفاف على القوانين الأوروبية، لتنفيذ مشروع الإخوان “الخلافة المؤجلة”.

ويكمن خطر الجماعة، في سرعة انتشارها في المجتمعات الأوروبية، خاصة بين الجاليات المسلمة، تحت باب “أنشطة إنسانية” وهذا ما كشفته اجهزة الاستخبارات الألمانية تحديدًا، بين معسكرات اللاجئين.

ما تحتاجه دول أوروبا الآن وفي هذه المرحلة التي تشهدها أوروبا، هو فرض سياسات أكثر شدة، تجاه الجماعات المتطرفة بينها الإخوان، ومراجعة “واجهاتها” التي تعمل خلفها، ومصادر التمويل، الذي يعتبر العصب الرئيسي في أنشطة جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة الأخرى في أوروبا.

ربما يعجبك أيضا