دراسة جديدة لـ«تريندز».. الأزمة بين روسيا وأوكرانيا: قراءة في الأسباب وسياقات التطور المستقبلية

أسماء حمدي

رؤية

أبوظبي – نشر مركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، اليوم (الأربعاء) الموافق 2 فبراير 2022، ورقة بحثية جديدة  تتمحور حول الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، والتي أساسها الصراع حول المصالح والسياسات، والتي تتعلق حول مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وضم شبه جزيرة القرم لروسيا وفقاً لاستفتاء مارس 2014، التي كانت جزءاً من أراضيها قبل ذلك.

يقول الباحث بمركز «تريندز» الدكتور خالد شنيكات، في الورقة المنشورة تحت عنوان « الأزمة بين روسيا وأوكرانيا: قراءة في الأسباب وسياقات التطور المستقبلية، «إن وتيرة الأحداث بين أوكرانيا وروسيا، تتسارع والتي أساسها صراع حول المصالح والسياسات، فبينما تراقب روسيا بحذر وقلق ما يقوم به القادة الأوكرانيون فيما يتعلق بتوجهاتهم الحالية والمستقبلية تجاه العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، كما  تنظر أوكرانيا بقلق شديد حول ضم شبه جزيرة القرم لروسيا وفقاً لاستفتاء مارس 2014، التي كانت جزءاً من أراضيها قبل ذلك، كذلك الصراع الدائر في دونباس، ولوهانسك، وهما منطقتان من أراضيها أعلنتا انفصالهما عنها، وقد تم إعلان تشكيل جمهورية دونباس واستقلالها، وتتهم أوكرانيا روسيا بدعم المتمردين فيهما».

ويضيف: «إن لجديد في هذه الأزمة، هي الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا، التي طرحت تساؤلات ملحة، منها احتمالية انفجار الوضع وتحوله إلى حرب كبرى».

ويتابع: «لفهم المزيد عن هذه الأزمة سنعالجها من خلال البُعد التاريخي، واتفاقات مينسك والخلاف على تطبيقها، والأطراف الفاعلة، ومصالح الأطراف كافة في الأزمة، وما تثيره من مسائل تتعلق بصراع الهويات والتوجهات الاستراتيجية لكل من روسيا وأوكرانيا حتى للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وحول احتماليات تطور هذه الأزمة إلى صراعٍ أو حرب كبرى».

ويشير إلى أنه سيتم تناول تلك السيناريوهات، معتمدين على قراءة مواقف الأطراف الفاعلة ومصالحها في ذلك، وعلى البُعد الاستراتيجي، ودور الجغرافية السياسية في تقرير مسار الأزمة.

واستعرض الباحث – خلال الورقة البحثية-  بداية الأزمة الحالية والتي تعود إلى 21 نوفمبر 2013 عندما أوقف الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا في ذلك الوقت فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتبع هذا الإيقاف تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، وصدامات بين التنظيمات الانفصالية والقوات الحكومية الأوكرانية، في العاصمة الأوكرانية[1]، وتفاقم الوضع أكثر في المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لروسيا، وما يميّز هذه المناطق، أن الغالبية من سكانها تتحدث اللغة الروسية، وداعمة للرئيس يانوكوفيتش.

وأوضح أنه مع اشتداد الاحتجاجات من قِبل معارضي قرار الرئيس، وتحولها إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزل الرئيس في 22 شباط 2014 من قِبل البرلمان، وفراره، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه[2]، ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي من المناطق التي كانت تتمتع بحكم ذاتي، وفرضت كنتيجة للوضع اتفاقات لوقف إطلاق النار، اعتبرتها أوكرانيا غير مناسِبة لها، كما نشبت حرب في أوبلاست دونيتسك ولوهانسك أوبلاست بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية.

 ولفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قد ردت بفرض عقوبات على روسيا نتيجة غزوها القرم، لكن العقوبات لم تترك أثراً فعلياً على الاقتصاد الروسي، فالاقتصاد الروسي بقي مستقراً، وقد أسهمت أسعار النفط الروسي في إبقاء الاقتصاد الروسي على ذلك، والأهم أن روسيا تعمل على امتلاك أداة ضغط قوية في السيطرة على سوق النفط وذلك من خلال سيطرتها على خط أنابيب “نورد ستريم 2” الذي يجعل ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي؛ خاصة أن إجراءات بناء الخط تسير على قدم وساق رغم بعض الصعوبات.

ويرى شينكات، أن نجاح روسيا على أرض المعركة لم يماثله نجاح دبلوماسي منذ ذلك الوقت، حيث تبين لاحقاً أن بروتوكول مينسك خاسر لكل من أوكرانيا وروسيا؛ فقد تراجع نفوذ روسيا بشكل مستمر منذ عام 2015 – مع احتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها – ووقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، وهذا يعني دخولها ضمن الإطار الأوروبي، وهو هدف أساسي لها، ثم سعت بشكل حثيث للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ورغم أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتهم في تطور مستمر.

ويقول إنه فيما يتعلق بأوكرانيا؛ فإنها لم تستعِد أراضيها، وفشلت العقوبات الأمريكية والأوروبية في دفع روسيا للانسحاب، وبقي الصراع صامتاً مستقراً ولم يتطور إلى مواجهة كبرى حتى اللحظة، أما على الجانب العسكري، فإنه منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، تطوَّر أداء الجيشين الأوكراني والروسي كثيراً، مع تفوق نوعي وكمي لصالح روسيا.

يضيف: «إن النزاع الذي بقي مستقراً أو من النوع المحدود، بعد انحسار القتال في شرق أوكرانيا عام 2016،  عاد ليصبح قابلاً للانفجار مع إعادة تموضع القوات العسكرية الروسية على الحدود المتاخمة لأوكرانيا والتي تتجاوز دورتها التدريبية المعتادة، وهو ما فسّره مراقبون كثيرون بأنه غزو عسكري وشيك[3]، حيث تحركت القطاعات العسكرية الروسية لآلاف الكيلو مترات وبأعداد تصل إلى عشرات الآلاف إلى الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم».

وأشار إلى أن المعارك المستمرة منذ نشوء الصراع أدت إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص[4]، وهو عدد كبير، لكنه سيكون ضئيلاً لو تحول الصراع إلى صراع شامل بين روسيا وأوكرانيا بشكل مباشر؛ ولأن الأزمة الحالية أساسها الخلافات على اتفاقات مينسك وحول كيفية تطبيقها، فإننا سنعرضها في الجزء الثاني.

ولفت إلى توقيع اتفاقات مينسك بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين برعاية روسية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وكان الاتفاق الأول في سبتمبر 2014 في مينسك عاصمة بيلاروسيا، لكن هذا الاتفاق فشل لأنه غير كافٍ ولم يكن واضحاً، فتم الذهاب إلى اتفاق مينسك الثاني، لكن كلا الاتفاقين دار عليهما جدل من قِبل أوكرانيا والانفصاليين، وفعلياً لم يتم التنفيذ، إذ إن الانفصاليين يتطلعون إلى تحقيق مكاسب أكبر وكذلك الحكومة الأوكرانية، وأوكرانيا تتهم روسيا بأنها تسعى إلى تنفيذ الاتفاق برؤية وأهداف روسية.

ويرى الباحث أن مصالح روسيا في خطر فيما يتعلق بالسياسات والسلوكيات التي تنتهجها أوكرانيا، حيث تسعى روسيا لإثبات نفسها بوصفها لاعباً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً في منطقة لطالما اعتبرت ضمن المصالح الحيوية لروسيا أي أوكرانيا، وبالتالي إذا ما تم تهديد هذه المصالح بشكل فعلي؛ فإن روسيا قد تستخدم القوة لإجهاض هكذا محاولات، بما فيها غزو أوكرانيا رغم أن هذا لايزال عليه الكثير من القيود التي سنناقشها لاحقاً.

وقال: «إن روسيا غيّرت من رؤيتها لمصالحها في أوكرانيا، وبالتالي خطوطها الحمراء، التي أصبحت ترى أن هذه الخطوط لم تعد تتناول عضوية أوكرانيا في الناتو فقط، بل رفض التعاون الدفاعي المتزايد بين أوكرانيا والغرب بشكل كلي أيضاً، كما تسعى روسيا إلى مراجعة الاتفاقات والتسويات التي تمت ما بعد الحرب الباردة، ومن ضمنها استعادة المنظومة الإقليمية ليكون لها دور في الأمن الأوروبي، وبالتالي تريد روسيا ضمانات غير مشروطة لأمنها اليوم ومستقبلاً، ولن تقبل بتمدد الناتو شرقاً ليشمل أوكرانيا كما قال بوتين.

ولفت إلى أن روسيا تعتنق مبدأ أو عقيدة أن العالم اليوم عالم متعدد الأقطاب، وأن عصر الأحادية القطبية قد انتهى، وبالتالي فإن التدخل أو الإدانة الأمريكية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والمعارك في شرق أوكرانيا وغيرها من السياسات الأمريكية هو تدخل في الشؤون الروسية الداخلية، حتى العقوبات الأمريكية فهي بالنسبة إلى روسيا غير شرعية.

كما تناول الباحث خلال الدراسة المصالح الأوكرانية حيث ترتبط أوكرانيا بحدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وهذا الموقع الجغرافي إما أن يجعل منها أداة وصل بين روسيا وأوروبا وإما أداة عزل، وتاريخياً تمتعت أوكرانيا بعلاقات اجتماعية وثقافية كبيرة مع روسيا كما سبقت الإشارة إليها، إذ إن أوكرانيا كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ولذلك اللغة الروسية تعد لغة التحدث على نطاق واسع، لكنها منذ استقلالها بعد الحرب الباردة أصبحت ترنو إلى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

إن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا تشير إلى إشكاليات متعددة، فالبُعدان الأمني والقومي عاملان أساسيان من عوامل الأزمة، ومحددات الجغرافيا السياسية حاضرة بقوة أيضاً، ولذلك فإن الفهم الأعمق للأزمة يكون من خلال ما تطرحه النظرية الواقعية من مفاهيم المصلحة القومية واعتبارات القوة والتوسع والعلاقة الصراعية بين الدول وهو ما حاولت أن تعالجه الورقة، فالقوة هي المحرك للأزمة كما أن الأمن والأحلاف والتوسع عوامل أساسية في تفسير ما يحدث، فروسيا تخشى التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والناتو، وما يمثل ذلك من مخاطر استراتيجية وأمنية على مصالحها، بل وتهديد لأمنها كما يتصوره القادة الروس، وكذلك مسألة نشر صواريخ الناتو في المنطقة وغيرها من القضايا التي ترتبط بما يسمى بالمصالح العليا High Politics للدول.

وتخلص الورقة البحثية إلى أن إن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا تشير إلى إشكاليات متعددة، فالبُعدان الأمني والقومي عاملان أساسيان من عوامل الأزمة، ومحددات الجغرافيا السياسية حاضرة بقوة أيضاً، ولذلك فإن الفهم الأعمق للأزمة يكون من خلال ما تطرحه النظرية الواقعية من مفاهيم المصلحة القومية واعتبارات القوة والتوسع والعلاقة الصراعية بين الدول وهو ما حاولت أن تعالجه الورقة، فالقوة هي المحرك للأزمة كما أن الأمن والأحلاف والتوسع عوامل أساسية في تفسير ما يحدث، فروسيا تخشى التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والناتو، وما يمثل ذلك من مخاطر استراتيجية وأمنية على مصالحها، بل وتهديد لأمنها كما يتصوره القادة الروس، وكذلك مسألة نشر صواريخ الناتو في المنطقة وغيرها من القضايا التي ترتبط بما يسمى بالمصالح العليا High Politics للدول، وعلى الجهة الأخرى، فإن الأوروبيين يخشون من روسيا وتمددها في المنطقة، وكذلك أمريكا، فاحتلال روسيا لأوكرانيا إن حدث، فهذا يعني تهديد بقاء دول أوروبية أخرى أيضاً، وهذه هواجس تشغل الأوروبيين، وبينما تسعى أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بغية تعزيز قوتها، وحماية أمنها القومي، فإن ذلك يعني ضمناً أن تصبح حدود الاتحاد الأوروبي على أبواب روسيا.

ربما يعجبك أيضا