جنون الأسعار يحيي الطقوس القديمة.. هكذا تتحايل الأسر العربية على الغلاء

أماني ربيع

ضربت موجة غلاء غير مسبوقة المنتجات الغذائية والسلع الأساسية في العالم العربي، تأثرًا بالسوق العالمية التي تضررت بشكل مباشر من الحرب الروسية الأوكرانية.

وما بين نصائح المتخصصين لتقليل الإنفاق وتطوع بعض الإعلاميين بتقديم روشتات ترشيد استهلاك مثيرة للجدل، منها تصريحات الإعلامي المصري عمرو أديب التي دعا فيها إلى التوقف عن شراء “البيض الأوجانيك” فهل تشهد الدول العربية عودة إلى طقوس قديمة.

السينما المنزلية

تملك سُهيلة إبراهيم، الطالبة بكلية الألسن، نظرة أكثر تفاؤلًا، وترى أن جائحة فيروس كورونا أعطت العالم هدنة أوقفت المسار السريع للحياة بعض الشيء، تقول: “أجبرنا وباء كورونا في البداية على البقاء في المنازل، الخوف على الحياة جعل الناس تتواصل بصورة أكبر، واجتمع أفراد الأسرة جميعًا لأول مرة تحت سقف البيت”.

منذ وباء كورونا أصبحت مشاهدة مسلسلات وأفلام المنصات الرقمية ليلة الخميس طقسًا أسبوعيًّا في المنزل، تختار فيلمًا عائليًّا أو مسلسلًا كوميديًّا لتتابعه مع أسرتها، ويقضون الوقت في مناقشة أحداثه وهم يتناولون “الفيشار” الذي أعدته الأم، استمر هذا الطقس إلى الآن مع غلاء الأسعار وصعوبة دخولهم جميعًا إلى السينما التي ارتفع سعر تذكرتها كثيرًا، لذا أصبحت الخروجات المنزلية ملاذًا.

أكل المطاعم في المنزل

بدأت منى حسن، ربة منزل وأم لأربعة أبناء في إعداد جميع وصفات الأطعمة في المنزل لارتفاع أسعارها في المطاعم. تقول: “كلما يكبر أبنائي في السن تزداد احتياجاتهم وينظرون للآخرين، لذا تعلمت صناعة طعام المطاعم في البيت بطريقة لذيذة لإرضائهم”. تصنع منى ساندويتشات الهامبورجر والسينابون وغيرها، ولا تكتفي بذلك بل تُقدمها بطريقة تُشبه المطاعم من حيث شكل الأطباق.

الأطفال يملون بطبيعتهم من البيت لذا تخترع لهم “خروجة” منزلية، تطلب منهم دعوة أصدقائهم وتعد وجبة لذيذة من الناجتس والبطاطس مع الكاتشب المنزلي ومشروبهم المفضل، يتناولون الطعام على مائدة في شرفة المنزل، تقول: “أتعامل معهم كما لو كانوا في مطعم حقيقي”، وجدت الفكرة صدى لدى والدات أصدقائهم وبدأن في العمل بها، ما منح الأولاد فرصة للتواصل معًا في بيئة آمنة.

رائحة الخُبز

سافرت “سلمى.ع” بعد زواجها إلى محافظة الغربية بدلتا مصر، بلد زوجها، وأعجبت كثيرًا بطقوس الخبز في منزل حماتها، ورغبت بشدة في تعلم خبز مختلف أنواع العيش الفلاحي اللذيذ. تقول لـ”شبكة رؤية الإخبارية” إن والدة زوجها تجتمع مع إحدى جاراتها وبناتها في الخبز، يبدأن في الصباح الباكر، يضحكن ويتحدثن وأيديهن تعمل بجد، وعندما ينتهين من خبز أرغفة العيش تعطي كمية لجارتها تقديرًا لمجهودها معها.

بدأت سلمى في صناعة الخبز والمُعجنات، واكتشفت كيف يُمكن لكمية صغيرة من الدقيق ومكونات منزلية رخيصة صناعة مخبوزات منزلية تخزِّن جزءًا منها في “الديب فريزر” وتُخرج منها حسب احتياجاتها إليه، مشيرة إلى أن رائحة الخبز في المنزل تزيده دفئًا، ما يجعل الأسرة سعيدة وتشعر بالأمان والطمأنينة بأقل التكاليف.

أمهات زمان يرفعن شعار صُنع في المنزل

يتذكر الأردني الفلسطيني آصف البزوز، كيف كان يجتمع مع أسرته في الماضي لتناول جميع الوجبات: “كانت الأم تصحو وتجهز الفطور مع الأخوات، وأحد الشباب يذهب لشراء الخبز وفلافل وهذه الأشياء اللي مش من البيت، وفي موسم الزيتون كنا نأخذ الفطور معنا ونفطر تحت الزيتونات”، والآن اختفى كل هذا كما ذكر لـ”شبكة رؤية الإخبارية”.

لا يعتقد البزوز أن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى عودة هذه الطقوس فالحاضر يختلف، في الماضي كان كل الطعام يُصنع في المنزل من لبن وجبن وزيتون وزعتر حتى الخضراوات كل دار فيها رؤوس غنم وتزرع أرضها، وخُبز “الطابون” تصنعه الأمهات، الآن كل احتياجات البيت نشتريها من الخارج لتوفير الوقت والجهد ونسبة قليلة جدًّا بقيت على هذه العادات. يقول: “لم يعد يوجد وقت لتجتمع العائلة معًا مثل الماضي”.

ثقافة الاستهلاك ودوافعها

يتفق في ذلك حازم عبده من مصر، الذي يرى أن ظروف الحياة فرقت شمل أفراد الأسرة، يقول لـ”شبكة رؤية الإخبارية”: “أنا من الغربية وسافرت إلى السعودية لعدة سنوات، وشقيقتي سافرت لدراسة الطب في جامعة القاهرة، ولم يتبق في المنزل سوى والديّ وشقيق أصغر في الجامعة يقضي كل وقته خارج المنزل، أو في البيت ولكن مع هاتفه المحمول، لذلك أغلب طعامه يشتريه من خارج المنزل”.

وترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، أن موجة الغلاء أسبابها عالمية لذا يجب تغيير ثقافة الاستهلاك التي اجتاحت المجتمع الذي أصبح مُحاطا بالإعلانات من كل جانب في الشوارع والتليفزيون ومواقع التواصل، لذا على الحكومات نفسها نشر رسائل توعية عبر جميع قنوات الإعلام من برامج ومسلسلات وحتى رجال الدين لتصل الرسالة إلى جميع فئات المجتمع.

دور الأسرة

تعتقد “خضر” أنه توجد صعوبة في تغيير ظواهر مجتمعية استغرقت سنين لتتكون، خاصة في مجتمعات تسودها أغلبية من الشباب يحاول اكتشاف العالم على طريقته، ويرفض البقاء في المنزل ويفضل البقاء مع الأصدقاء وتجربة أمور جديدة، ومن الصعب تقبله أفكارًا حول ترشيد الاستهلاك دون أن يكون مقتنعًا بها، وإلا سوف يقبلها متأففًا منها، فيتركها ويبدأ في الحقد على الطبقات الأغنى.

دور الأسرة في هذا التوقيت مهم، كما تشير أستاذة علم الاجتماع، فتقول: “بدلًا من أن يكون كل فرد في وادٍ، يجتمع الوالدان مع الأبناء يتشاركون الحديث عن الأحوال ويتحمل كل فرد مسؤوليته، إذا نشأ الأبناء على سلوك معين منذ البداية سيكبر معهم ويورثونه بدورهم لمن بعدهم”. وبهذا يتجلى دور الأسرة في تحقيق الترابط الذي يحقق التكافل.

ربما يعجبك أيضا