«ثورة مراحيض» في الصين.. احتجاجات مناهضة لـ «ديكتاتورية شي» بالداخل والخارج

رنا أسامة

ألهم "رجل الجسر" احتجاجات مناهضة للزعيم الصيني شي جين بينج داخل وخارج البلاد.. ماذا يحدث؟


تتصاعد الاحتجاجات المناهضة للرئيس الصيني، شي جين بينج، داخل البلاد وخارجها، على وقع الضوابط والقيود الصارمة ضد وباء كوفيد- 19.

وتتزامن تلك التظاهرات مع فوز الرئيس الصيني، اليوم الأحد 23 أكتوبر 2022، بولاية ثالثة تاريخية على رأس الحزب الشيوعي الحاكم في بكين، ليصبح بذلك أقوى زعيم للصين منذ مؤسس النظام، ماو تسي تونج.

احتجاج نادر

صب الصينيون جام غضبهم في شعارات ولافتات رفعوها على جسور ولوحات إعلانية. وجاء في أحد تلك الشعارات بالإنجليزية: “نريد حياة لا سياسة صفر كوفيد، حرية لا إغلاقًا عرفيًا، كرامة لا أكاذيب، إصلاحًا لا ثورة ثقافية، تصويتًا لا ديكتاتورية، نُعامل على أننا مواطنون لا عبيد”، كما أوردت “سي إن إن” في تقرير مطول نشرته، أمس السبت 22 أكتوبر 2022.

والخميس الماضي، كتبت الكلمات ذاتها بالصينية، بخط اليد، بطلاء أحمر، على لافتة فوق جسر مزدحم يبعد عن العاصمة الصينية، بكين، آلاف الأميال، في احتجاج وصف بأنه “نادر وجريء” ضد شي، في حين شجبته لافتة أخرى.

ديكتاتور وخائن

لافتة أخرى على جسر سيتونج، في شمالي غربي بكين، شجبت شي باعتباره “ديكتاتورًا” و”خائنًا وطنيًا”، داعية إلى إقالته، وذلك قبل أيام من انطلاق أعمال الدور الـ 20 من مؤتمر الحزب الشيوعي، لكن سرعان ما أزالت الشرطة هذه اللافتات، وحذفت أي دعوات للاحتجاج عبر شبكة الإنترنت.

بيد أن التحدي السياسي الذي لم يصمد طويلًا، هو أمر يصعب تصوره في دولة المراقبة الاستبدادية، التي يحكمها شي، وكان له صدى تجاوز حدود بكين، وأثار تضامنًا داخل الصين وفي أجزاء أخرى من العالم، بحسب “سي إن إن“.

ملصقات تدعو إلى عزل الزعيم الصيني شي جين بينج على حرم جامعي في لندن

ملصقات تدعو إلى عزل الزعيم الصيني في حرم جامعي بلندن

ملصقات معادية

تزامنًا مع مؤتمر الحزب الشيوعي، وعلى مدار الأسبوع الماضي، علت شعارات مناهضة لشي في مدن صينية وفي مئات الجامعات بأنحاء شتى من العالم. وجدت تلك الشعارات مكانها في الصين على جدران وأبواب مراحيض عامة، كونها الأماكن الوحيدة الناجية من أعين كاميرات المراقبة المنتشرة في البلاد.

وخارج الصين، انتشرت ملصقات معادية نشرها طلاب صينيون، ممن حرصوا منذ فترة طويلة على الاحتفاظ بآرائهم السياسية الناقدة، في وقت كثّف فيه الحزب الشيوعي، تحت مظلة شي، من مراقبة المغتربين وقمعهم، وترهيب ومضايقة أولئك الذين يجرؤون على التعبير عن آرائهم علانية، وتهديد عائلاتهم.

صدمة وتأثر

أفادت “سي إن إن” بأنها تحدثت إلى صينيين اثنين كتبا شعارات احتجاجية في مراحيض، إضافة إلى 6 طلاب صينيين مغتربين وضعوا ملصقات مناهضة لشي في حرم جامعتهم، ووافقت على عدم كشف هوياتهم، واستبدالها بأسماء مستعارة لحساسية الموضوع.

وبحسب الشبكة الأمريكية، أعرب كثير من هؤلاء الصينيين عن صدمتهم وتأثرهم بـ”مظاهرة جسر سيتونج”، وشعورهم بأنهم مضطرون لدعم “رجل الجسر”، ذلك المحتج الذي من المرجح أن يواجه عقوبة السجن مدى الحياة، وكذلك “رجل الدبابة” المجهول الذي واجه سرب دبابات بشارع السلام الأبدي ببكين في اليوم التالي لمذبحة ميدان تيانانمين عام 1989.

رجل الدبابة أو رجل الجسر

رجل الدبابة

تذكير في وقته

في حين أن قلة من الصينيين يتوقعون أن تفضي تلك الاحتجاجات إلى تغييرات جذرية على الأرض، فإن الشعارات المناهضة لشي، مع فوزه بولاية ثالثة تاريخية، تمثل تذكيرًا في الوقت المناسب بأن سحقه المستمر للمعارضة لن يحول دون ظهور تيارات مقاومة خفية.

وبينما شرعت السلطات الصينية الأسبوع الماضي في حذف المنشورات والدعوات ذات الصلة باحتجاجات جسر سيتونج، شارك نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الصين مثلًا شعبيًّا قديمًا: “شرارة صغيرة قد تحرق غابة بأكملها”.

شرارة «رجل الجسر»

الشرارة التي أطلقها “رجل الجسر” يبدو أنها حققت المثل الصيني، وسط معارضة غير مسبوقة لقيادة شي وحكمه الاستبدادي بين مواطني الصين القارية.

ولطالما أثارت السياسات الصينية احتجاجات عبر الإنترنت وتظاهرات في الشوارع، انتقدت معظمها سياسات السلطات المحلية، في حين هاجم قليل منها، الرئيس شي نفسه، مباشرة أو على نحو صارخ.

ملصقات مناهضة لشي في نيويورك 1

ملصقات مناهضة لـ شي في نيويورك

ثمن باهظ

أشار تقرير الشبكة الأمريكية إلى أن منتقدي شي دفعوا ثمنًا باهظًا، بما في ذلك الملياردير الصيني، رن تشيكيانج، الذي صدر حكمًا ضده قبل عامين بالسجن 18 عامًا بتهم فساد، على وقع انتقاده تعامل شي مع كوفيد -19، في بداية انتشار الجائحة بالصين، ووصفه له بأنه “مهرج” متعطش للسلطة.

غير أن عواقب التحدث علانية لم تردع رافين وو، وهو اسم مستعار لطالب جامعي في شرق الصين، ترك رسالة مستوحاة من “رجل الجسر”، مكتوبة بالإنجليزية في مرحاض، تدعو للتظاهر من أجل الحرية والكرامة والإصلاح والديمقراطية، مذيلًا إياها برسم كارتوني “للدب بو”، في إشارة ساخرة للزعيم الصيني.

شعار احتجاجي على جدار مرحاض عمومي في الصين، قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إنها حصلت عليه

شعار احتجاجي على جدار مرحاض عمومي في الصين، قالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية إنها حصلت عليه

نظرة قاتمة

وو، الذي استيقظ سياسيًّا خلال المرحلة الثانوية، عندما سمع عن مذبحة تيانانمين بالصدفة، كان يأمل في أن تحدث شعاراته الاحتجاجية، موجة تغيير تطال كل من يقرأها، ولكنه لا يزال قلقًا للغاية بشأن مستقبل الصين. وفي نظرة قاتمة، رأى الطالب أن سياسات شي تقود بكين إلى حافة الهاوية.

والأكثر قتامة، بحسب وو، أن فوز شي بولاية ثالثة يمكنه من مضاعفة سياساته المتشددة، وفرض نفسه امبراطورًا مطلقًا للبلاد. واتفق معه تشين تشيانج، وهو صيني حديث التخرج يصف نفسه بأنه “وطني لا يحب الحزب الشيوعي”، قائلًا إن الاقتصاد الصيني آخذ في التعثر، والرقابة أضحت مشددة أكثر من أي وقت مضى.

ملصقات دعائية مناهضة لشي في هولندا

ملصقات دعائية مناهضة لشي في هولندا

ثورة مراحيض

حتى الآن، فإن الشعارات والملصقات وروسوم الجرافيتي المناهضة لشي لا تزال محدودة الانتشار، في حين تتركز في حسابات لصينيين مجهولين مؤيدين للديمقراطية عبر موقع “انستجرام”.

وأطلق أشخاص على الحركة الاحتجاجية بالصين اسم “ثورة مراحيض”، في إشارة تهكمية إلى حملة شي لتحسين الظروف الصحية بالحمامات العامة بالصين، وكذلك إلى أماكن وضع الملصقات المناهضة للزعيم الصيني، الأمر الذي عدّه وو “مصدر إلهام”، ونظر إليه تشين على أنه “تذكير صارخ بمحدودية حرية التعبير” في بكين.

بصيص أمل

بخلاف النظرة القاتمة، التي تتملك كثر داخل الصين، أشار تقرير الشبكة الأمريكية إلى وجود بصيص أمل لدى طلاب صينيين مغتربين. فهذه المرة الأولى التي يتخذون فيها إجراءً سياسيًّا، مدفوعًا بمشاعر رهبة وأسف وواجب لإظهار تضامن إزاء “رجل الجسر”.

ومن بين الملصقات المعلقة على لوحات إعلانية بجامعة “جولد سميث” في لندن، صورة من احتجاج جسر سيتونج، تظهر عمود دخان أسود متصاعد من الجسر، وكتب أعلى الصورة جملة صينية مطبوعة بالأحمر: “لا ينبغي أن تقابل شجاعة شخص واحد دون صدى”.

ربما يعجبك أيضا