خلافة “المهندس” في الحشد الشعبي تشعل الصراع بين النجف وطهران

يوسف بنده

رؤية

بعد إعلان تسمية مليشيات “الحشد الشعبي” في العراق عبد العزيز المحمداوي، المعروف باسم “أبو فدك” و”الخال”، بديلاً لقائدها العسكري أبو مهدي المهندس الذي لقي مصرعه مع زعيم “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع الشهر الماضي، أعلنت فصائل رفضها لاختياره.

ويتزعم “الخال” مليشيا “كتائب حزب الله”، الأكثر ارتباطاً بإيران، والمتهمة بسلسلة من الانتهاكات في العراق، أبرزها عمليات خطف وإعدامات جماعية على خلفيات طائفية، عددها بالآلاف خلال معارك طرد تنظيم “داعش” الإرهابي من المدن العراقية التي كان يسيطر عليها بين 2014 و2018، فضلاً عن دخوله أخيراً على خط قمع التظاهرات في بغداد ومدن جنوبية عدة، بينها خطف ناشطين ومتظاهرين وتغييبهم.

ورفضت أربعة فصائل عراقية مسلحة منضوية ضمن “الحشد الشعبي” تنصيب “الخال” بديلاً لأبو مهدي المهندس.

وأصدرت كل من مليشيا “فرقة العباس القتالية”، و”لواء أنصار المرجعية”، و”فرقة الإمام علي”، و”لواء علي الأكبر”، بياناً مشتركاً علقت فيه على تنصيب المحمداوي (أبو فدك) قائلة: “ليس لنا علم بأي تنصيب لمنصب نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” الآن”.

وبحسب البيان، فإن خطوة التنصيب “تحتاج إلى سياقات قانونية غير متوافرة الآن في ظل حكومتين، إحداهما تصريف أعمال، والأخرى لم يكتمل تكليفها”، معتبرة أن الفصائل المسلحة “التابعة للعتبات المقدسة” في النجف وكربلاء “قدمت رؤيتها لرئيس الهيئة، وتنتظر الردّ عليها رسمياً”.

وهذا الخلاف يعمق كثيراً بين الفصائل المعروفة بارتباطها المباشر مع النجف وكربلاء، وتلك التي يطلق عليها “الولائية”، التي ترتبط بإيران، وذلك بسبب عدم رضى بعض الفصائل المسلحة عن تسمية “الخال” بديلاً للمهندس في القيادة الميدانية للفصائل المسلحة.

وقد توسعت جبهة المعارضين للمحمداوي بعد الموقف الذي اتخذته 4 فصائل تعرف بأنها مقربة من المرجعية الدينية، وطالبت باختيار بديل لأبو مهدي المهندس وفقاً للسياقات القانونية، “ما يعني أن اختيار نائب جديد لرئيس الهيئة يجب أن يتم بعد التصويت على حكومة محمد توفيق علاوي”.

وعن سبب التحفظ على المحمداوي، فالأمر متعلق برغبة النجف وقيادات سياسية عراقية شيعية مختلفة في ما يسمونه “عرقنة قرارات الحشد الشعبي”، في إشارة إلى التأثير الإيراني الكبير بتلك الفصائل من خلال قيادات عراقية مرتبطة فكرياً وعسكرياً بـ”فيلق القدس” الإيراني، مثل أبو آلاء الولائي، وأكرم الكعبي، وقيس الخزعلي، وشبل الزيدي، وأبو فدك الذي سُمِّي بديلاً للمهندس في قيادة فصائل “الحشد”.

تنافس المرجعية

يبدو أن التنافس بين النجف وطهران على فرض النفوذ داخل هيئة الحشد الشعبي قد بلغ أشده هذه الأيام، فقد أثار خبر تعيين عبد العزيز المحمداوي، اعتراضات حادة وفورية من قبل الفصائل التابعة المرتبطة بالعتبات الدينية والمقربة من “المرجعية” في النجف.

وكثيرا ما اعترضت تلك الفصائل على “التهميش” الذي كانت تتعرض له منذ بدء الحرب على تنظيم داعش، كما أنها لم تنتظر توقيع رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي على أمر تعيين المحمداوي خليفة للمهندس لإعلان معارضتها لتلك الشخصية.

يذكر أن عبد العزيز المحمداوي، هو أحد أعضاء هيئة الشورى في كتائب حزب الله العراقية، وهو قيادي ميداني اشترك في الكثير من معارك تلك الكتائب، كما أن هناك اعتقادا واسعا بأنه يدير أحد معتقلات كتائب حزب الله في جرف الصخر.

وقد تناقلت وكالات الأنباء المحلية، خبر “تعيين” المحمداوي، المعروف أيضا بـ”أبو فدك المحمداوي”، رئيسا لأركان الحشد الشعبي، خلفا لأبو مهدي المهندس، بعد اتفاق هيئة شورى الحشد الشعبي على تعيينه. والفصائل المعترضة هي لواء أنصار المرجعية ولواء علي الأكبر وفرقة العباس القتالية وتشكيلات فرقة الإمام علي القتالية.

تدير العتبات الدينية “مراقد الأئمة” تلك الفصائل بشكل مباشر، كما إنها جهزتها بشكل كامل بعد فتوى “الجهاد الكفائي” التي أطلقها المرجع الأعلى علي السيستاني، واستمرت بدفع رواتب منتسبيها وتكاليف تجهيزها لسنوات.

وتتولى كتائب حزب الله العراقية مهمات الاستخبارات والتحقيقات والإدارة داخل هيئة الحشد الشعبي، كما إن مديرية إعلام الحشد خاضعة لنفوذها، وهي تتحدى أحيانا سلطة رئيس هيئة الحشد فالح الفياض على هذه المؤسسات.

في حال مرر تعيين المحمداوي على الرغم من اعتراضات فصائل المرجعية، فهذا سيعني دورا مباشرا أكبر للكتائب في قيادة الحشد، خاصة وإنها تعتبر على نطاق واسع أشرس الميليشيات الشيعية وأكثرها تنظيما وابتعادا عن الإعلام المباشر.

الصراع بين النجف وإيران

كانت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية قد كشفت عن تفاصيل الصراع بين النجف وإيران في السيطرة على الهيئة، بالقول إن “قادة بعض الفصائل المسلحة المنضوية في هيئة الحشد الشعبي، ومن خلال اجتماعات متكررة داخل وخارج العراق، توصلوا الى ترشيح أسماء لخلافة أبو مهدي المهندس، وبعد تنافس شديد بين المرشحين، تم عرضها على الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله المكلف من قبل طهران بإدارة حل النزعات بين فصائل الحشد، وافق في النهاية على اختيار شخصية قريبة لتوجهات الحرس الثوري الايراني وهو القيادي في كتائب حزب الله أبو فدك، استنادا الى مواصفات ومعايير تتناسب مع تحديات ومعطيات المرحلة الراهنة”.

وأضافت الصحيفة أن “نصر الله بدوره أطلع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على الأمر، وحصل على مباركته لترشيح أبو فدك إلى هذا المنصب لإدارة هيئة الحشد الشعبي في هذه المرحلة الحرجة، وأن الأمر قاب قوسين أو أدنى، لولا الرفض الشديد الذي أظهرته فصائل العتبات المقدسة المرتبطة بالمرجعية الدينية في النجف للأمر جملة وتفصيلا”.

وتشير الصحيفة البريطانية، إلى أن “تلك الفصائل اجتمعت برئيس هيئة الحشد فالح الفياض، وطالبته بإسناد المناصب العليا إلى المسؤولين المدعومين من النجف، لضرورة أن يكون الحشد الشعبي خاضعا للإرادة الوطنية، وبعيدا عن الفساد والمكاسب الاقتصادية والأجندات الإقليمية، وبخلاف ذلك فانها ستنشق عن الهيئة”.

نشأ هذا النوع من الصراع بسبب الفراغ الذي تركه اغتيال الرجل القوي في هيئة الحشد الشعبي ونائب رئيسها أبو مهدي المهندس، مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني يناير الماضي.

ورغم أن أقوى فصائل الحشد الشعبي مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ترتبط بإيران، إلا أن شرعية الحشد تستند إلى فتوى السيستاني، كونه مصدرًا لتشكيل الحشد بعد إصداره فتوى الجهاد الكفائي في العام 2014 والتي دعت العراقيين إلى التطوع لمحاربة “داعش” الذي كان قد استولى على ما يقرب من ثلث العراق، ما تسبب بحشد العشرات من الجماعات المسلحة، التي تضافرت جنبًا إلى جنب مع الفصائل القديمة لإنشاء مجموعة الحشد الشعبي، وهي منظمة حكومية يحميها القانون.

ربما يعجبك أيضا