جنيف الدولي للعدالة: قرار المحكمة الجنائيّة الدوليّة ليس نهاية المطاف لتحقيق العدالة للعراق‎

سحر رمزي

رؤية-سحر رمزي


جنيف – أصدر مركز جنيف الدولي للعدالة بيان هام اليوم الأربعاء و في البيان، أعلنت المدّعية العامة للمحكمة الجنائيّة الدولية، السيدة فاتو بنسودا، في التاسع من شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري قرارها بـ “إغلاق التحقيق الأولي” في الإدعاءات بارتكاب جنود بريطانيين جرائم حربٍ في العراق خلال المشاركة العسكرية إبّان غزو العراق عام 2003، حيث تعرّض مواطنون عراقيون إلى إساءة معاملة عندما كانوا محتجزين من قبل قوّات المملكة المتحدة في العراق.

ورغم الأسف البالغ لهذا القرار غير المُنصف، إلاّ أنّ مركز جنيف الدولي للعدالة، لم يجد، بعد دراسة متأنيّة، أنّ هذا القرار هو نهاية المطاف على طريق محاسبة مرتكبي أبشع الإنتهاكات ضدّ الشعب العراقي وعلى العمل بإتجاه تحقيق العدالة للضحايا، كما أنّه لا يبرئ المملكة المتحدّة وجنودها من الجرائم المُرتكبة في العراق.

عندما قرّرت المدّعيه العام في 13 آيار/مايس عام 2014، إعادة فتح الدراسة الأولية للحالة في المملكة المتحدة-العراق، إستناداً إلى ما وردها من معلوماتٍ جديدة بعد أن كانت الدراسة قد أُغلقت عام 2006 من قبل المدّعي العام السابق لويس مورينو أوكامبو، شاع أملٌ كبير في الأوساط الحقوقيّة من أنّ المحكمة قد بدأت تسير في الإتجاه الصحيح. لكنّ ضربةً قاسية قد وجِّهت الى هذا الأمل بقرار المدّعية العامة الأخير، والذي (أعادت) بموجبه (غلق) الدراسة الأوليّة. وهي بذلك تعيد المحكمة الى المسار الذي بدأته، والذي رأى فيه معظم المختصّين والمنظمّات الحقوقية أنّها قد صُمّمت لمحاكمة مرتكبي الإنتهاكات والجرائم الخطيرة من الدول الضعيفة فقط، وضمن سياق إزدواجية المعايير الذي تسير عليه معظم المنظمّات والهيئات الدوليّة.

ومع ما تقدّم، يجب أن يكون جلياً أنّ هذا القرار، هو أولاً ليس حكم محكمة، وأنّه لا يتضمّن أي إشارة قد تبرئ المملكة المتحدّة من الجرائم التي إرتكبها جنودها في العراق. على العكس من ذلك فالقرار يتضمّن تأكيداً واضحاً على وجود أدلّة تجرّم المملكة المتحدّة وجنودها في العراق عندما يؤكدّ على ” … وجود أساس معقول للاعتقاد بأن أفراداً في القوات المسلحة البريطانية إرتكبوا جرائم الحرّب المتمثلة في القتل العمد، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية/القاسية، والاعتداء على كرامة الشخص، والاغتصاب و/أو أشكال أخرى من العنف الجنسي”.

كما أن قرار المدّعية العامة ذكر صراحةً إمكانية إعادة فتح التحقيق، مرّة أخرى، في حالة ورود معلوماتٍ إضافية في ضوء الوقائع أو الأدلّة الجديدة. وفي ضوء “العناية الواجبة” الضمنية المتعلّقة بأدلّة “من المُحتمل أن تُثبت وجود نمطٍ معين ومسؤولية القيادة؛ وأي معلوماتٍ إضافية تُثبت الإدعاءات بشأن التدخلّ المتعمّد وغير اللائق في إجراء تحقيقاتٍ محلّية حقيقية؛ وأثر أي تشريعٍ جديد على قدرة السلطات المحلية المختصّة على النظر في الإدعاءات الجديدة الناشئة عن سلوك القوات المسلّحة البريطانية في العراق”.

وهنالك أمرٌ اساس ينبغي ايضاً التأكيد عليه هنا وهو أنّ هذا القرار لا يغيّر شيئاً من مسؤوليّة المملكة المتحدّة القانونية، وحسب التزاماتها الدوليّة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، وبموجب الإتفاقيات الدولية، ومنها إتفاقية مناهضة التعذيب. وتتمثل هذه الإلتزامات، غير القابلة للتقادم، ضرورة القيام بكلّ الإجراءات اللازمة لملاحقة مرتكبي الإنتهاكات المذكورة ومحاسبتهم، بغض النظر عن مستوياتهم الوظيفيّة، كما تلزمها إتخاذ كل الإجراءات لإنصاف الضحايا بما في ذلك دفع تعويضاتٍ تتناسب والإضرار التي لحقت بالضحايا.

ويذكر أن دور المحكمة هو متمّم للقضاء المحلي، وبما أنّ السلطات البريطانية قدّ قامت بالتحقيق بالإنتهاكات من قبل لجانٍ مختصّة مع عددٍ من جنودها، فأن المحكمة قد إتخذت ذلك أساساً رئيسياً لقرارها إيقاف التحقيق على الرغم من إنتقاداتها لسير التحقيقات والمحاكمات البريطانية.

ويؤكد مركز جنيف الدولي للعدالة أن إجراءات السلطات البريطانية لم تكن سوى تسويفاً للقضايا التي إدّعت التحقيق بها، وقد تعمدّت إبطاء الإجراءات مما حرم الضحايا من العدالة المنشودة. وبالتالي فأنّ قرار المدّعية العامة قد يساهم في أن يفلت أولئك الذين إرتكبوا جرائم بحقّ الشعب العراق من العقاب لبعض الوقت لكنّهم لن يفلتوا الى الابدّ حيث أن الجرائم التي إرتكبوها لا يمكن أن تسقط بالتقادم.

مما تقدّم، يكرّر مركز جنيف الدولي للعدالة أن قرار المدّعيه العامة ليس نهاية المطاف لمسار تحقيق العدالة للشعب العراقي ومحاسبة مرتكبي الإنتهاكات ضدّه.

ربما يعجبك أيضا