حوار| باحث بيئي يوضح لـ«رؤية» أسباب أزمة الجفاف في أوروبا وتداعياتها

آية سيد
باحث في العلوم البيئية يشرح لـ«رؤية» أسباب أزمة الجفاف في أوروبا وتداعياتها

أجرت شبكة رؤية الإخبارية حوارًا مع الباحث الأول بالمعهد الفرنسي للأبحاث البيئية والزراعية والمختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي، الدكتور عادل سالمي، حول أزمة الجفاف في أوروبا.


تعاني القارة الأوروبية أزمة جفاف غير مسبوقة، على وقع ارتفاع درجات الحرارة والنقص الشديد في الأمطار.

وفي هذا الإطار، تواصلت شبكة رؤية الإخبارية، مع الباحث الأول بالمعهد الفرنسي للأبحاث البيئية والزراعية والمختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي، الدكتور عادل سالمي، لاستيضاح أسباب الأزمة وتداعياتها المحتملة، على القارة العجوز.

ما أسباب موجة الجفاف الحالية؟           

قال الدكتور عادل سالمي: “قبل الخوض في الأسباب لا بد لنا من توصيف هذا الجفاف وتحديد أنواعه، فالجفاف يمكن تقسيمه إلى 3 أصناف، الأول مرتبط بالمناخ وبالغلاف الجوي، ويتميز بتراجع في نسبة هطول الأمطار على مدى فترة محددة، بما يؤدي إلى الإخلال باحتياجات الناس والمنطقة والأرض من الماء”.

والثاني، وفق سالمي، هو “الجفاف المرتبط بتبخر المياه، ويترتب عليه النقص الحاصل في الرطوبة في أديم الأرض والإضرار بالغطاء النباتي البري والزراعي. وهذا النقص يتسبب في جفاف التربة والإجهاد المائي للنباتات البرية أو الزراعية”. وأما الثالث فـ”يتعلق بتراجع تدفق المياه في شبكة البحيرات والأنهار وكذلك تغذية السدود والخزانات”.

وهذه الأنواع الثلاثة تؤدي على المديين المتوسط والبعيد، إلى انخفاض شديد أو متوسط في مستوى المياه في الأنهار والبحيرات، وانخفاض في تغذية المائدة السطحية والعميقة والخزانات المائية، ويشير مفهوم تغذية المائدة إلى عملية هيدرولوجية، (تسرّب المياه السطحية “مياه الأمطار” إلى عمق التربة).

ما العوامل التي تقف وراءها؟

أوضح المختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي أن الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى الجفاف بأنواعه الثلاثة، تنقسم إلى 3 أنواع أساسية. أولًا، التحولات المناخية وارتفاع درجات الحرارة الناجمة عن التلوث الصناعي والزراعي والحضري، ما يتسبب في اضطراب الأمطار ونقص رطوبة التربة ونقص المياه.

وثانيًا، الاستعمال الصناعي والزراعي المكثف للمياه، والذي يؤدي بدوره إلى الإجهاد الذي لا يراعي ولا يترك فرصة لإمكانية إعادة تجدد وتغذية المائدة السطحية والعميقة ومنابع وشبكة الأنهار والبحيرات والسدود والخزانات.

وثالثًا، تراجع منسوب المياه الصالحة للاستعمال نتيجة التلويث الصناعي أو بالأسمدة والمبيدات الزراعية. وهذا إلى جانب أن التراجع في نسبة تدفق الأنهار يؤدي إلى تقدم الماء المالح القادم من البحر في الأنهار والنفاذ إلى المائدة العميقة، وهو ما يؤدي إلى تلوثها بالماء المالح، حسب سالمي.

ما التداعيات المحتملة لأزمة الجفاف؟ 

في سؤاله عن التداعيات والنتائج المحتملة، أشار الدكتور عادل سالمي إلى وجود عدة تداعيات أساسية للجفاف الذي يضرب القارة الأوروبية. أولها أن موجة الحرارة والنقص في المياه الموجهة للإنتاج الزراعي تؤدي إلى نقص في الإنتاج وارتفاع التكلفة في المقابل، ما يعزز بهديد الأمن الغذائي، ويقود إلى نقص في الصادرات.

وهذا إلى جانب أن تراجع سكان الأرياف وارتفاع نسبة سكان المناطق الحضرية من قرى ومدن متوسطة وكبرى يؤدي إلى ازدياد نسبة الطلب على المياه على المستوى الفردي والجماعي.

كيف تتأثر القطاعات المختلفة؟

في حديثه مع رؤية، حول الدور البشري لهذه المشكلة، لفت سالمي إلى وجود تراجع في نسبة سقوط الثلوج وتجمدها، موضحًا أن “هذه الوضعية الجديدة خلقت أزمة في محطات التزحلق على الثلج، التي تستقبل الآلاف والملايين من الناس ومن تلامذة المدارس والمعاهد”.

وقال الباحث الأول بالمعهد الفرنسي للأبحاث البيئية والزراعية إنه أمام هذا النقص في الثلج “أصبحت هذه المحطات تلجأ إلى الاستعمال المكثف للماء لتصنيع الثلج الذي تحتاج إليه، وبالتالي أصبح هذا القطاع مزاحمًا رئيسًا في مجال استعمال المياه وتلويثها”.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا التراجع في مصادر المياه، إلى إعادة النظر في الأولويات بين قطاعات السياحة والزراعة والصناعة والماء الموجه للمدن، وفق سالمي.

ماذا عن التداعيات البيئية؟

أضاف المختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي أن النقص في المياه وحالة الجفاف “أدت إلى عدة تأثيرات بيئية، من أهمها التأثير السلبي في الغطاء النباتي، وكذلك هجرة الحيوانات البرية وتهديدها للمراعي الجبلية التقليدية التي كانت آمنة، خاصة بالنسبة إلى الأغنام”.

وفي تصريحاته لشبكة رؤية الإخبارية، نوّه سالمي بأن موجة الجفاف الحالية “تمهد أيضًا لارتفاع خطر توسع نسب ومعدلات الحرائق في الغابات، خاصة في موسم الصيف”.

هل يؤدي نقص المياه إلى اضطرابات جديدة في أوروبا؟

تعاني القارة العجوز عدة أزمات بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، أبرزها أزمة الطاقة. وفي هذا الشأن، قال سالمي إن موجة الجفاف والنقص في الثلوج والمياه “أدت إلى تراجع القدرة على تزويد شبكة السدود، ما نتج عنه تراجع القدرة على إنتاج الطاقة الكهربائية ورفع الحاجة إلى الطاقات المستوردة”.

وحسب سالمي، “هذا يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج والتحويل والتوزيع، وبالتالي رفع الأسعار للمستهلك وتدهور القدرة الشرائية لدى الفئات محدودة الدخل. وهذا بالطبع يُضاف إلى ما نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية من مقاطعة أوروبية لطاقة روسيا”.

هل يمكن حدوث اضطرابات سياسية؟

قال الباحث الأول بالمعهد الفرنسي للأبحاث البيئية والزراعية في تصريحاته لشبكة رؤية الإخبارية: “نشهد أيضًا بروز رأي عام وحركات اجتماعية وسياسية تنادي بتعزيز السيادة البيئية والغذائية والطاقية، وتحتج على تدهور القدرة الشرائية للفئات الضعيفة”.

وأشار سالمي إلى ظهور حركات أخرى “تنتقد سوء التصرف والحوكمة في هذه القطاعات الحيوية، وتطالب بالحق في الرقابة المدنية والمواطنة لتكريس حماية الطبيعة ومقاومة المخاطر البيئية وضمان الأمن الغذائي والصحي”.

وهذه القضايا تحولت إلى محاور أساسية في النقاش في الفضاء العام، وكذلك إلى أحد المحددات والموجهات الأساسية في التصويت في الانتخابات المحلية والجهوية والوطنية، حسب المختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي.

ما التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة هذه المشكلة؟

لفت سالمي إلى أنه على مستوى الإجراءات السريعة لمواجهة مشكلة الجفاف، “جرى إطلاق برامج للتحكم في التبذير والتقشف في استعمال المياه في كل الولايات المتضررة”. وأما على المستوى المتوسط والبعيد، فقال إنه “لا توجد حلول جاهزة ومحسومة نهائيًّا”.

وقال المختص في سياسات البيئة والأمن الغذائي والطاقي إنه توجد عدة حلول مطروحة ومحل نقاش بين مختلف الأطراف المعنية بوضع السياسات البيئية والصناعية والزراعية. وأوضح سالمي أن هذه الحلول تشمل “مقترحات تدعو إلى تغيير النشاط الزراعي والصناعي والتوجه إلى مجالات جديدة”.

وأضاف أنها تشمل “مقترحات تعول على دعم البحث العلمي والتكنولوجي لإيجاد حلول تمكن من تحلية ماء البحر، وتدعو إلى تطوير برامج الطاقات النظيفة وإيجاد حلول علمية وتكنولوجية لدعم القدرة على تخزينها وترشيد استهلاكها، وتطرح تدعيم القدرة الهندسية على التغذية الاصطناعية للمائدة المائية”.

كيف يتحرك الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأزمة؟

أشار سالمي إلى أن المفوضية الأوروبية، أصدرت في السنوات الأخيرة عدة نصوص توجيهية وتأطيرية للسياسات يتحتم على البلدان الأعضاء إدماجها في مشروعات قوانين وفي مخططات رسم السياسات الوطنية في هذه المجالات.

وأضاف أنه جرى تخصيص تحفيزات ومساعدات مادية لاعتماد معايير جديدة في السياسات وفي الممارسة، تقع ضمن إطار مفهوم دعم الترابط بين استدامة النشاط الصناعي، واستدامة أنماط الإنتاج الزراعي، واستدامة حماية الموارد الطبيعية بمختلف مكوناتها، ومنها الماء.

وجرى أيضًا اعتماد مفهوم “البصمة البيئية” و”البصمة الزراعية” و”البصمة المائية” كمؤشرات في سياسات حماية وحسن استغلال وتنمية الموارد الطبيعية، ومعرفة الحجم الكلي للموارد المستخدمة بصفة مباشرة أو غير مباشرة لإنتاج المواد الاستهلاكية، وفق سالمي.

ربما يعجبك أيضا