دعوة لهجمات انتقامية.. هل تعيد الحرب الروسية الأوكرانية إحياء «داعش»؟

رنا أسامة

أيديولوجية تنظيم داعش لم تتبخر لكن التنظيم لم يعد قادرًا حتى على توجيه ما يُعرف بـ "هجمات الذئاب المنفردة".


دعا تنظيم داعش الإرهابي مؤخرًا أنصاره إلى استئناف الهجمات الإرهابية في أوروبا واستغلال انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية.

وفي خطاب بثّه عبر الإنترنت قبل أسبوع، طالب المتحدث باسم التنظيم، أبوعمر المجاهد، بالاستفادة من “محاربة الصليبيين لبعضهم”، على حد تعبيره، وشن موجة هجمات انتقامًا لمقتل زعيم داعش بغارة أمريكية بسوريا في وقت سابق من هذا العام.

أيديولوجية داعش لم تتبخر

منذ هزيمة داعش إقليميًّا في عام 2019، ثار جدل ونقاشات بين محللين بشأن إمكانية عودة التنظيم كتهديد رئيس، لا سيّما بعد محاولة هروب عناصر من التنظيم من سجن في الحسكة، شمال شرق سوريا، في يناير الفائت، فضلًا عن تبنّيه مسؤولية 45 هجومًا في سوريا شهريًّا خلال العام 2020، إلى جانب هجومين على الأقل في إسرائيل، واكتسابه قوة في أفغانستان وأجزاءٍ من إفريقيا خلال السنوات الماضية.

وتقول مجلة فورين بوليسي في تحليل نشرته يوم 26 إبريل الحالي، إنه من الصحيح أن أيديولوجية داعش لم تتبخر، لكنه لم يعد قادرًا حتى على توجيه ما يُعرف بـ “هجمات الذئاب المنفردة”، وهي الاعتداءات الفردية التي ينفذها مؤيدون أو عناصر مُنتمون للتنظيم دون الحصول على أي دعم لوجستي أو مادي.

عودة داعش في الغرب.. هل ممكنة؟

داعش في أوروبا

يرى محللون، بحسب المجلة، أن عودة داعش في الغرب “مُحتملة”، لكن لا توجد دلائل على ذلك حتى الآن، في وقت لم يعُد فيه التنظيم يملك القوة البشرية ولا الموارد لشن هجمات في الغرب، علاوة على فقده الشعبية التي كان يحظى بها سابقًا لإغراء الأوروبيين الساخطين لشن هجمات واسعة النطاق في الغرب.

وفي هذا الصدد، قال الباحث السويدي بمؤسسة سنتشري للأبحاث، آرون لوند، لـ فورين بوليسي: “لا أعتقد أن الحرب الأوكرانية مهمة كثيرًا في ما يتعلق بمصير تنظيم داعش”، مضيفا أن التنظيم يشن حملات دعائية “ليبدو أنه متصل بما يحصل اليوم، ومتشبثًا بالأحداث الجارية”.

داعش بلا “دولة جسدية”

يُظهر تحليل الهجمات التي تبناها داعش منذ سقوطه أنه لا يزال ضعيفًا، مُختزلًا نشاطه في مجرد توجيه نداءات للمتعاطفين معه في الغرب. ووفق فورين بوليسي، لم يعد للتنظيم “دولة جسدية” لعبت دورًا كبيرًا في جذب شباب مسلمين يعيشون على أطراف المجتمعات الغربية للانضمام إلى صفوفها، وكذلك لم يعد مُسيطرًا على آبار للنفط ويُحصّل ضرائب من السكان المحليين، وهي موارد استخدمها لإدارة شؤونه وتمويل الهجمات المتطرفة.

علاوة على ذلك، فإن التعاون الاستخباراتي بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية ونظيراتها في الشرق الأوسط أضحى أقوى بكثير مما كان عليه في السابق، مع ضبط عناصر داعشية في دول أوروبية، وإرسال “رسائل ردع” بمحاكماتهم القصيرة اللاحقة لمُجنّدين مُحتملين، ما يعني أن الانضمام إلى التنظيم لم يعد “جذابًا” ببساطة كما كان في السابق للمتطرفين المتمرّسين في أوروبا.

الحرب الروسية الأوكرانية.. هل شتتت الانتباه عن داعش؟

قال المدير الإداري لشركة استشارات المخاطر “جلوبال سترات”، أوليفييه جيتا، إن داعش لم ينفذ حقًا أي هجمات كبيرة في أوروبا منذ العام 2017، موضحًا أن 5 سنوات هي فترة طويلة جدًا بالنسبة لجماعة متشددة كانت في السابق في صدارة الخارطة الأمنية.

واستبعد جيتا أن تكون الحرب الروسية الأوكرانية شتّت انتباه الوكالات الأمنية الغربية، معتقدًا أنها لن تُحدث فرقًا في قدرة داعش على تنفيذ هجمات على الأراضي الأوروبية، موضحًا: “إذا كان بمقدورهم فعل ذلك (شن الهجمات)، كانوا سينفذونها منذ العام 2017 أو حتى خلال فترة الجائحة، وعدا أفغانستان وإفريقيا، التي وسّع فيهما التنظيم عملياته، تراجع في كل المناطق الأخرى، والخلافة تحولت إلى جزء ضئيل مما كانت عليه في العام 2015”.

ترنّح داعش.. هل تأثرت هجمات الذئاب المنفردة؟

داعش هجمات الذئب المنفردة

ذكرت المجلة أن الهجمات التي شنها التنظيم في ذروة نشاطه بأوروبا، وقعت في فرنسا وبلجيكا، مع تلقّي منفذيها تدريبات على الأراضي التي كان داعش يسيطر عليها في سوريا، لكن ترنّح داعش وغياب تلك الأراضي بعد دحر التنظيم قلل من فرص تنفيذ عمليات كبيرة، رغم أن فرص شن عمليات الذئاب المنفردة لا تزال واردة.

ولفتت إلى أن ارتفاع التعاون بين الوكالات الاستخباراتية الأوروبية ساهم في دحر عديد من هجمات داعش. وتمكنت ألمانيا من إفشال 9 عمليات تفجيرية بين عامي 2015 و2020، وحاكمت عضوًا في التنظيم شارك في قتل 700 سوري في العام 2014، وكذلك اعتقلت دول أوروبية أخرى عناصر من التنظيم.

شخصيات مثيرة للشفقة لا أبطال

بحسب فورين بوليسي، تُعد أوروبا موطنًا لمليون لاجئ سوري، وتعتقد الأجهزة الأمنية أن كثيرين منهم دخلوا دون وثائق أو بهويّات مزورة، من ضمنهم عناصر في داعش. لكن عديد من هؤلاء اللاجئين من ضحايا التنظيم أيضًا ممن ساهموا في التعرّف على أعضاء داعش وتقديمهم إلى العدالة.

وبرزت 3 محاكمات لعناصر من داعش في فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، بينها محاكمة صلاح عبدالسلام المتهم بضلوعه في تنفيذ الهجمات الإرهابية في باريس عام 2015، وظهر في محاكمته طالبًا العفو من الشعب الفرنسي. بحسب المجلة، فإن شهادات أعضاء التنظيم أو أولئك الذين نفذوا هجمات باسمه، تُجسدهم “كشخصيات مثيرة للشفقة، لا كأبطال الإسلام الواجب الاقتداء بهم وتمجيدهم”.

كيف يمكن مواجهة تهديد داعش؟

هجمات داعش

سعيًا للنهوض مُجددًا، يحاول داعش باستماتة تجديد الدعم بين المسلمين الذين يشعرون بأنهم مُهمّشون في الغرب، آملًا في أن يشن مجنّدون مُحتملون هجماتهم الخاصة التي يمكن أن يستغلها التنظيم لاحقًا لاستعادة أهميته.

الحل الوحيد طويل الأمد لمواجهة مثل هذه الهجمات المحتملة، وفق فورين بوليسي، عبر بناء مجتمعات أكثر شمولًا وتكاملًا تتعايش فيها الثقافات المختلفة بسهولة، ما يعني بعبارة أخرى “للتخلص من تهديد داعش أو تهديد أي جماعة جهادية أخرى، يجب على الغرب أن ينظر إلى الداخل”.

ربما يعجبك أيضا