ذا دبلومات | الاقتصاد كلمة السر.. هل يمكن لنظام طالبان البقاء في السلطة؟

شهاب ممدوح

ترجمة – شهاب ممدوح

بعد سيطرتها على كابول في الخامس عشر من أغسطس، استغرقت حركة طالبان ثلاثة أسابيع لإعلان حكومة انتقالية. سيطر متشددون على جميع المناصب ضمن ما يُرجح أنه كان صراعًا على النفوذ مع بقية قادة الحركة. إن هذه الحكومة إقصائية للغاية فيما يتعلق بتمثيلها للجنس والعِرق والدين والآراء السياسية.

عندما أتت طالبان للسلطة لأول مرة عام 1996، كانت تتمتع بدعم شعبي نسبي وذلك بالنظر إلى الصراع بين مجموعات المجاهدين والذي أدّى إلى تدمير أفغانستان. لكن طالبان لم تحتفظ بالسلطة لزمن طويل، وجرى الإطاحة بها بعد غزو بقيادة أمريكا في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

مقارنةً مع أول تجربة حُكِم لها، وبالرغم من الفساد الهائل لحكومة أشرف غني وفشلها في تحقيق التنمية المطلوبة، إلا أن الجمهور الأفغاني الآن لم يعط إشارة لرغبته في عودة طالبان إلى السلطة. في هذه المرة، سيطرت طالبان على كابول بدعم داخلي أقل فيما يبدو، وهي الآن تواجه أوضاعًا دولية قاسية. أثناء عملية الانسحاب الأمريكي، سيطرت طالبان على كابول بسرعة مذهلة، ما فاجأ الكثيرين، ومن بينهم أعضاء طالبان. إن السياق المتغيّر أجبر الحركة فجأة على مواجهة الواقع الصعب المتمثل في إدارة دولة في ظل ظروف مُقيِّدة، ما يثير تساؤلات بشأن مدى قدرتهم على البقاء في السلطة في المستقبل القريب اعتمادًا منهم فقط على القوة العسكرية.

الاقتصاد.. العامل الحاسم

ربما يكون الاقتصاد هو أكبر تحدٍّ سيواجه حركة طالبان. بعد سيطرتها على الحكم، قطع شركاء التنمية علاقاتهم، وفرضت مؤسسات اقتصادية دولية ووكالات مانحة قيودًا على أفغانستان. بالرغم من تحقيقها نموًا اقتصاديًّا سريعًا في العقد الماضي، فشلت أفغانستان في بناء اقتصاد وطني مكتفٍ ذاتيًّا. تعيش أفغانستان فقرًا مدقعًا ويبلغ نصيب الفرد فيها 500 دولار من الناتج القومي المحلي، كما تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها 90 بالمائة. تعتمد نحو 80 بالمائة من ميزانيتها السنوية على الولايات المتحدة ومانحين أجانب آخرين.

تسيطر الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى على معظم أصول البنك المركزي الأفغاني البالغة قيمتها 10 مليارات دولار، فيما أعلن وزير الخزانة الأمريكي بالفعل أنه لا يخطط للإفراج عن الأصول الأفغانية، وجمّدت دول غربية أخرى أصولًا وألغت أيضًا صفقات مالية، كما علّق البنك الدولي ووكالات إغاثية أخرى مساعداتها.

لا يملك البنك المركزي الأفغاني القدرة على طبع عملات. قبل سيطرة طالبان على السلطة، كان البنك المركزي الأفغاني يتوقع تسلّم 2 مليار أفغاني في شكل أوراق مالية من فئات صغيرة من شركة عملات بولندية بحلول أغسطس 2021، فضلًا عن 100 مليون أفغاني أخرى من شركة فرنسية في العام المقبل. لكن سيطرة طالبان على السلطة جعلت عمليات التسليم أمرًا غير مؤكد.

لقد ساهمت هذه الردود الدولية والوطنية في خلق أزمة سيولة شديدة في البلاد. إن طالبان عاجزة عن دفع رواتب موظفي الحكومة، وبات الناس لا يمتلكون نقودًا، وأسعار السلع الأساسية تشهد ارتفاعًا هائلًا، في حين تعاني البلاد من انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، ونقص شديد في الوقود. في نهاية المطاف، ألحقت الأزمة الاقتصادية ضررًا شديدًا بقطاع الصحة، حتى الأدوية الأساسية نفدت في المستشفيات العامة.

إن هذا الوضع الاقتصادي القاتم، بالإضافة إلى الخشية من تطبيق الحركة الصارم للشريعة في الأشهر المقبلة، أجبر آلاف الأفغان على محاولة القيام بعمليات عبور يائسة للحدود. إن الخروج الهائل للبيروقراطيين والعمال الماهرين والمثقفين والشخصيات العامة، سيؤثر بالتأكيد تأثيرًا شديدًا على الدولة، كما أن إحجام جميع سفارات أفغانستان في الخارج عن إظهار ولائها للحكام الجدد يعرّض نظام طالبان للخطر.

هل يمكن للصين وباكستان إنقاذ طالبان؟

بالرغم من كون طالبان كيانًا دوليًا مارقًا، إلا أن باكستان والصين تقدمتا لإنقاذها. وفرت الدولتان مساعدات طارئة ودعتا المجتمع الدولي للانخراط مع النظام. إن الإنجاز الأهم لجهاز الاستخبارات الباكستاني كان انتهاز الفرصة التي أُتيحت بفضل الصراع بين الفصائل المختلفة التابعة للمجاهدين المدعومين غربيًا، بعد سقوط حكومة كابول الشيوعية عام 1992، ومساعدته مجموعة بعينها على تشكيل حركة طالبان.

ولا ريب أن طالبان هي ربيبة باكستان وأداة مهمة في احتفاظ الأخيرة بمصالحها الجيوسياسية في المنطقة. بالتالي، من مصلحة باكستان العليا الإبقاء على طالبان في السلطة بأي ثمن. لكن، بالرغم من هذا الدعم، لم تخاطر باكستان بالاعتراف رسميًّا بطالبان خشية من عزلتها عن بقية العالم. كما أن المؤسسة الحاكمة في باكستان قلقة من حركة “طالبان باكستان” التي شنت العديد من الهجمات في باكستان وتتمتع بعلاقات وثيقة مع طالبان أفغانستان.

تواجه باكستان معضلة؛ فمن جهة لا ترغب في خسارة طالبان كأداة فعّالة، لكن من جهة أخرى، هي تخشى من تكرار تجربة طالبان في باكستان نفسها، إلى جانب هذه العوامل، فإن اقتصاد باكستان الفقير يمنعها من تقديم دعم مالي وسياسي ضروري لطالبان.

وتمامًا مثل باكستان، تواجه الصين مشاكلها الخاصة؛ فالصين قلقة بشأن استثماراتها ومصالحها التجارية في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته قلقة من تعزز وضع حركة “حركة تركستان الشرقية الإسلامية” في حال بقيت طالبان في السلطة. وتتهم الصين هذه الحركة بأنها تابعة لمجموعة متطرفة من الأيغور. تشعر روسيا هي الأخرى بحذر، وتفكر فيما إذا كان ترسُّخ حُكم طالبان سيعزز بطريقة غير مقصودة من الإسلام السياسي في وسط آسيا وبعض أجزاء من روسيا.

بالنسبة لطالبان، فإن أكبر تحدٍّ هو ضمان معيشة 38 مليون أفغاني، ومن دون مساعدة دولية هائلة، وفي حال اعتمادها فقط على دعم الصين وباكستان، لن تكون قادرة على حُكم البلاد. إن مواصلة حركة طالبان اتباع نهج ديني متطرف ربما يعزلها عن الصين وباكستان؛ ما يعمّق من الأزمة الاقتصادية.

ماذا بعد؟

ربما تزيد الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة وتحديات الحُكم في أفغانستان من التوترات الداخلية في الأشهر المقبلة، ويمكن لفصيل وحشي تابع لـ “شبكة حقاني” أو فصيل جديد آخر، أن يشكّل تحديًا للحكام الجدد، ويشعل اقتتالًا داخليًّا شديدًا شبيهًا بالصراع الذي اندلع بين مجموعات المجاهدين في التسعينيات. في الأسابيع المقبلة، ربما يزيد تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، والذي يستقطب أعضاءه من صفوف طالبان ومجموعات متشددة من باكستان، هجماته على الحكومة المؤقتة، كما هاجمت طالبان الحكومة السابقة المدعومة غربيًّا، كما أن فصائل المجاهدين التي أُطيح بها مؤخرًا يمكن أن تعيد تجميع صفوفها وتعمل على مقاومة طالبان أيضًا.

ضمن صراعها مع الشيوعية، عملت الولايات المتحدة على رعاية الإسلاميين، عوضًا عن المساعدة على تشكيل قوى ديمقراطية علمانية في أفغانستان، كما وزعت الولايات المتحدة أيضًا كتبًا مدرسية مناهضة للسوفييت وذات طابع جهادي، دون أن تدرك التداعيات المستقبلية على السياسة العالمية.

تميل وسائل الإعلام لتجاهل حقيقة أنه في السنوات العشرين الماضية، عملت القوى الغربية على حماية جمهورية أفغانستان الإسلامية، التي كانت تديرها حكومة معتدلة لكن إسلامية. هزمت حركة طالبان الأكثر تطرفًا هذه النسخة من الإسلاميين، لكن أعداء طالبان الحاليين (تنظيم داعش في أفغانستان) هم أكثر تطرفًا منها.

ونهايةً، يواجه الشعب الأفغاني مصيرًا مشؤومًا يتمثل في أنه في ظل غياب ديمقراطيين ليبراليين أو قوى يسارية، ستظهر قوى أكثر تطرفًا من طالبان ستسعى للسيطرة على السلطة، ولا شك أن الاقتتال الداخلي بين الإسلاميين المتطرفين هو المسار النهائي لأفغانستان في المستقبل المنظور.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا