حكومة علاوي بين الرفض الشعبي وهراوات الصدر

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

في خضم احتواء الأزمة التي تواجهها العراق، تم تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة بتوافق زعماء الشيعة وسط احتجاجات مُنددة بتكليفه، لانتمائه للأحزاب الموالية لإيران وسعي كتل سياسية لدعمه ووأد الاحتجاجات العراقية المشتعلة منذ أكتوبر الماضي، فهل تنجح حكومة علاوي في تهدئة الشارع العراقي؟ أم ستتحول إلى أداة بيد إيران لتعزيز نفوذها في العراق؟

علاوي رئيسًا للحكومة

جاءت تسمية وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي رئيسًا للحكومة بعد توافق الأحزاب الشيعية عليه، ليعلن الرئيس العراقي برهم صالح تكليفه بتشكيل الحكومة يوم السبت.

وفي أول رسالة له، قال علاوي في رسالة فيديو نشرها عبر صفحته على “تويتر”، إنه سيتخلى عن مهمته إذا حاولت الكتل السياسية فرض مرشحيها عليه، داعيًا المتظاهرين في الوقت ذاته للاستمرار في الاحتجاجات، ومتعهدًا بتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية ومحاسبة قتلة المتظاهرين.

التكليف جاء بعد مفاوضات طويلة بين الزعيمين الشيعيين، مقتدى الصدر وهادي العامري بدعم إيراني ولكن بشروط وافق عليها علاوي، ومنها إخراج القوات الأمريكية من العراق، وتنفيذ الاتفاقية مع الجانب الصيني مقابل منحه حرية اختيار وزرائه من المستقليين والمهنيين.

محمد توفيق علاوي هو شيعي ينتمي إلى قائمة “العراقية” التي تقدم نفسها على أنها ائتلاف علماني تمثل غالبيتها من السنة ويتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، كما إنه يحمل الجنسية البريطانية لكنه تعهد بالتخلي عنها دعمًا لمطالب الحراك الشعبي.

بدأ محمد علاوي مشواره السياسي في 2003، حين انتخب نائبًا في البرلمان بعد سقوط صدام وعين بعدها وزيرًا للاتصالات، ثم عاد نائبًا ليعود وزيرًا للاتصالات للمرة الثانية لكنه استقال بعد اتهامه لحكومة المالكي بغض النظر عن عمليات فساد لمقربين منه.

وعلى خلفية اتهامه للمالكي في وقت سابق، رفض حزب الدعوة اختيار علاوي رئيسًا للحكومة، وقال في بيان إن اختيار أي مرشح في هذه الفترة لن يحظى على الأرجح بتأييد الجميع.

الرفض الشعبي يتجدد

رغم توافق كتل شيعية على علاوي، نظم الآلاف من المتظاهرين في ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد مظاهرة للتنديد بترشيح علاوي، كما نددوا بالتدخل الإيراني بتسمية المرشح للمنصب.

مسيرات حاشدة شهدتها بغداد ومدن عراقية أخرى لآلاف العراقيين، رافضين تكليف محمد توفيق علاوي لمنصب رئاسة الوزراء نظرًا لعدم مطابقته للمواصفات التي حددتها ساحات الاحتجاج للمرشح المطلوب، حسب ما تقول جماعات الحراك التي وضعت منذ وقت مبكر شروطًا خاصة لرئيس الوزراء الجديد، من بينها أن “لا يكون شخصية جدلية، ولا يتجاوز عمره 55 عامًا، وأن لا يحمل جنسية مزدوجة، وأن يكون مستقلاً ولم يسبق أن تسلّم أي منصب وزاري”. وهي شروط لا تنطبق على علاوي.

وخلال الاحتجاجات، وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، إلى جانب بعض الاحتكاكات بين عناصر التيار الصدري والمتظاهرين، فيما عمد متظاهرو محافظات النجف كربلاء والديوانية إلى قطع الطرق الرئيسية بالإطارات المحترقة والسواتر الترابية وإغلاق المقار الحكومية.

 وفي الحلة، التي تبعد 100 كيلومتر جنوب بغداد، قام متظاهرون بإغلاق طرق رئيسية وجسور بإطارات مشتعلة احتجاجًا على تولي علاوي رئاسة الوزراء، رافعين صورًا منددة به وهم يهتفون “علاوي ليس اختيار الشعب”. فهناك اعتقاد راسخ لدى غالبية الناشطين وقادة الحراك بأن علاوي رشح بتنسيق ودعم إيراني، وأن مقتدى الصدر كان اللاعب الأساس في عملية التنسيق تلك.

ميليشيات الصدر تتصدر

وعلى خلفية الاحتجاجات المُنددة بترشيح علاوي، دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي كان ينحاز في بعض الأحيان إلى المحتجين المناهضين للحكومة وفي أحيان أخرى للجماعات السياسية المدعومة من إيران، أنصاره غير المسلحين المعروفين باسم “القبعات الزرق” للعمل مع السلطات لضمان عودة المدارس والشركات للعمل بشكل طبيعي.

ومع خروج مسيرات حاشدة للمتظاهرين، عمدت “سرايا السلام”، الجناح العسكري للصدر، وتحت مظلة “القبعات الزرق” إلى مهاجمة المطعم التركي الذي يوجد فيه المحتجون منذ أشهر وطردتهم بالقوة وأزالت جميع الشعارات وصور ضحايا الاحتجاجات التي وضعت على واجهته.

واندلعت صدامات بعد توافد مئات المتظاهرين من المدارس والجامعات ونقابة المعلمين على ساحة التظاهر في النجف. وحاول أصحاب القبعات الزرقاء منعهم من الدخول إلى الساحة عبر ترهيبهم بإطلاق الرصاص، كما جرت اشتباكات بالأيدي.

وأوضح شهود عيان أن ساحة التظاهر تحولت إلى فوضى عارمة وسط هتافات وشعارات تندد بتدخل اتباع الصدر لفض التظاهرات الاحتجاجية، ما أدى لسقوط قتلى وإصابات بين المتظاهرين.

وكان أنصار الصدر قد دعموا المتظاهرين في السابق وفي بعض الأحيان ساعدوا في حمايتهم من هجمات لقوات الأمن ومسلحين مجهولين، لكنهم اليوم تحولوا إلى ميليشيات تسعى لفض الاحتجاجات بالقوة لتعزيز بقاء حكومتها التي حظت بترحيب ودعم إيران، التي  تسعى للانتقام من مقتل قائدها الأبرز قاسم سليماني بطائرة مسيرة على يد الأمريكان في بغداد.

ويبدو أن مهمة علاوي لن تكون سهلة على الإطلاق، فثمة تداعيات كبيرة وخطيرة يشهدها العالم والعراق تتطلب وجود حكومة عراقية قوية قادرة على اتخاذ القرارات المهمة التي ترقى إلى أهمية وخطورة تلك التحديات، وعلى رأسها الزحف الخطير لفيروس كورونا تزامنًا مع دخول اتفاقية “النفط مقابل الاستثمار” بين بغداد وبكين حيز التنفيذ، بالإضافة لمخاطر عودة داعش وصفقة القرن والحرب المعلنة بين طهران وواشنطن، التي تتخذ من العراق ساحة لمعاركها.

ربما يعجبك أيضا