حرب أشباه الموصلات تشتعل بين بكين وواشنطن.. مشروع صيني جديد لدعم الصناعة

بسام عباس

تصريح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن تصنيع أشباه الموصلات مسألة أمن قومي، كشف الصراع بين واشنطن وبكين على هذا العنصر الحيوي.


تجهز الصين دعمًا يزيد على 143 مليار دولار، لصناعة أشباه الموصلات لديها، لمواجهة المساعي الأمريكية في إبطاء تقدمها التكنولوجي.

وذكرت وكالة رويترز، أمس الأربعاء 14 ديسمبر 2022، أن بكين تخطط لطرح واحدة من كبرى حزم الحوافز المالية على مدى 5 سنوات، في صورة إعانات وائتمانات ضريبية لتعزيز إنتاج أشباه الموصلات.

قضية جيوسياسية ساخنة

قالت الوكالة، نقلًا عن محللين، إن الصين تسير في مسار مباشر نحو تشكيل مستقبل صناعة أصبحت قضية جيوسياسية ساخنة بسبب الطلب المتزايد على الرقائق التي تعدها بكين حجر الزاوية في قوتها التكنولوجية، وأضافت أن خطط بكين تتضمن أيضًا سياسات ضريبية تفضيلية لصناعة أشباه الموصلات في البلاد.

ونقلت عن مصدرين، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، قولهما إن الخطة قد تُنفذ في الربع الأول من العام الجديد، وأضافا أن غالبية المساعدة المالية ستستخدم في دعم مشتريات الشركات الصينية لمعدات أشباه الموصلات المحلية، وأن مثل هذه الشركات ستحصل على دعم 20% على كلفة المشتريات.

أمن قومي

قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إن تصريحات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال افتتاح موقع مصنع لأشباه الموصلات، 11 سبتمبر 2022، إن “تصنيع أشباه الموصلات مسألة أمن قومي، لا سيما في مواجهة الطموحات الصينية”، جاءت لتكشف الصراع المحتدم بين واشنطن وبكين على هذا العنصر الحيوي.

وأضافت أن أمريكا تحاول مجابهة طموحات الصين على جبهتين، ترتكز الأولى على العقوبات الإضافية، والأخرى على إعادة صناعة الرقائق الإلكترونية، في حين جندت بكين شركتي التكنولوجيا العملاقتين “علي بابا” و”تنسنت” لدعم جهودها من أجل تصميم رقائق أشباه موصلات خاصة بها.

ضغوط أمريكية

أوضحت رويترز أن خطة الدعم المالي تأتي بعد أن أقرت وزارة التجارة الأمريكية، في أكتوبر الماضي، مجموعة شاملة من اللوائح يمكن أن تمنع مختبرات الأبحاث ومراكز البيانات التجارية من الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ضمن قيود أخرى.

وأشارت إلى أن واشنطن تضغط أيضًا على بعض شركائها، ومنهم اليابان وهولندا، لتشديد قيود الصادرات إلى الصين من المعدات المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات، ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أغسطس، مشروع قانون تاريخي لتقديم 52.7 مليار دولار منحًا، لإنتاج، وأبحاث، أشباه الموصلات الأمريكية.

«أرم» تحظر تصدير تقنيات الرقائق

أعلنت شركة أرم البريطانية أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لن توافقا على تراخيص لتصدير بعض تقنيات الرقائق إلى الصين، ما قد يؤثر بالسلب في شركات صينية، بما في ذلك “علي بابا”، وفقًا لما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز.

وذكرت الصحيفة أن أرم أرجعت عدم بيع بعض الرقائق إلى الصين إلى أنها تقنية “أمريكية المنشأ” تقع ضمن اختصاص “فاسينار”، وتتطلب رخصة تصدير من واشنطن، وهي المرة الأولى التي تقرر فيها الشركة المملوكة للمقرض الياباني “سوفت بنك”، عدم تصدير تصاميمها الأكثر تطورًا إلى الصين.

شركات رقائق صينية على القائمة السوداء

تستعد الإدارة الأمريكية لوضع عدد من شركات صناعة الرقائق الصينية، ومنها “يانجتز ميموري تكنولوجيز”، على قائمة التجارة السوداء، في أحدث جهود من الولايات المتحدة الأمريكية، تستهدف شركات التكنولوجيا.

وقالت صحيفة فاينانشال تايمز إن هذه الخطوة تأتي بعد شهرين من إعلان الولايات المتحدة ضوابط تصدير صارمة، لعرقلة جهود الصين للحصول على أو إنتاج أشباه الموصلات المتطورة.

دعوى صينية ضد أمريكا

ذكرت وكالة رويترز أن وزارة التجارة الصينية أعلنت رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة، في منظمة التجارة العالمية، بشأن ضوابط تصدير الرقائق الإلكترونية، وأن هذه الدعوى القضائية تهدف إلى الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة من خلال الوسائل القانونية.

وأضافت أن أمريكا كانت قد أقرت، في يوليو الماضي، مشروع قانون ضخم لتمويل الرقائق، بهدف تقييد تطوير أشباه الموصلات في الصين، على أساس ما يسمى الأمن القومي، في إساءة لاستخدام تدابير الرقابة على الصادرات، ما أعاق التجارة الدولية للرقائق وغيرها من المنتجات.

تحالف صيني

قالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إن الحكومة الصينية أسست تحالفًا يضم شركات ومعاهد بحوث، بينها الأكاديمية الصينية للعلوم لإنشاء رقائق جديدة، يكون حق الملكية الفكرية حصرًا لها، وجندت شركتي التكنولوجيا العملاقتين علي بابا وتنسنت لدعم هذه الجهود.

وأضافت أن التحالف الصيني يستخدم رقائق مفتوحة المصدر، تحت مسمى ريسك فايف، ويمكن إنتاجها والاستفادة منها وتعزيزها بواسطة الجميع، مشيرة إلى أن اهتمام بكين بهذه الرقائق تنامى في الوقت الذي تضاعف فيه واشنطن ضغطها على قطاع التكنولوجيا الصيني.

سياسة جديدة

ينظر إلى شركة أرم، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًّا لها، ولديها أنشطة ملحوظة في الولايات المتحدة، على أنها عرضة لأي تصعيد للعقوبات الأمريكية، التي تستهدف بكين، ذلك أنها تزود شركات التكنولوجيا الصينية بتصميماتها، بحسب فاينانشال تايمز.

وقال مسؤول صيني إن الجهود التي تقودها بلاده، لحشد مواردها لصالح تصميم الرقائق المعتمد على ريسك فايف ستضعها على الطريق الصحيح، خاصة في ظل اعتماد مئات الشركات على استخدام البنية البرمجية مفتوحة المصدر، ما يبطئ وتيرة اكتشاف بديل لتصميمات أرم.

 ما «ريسك فايف»؟

أوضحت فاينانشال تايمز أن الفكرة وراء ريسك فايف انطلقت شرارتها من خلال برمجيات مفتوحة، أحدثت ثورة في العالم الرقمي، مشيرة إلى أن المؤسسة نقلت مقرها إلى سويسرا عام 2019 لترسيخ وضعها المحايد في قطاع الرقائق، مع تحقيق البنية المفتوحة لهذه الرقائق لجذب الانتباه خارج نطاق الدوائر الأكاديمية.

وأضافت أن عملاقتي التكنولوجيا في الصين، على بابا وبايت دانس، أسستا فرقًا لاستخدام بنية ريسك فايف لتطوير رقائق رفيعة الأداء من أجل دعم خوارزميات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، ولفتت إلى أن هدف شركة “تي هيد” التابعة لعلي بابا، هو استبدال رقائق أرم الحالية في أكثر منتجاتنا تطورًا.

موجات من الصدمة

أوضحت الصحيفة البريطانية أن ريسك فايف لفتت انتباه الغرب منذ عام 2020، عندما أدت صفقة مقترحة ببيع أرم لشركة صناعة الرقائق الأمريكية “إن فيديا” بـ66 مليار دولار، ما أدى إلى موجات من الصدمة في قطاع أشباه الموصلات، ودفع العديد من الشركات إلى البحث عن بدائل لرقائق أرم.

وأفادت أن عملاقة الرقائق الأمريكية “أنتيل” ضخت استثمارًا بمليار دولار في سياق تمويل ريسك فايف، ولفتت إلى أن مكاسبها ستكون قادرة على تصنيع رقائق تستند إلى بنيات الرقائق الرئيسة الثلاث “أرم” و”إكس 86″ التابع لإنتل و”ريسك فايف”.

تهديد حقيقي

في مقابلة مع فاينانشال تايمز، قال الرئيس التنفيذي لشركة أرم، رين هاس، إن ريسك فايف “تمثل تهديدًا حقيقيًّا لنا”، مضيفًا أن أرم لديها ميزة مهمة، لأنها تقدم برمجيتها مع تصميماتها، إضافة إلى أن لديها مجتمعًا يتألف من 50 مليون مطور، ما يزيد صعوبة سحب البساط من تحت قدميها.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن شركة أبل الأمريكية، نقلت بعض أنويتها المدمجة، التي تشغل تكنولوجيات شهيرة تتضمن “واي فاي” و”بلوتوث” والتحكم في “التاتش باد” من المعالج أرم إلى ريسك فايف، بالإضافة إلى أنها نشرت عددًا من الوظائف، خلال الأشهر الأخيرة، تطلب مهندسين من أصحاب الدراية بتكنولوجيا ريسك فايف.

ربما يعجبك أيضا