رؤية “خامنئي” التنموية الجديدة .. مجموعة من التعاليم الثورية والمذهبية

يوسف بنده

رؤية

يوم الأحد ١٤/١٠/٢٠١٨ أصدر المرشد الأعلى الديني في إيران، بلاغاً للمؤسسات، والمراكز العلمية، والنخب وأصحاب الرأي في البلاد طالب فيه بدراسة عميقة للأبعاد المختلفة التي تحملها وثيقة “النموذج الإسلامي الإيراني التأسيسي للتقدم” والإدلاء بالآراء الاستشارية من أجل تكميل وتطوير هذه الوثيقة التي تتمحور حولها شؤون البلاد.

وطلب خامنئي في بيانه، من المختصين إعداد مشروع ” نموذج التنمية الإيراني ” لمدة عامين.

وحسب تعليمات خامنئي فان المشروع سيدخل حيز التنفيذ في عام 2021 وان الهدف من المشروع برفع مستوى ايران بحيث تحتل المركز الرابع بين دول القارة الآسيوية، والسبعة الأولى بين دول العالم.

التخطيط طويل المدى

التخطيط طويل الأمد وطرح الرؤية لتحقيق أهداف الحكم، له تاريخ طويل في بلدان العالم. في شكلها الحديث، يمكن اعتبار الدول الشيوعية هي المؤسس الرئيسي للتخطيط الحكومي، حيث حاولت السيطرة على جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال منظومة مركزية.

وبمرور الوقت، ومع تطور الاقتصاد الحر القائم على القطاع الخاص، تغيّر نهج التخطيط طويل الأمد في العالم، من الإلزام إلى التوجيه، ومن الأهداف المحددة إلى الأهداف الاستراتيجية. وبدلاً من مطالبة قطاعات مختلفة من المجتمع بالتوجه نحو أهداف البرنامج، تم تعريف السياسات والاستراتيجيات بنحوٍ يضع الحافز الفردي والجماعي ضمن أغراض البرنامج، ومن خلال تحفيز أفراد المجتمع، تتحقق الأهداف.

في إيران

يقول المحلل الاقتصادي الإيراني، آرش آزرمي في تقرير له: تعود سابقة التخطيط وطرح الرؤية الطويلة الأمد في إيران إلى عام 1948، وبدأت بالبرامج الخمسية الأولى للتنمية، واستمرت حتى الثورة عام 1979، ضمن فترات زمنية “خمسية”.

وبعد تغير النظريات العلمية المتعلقة بالتخطيط واستحداث مفاهيم مثل “رؤية عدة عقود على أساس الدراسات المستقبلية”، وبعد ثلاثة برامج من خطط التنمية الخمسية بعد الحرب، تمت صياغة وثيقة رؤية 2025 في عام 2003 لتحديد آفاق الـ20 عامًا المقبلة لجمهورية إيران الإسلامية، وتقرر وضع برامج التنمية الخمسية في إطار هذه الوثيقة.

لکن عمليًا، ومع اقتراب نهاية برنامج رؤية ايران 2025 الطويلة الأمد (التي تغيرت بعد ذلك إلى 2021)، لم تخفق أهداف هذه الوثيقة فحسب، بل واجهت البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية وسياسية كبيرة، مما يضع البلاد في كثير من المؤشرات، خاصة في مجال الاقتصاد، في ظروف غير ملائمة أكثر من ذي قبل، ویرى الخبراء أن عدم ترجمة أهداف وثيقة “الرؤية” إلى برامج واضحة، قصيرة الأمد ومتوسطة الأمد، وعدم وجود الانسجام والتنسيق وعدم وضوح بعض أهداف الوثيقة، والفروق بین مجال التخطيط والتنفيذ في إيران بسبب عدم وجود اللغة المشتركة والهیکلة الحكومية وشبه الحكومية المقاومة للتغيير هي من أهم الأسباب فی عدم ترجمتها على أرض الواقع.

وليس واضحًا الآن ما هو دور وثيقة الرؤیة الجديدة الطويلة الأمد “لـ50 عامًا”، التي يطرحها المرشد علي خامنئي، نظرًا للتجربة غير الناجحة السابقة؟ وکیف تريد السلطات تحقيق أهداف الوثيقة في الظروف الحالية وفي ظل أكبر التحديات البيئية ولاقتصادية والأوضاع السیاسیة الدولية.

الأجزاء المهمة في النموذج “الإسلامي- الإيراني”

ويستطرد المحلل الاقتصادي الإيراني، آرش آزرمي في تقريره: في قسمي المبادئ والتطلعات في هذا النموذج المطروح، قد تكون الجملة الرئيسية أن المبادئ والتطلعات، هي “الضامن للواجهة الإسلامية”. الطروحات المدرجة في هذين القسمین هي في الواقع تعاليم دينية ومذهبية ومثل علیا للمجتمع إلاسلامي، نجد مثلها الكثير في معظم الكتب الدينية والأخلاقية، وفي العقود الأربعة التی مرت علی الثورة الإسلامية، في حين أن المجتمع الإيراني من الناحية العملية يواجه أزمات اجتماعية وثقافية، وهي في حد ذاتها مسألة تفصيلية تخرج عن مجال هذا المقال واختصاص الكاتب.

وكذلك في قسمي “رسالة وآفاق” لهذه الوثيقة، حيث تم التركيز على قضايا مثل العلوم الإنسانية الإسلامية، والمجتمع الديني، واستمرار قيادة الرجل العادل والشجاع والقوي وما شابه، وبالنهاية يرد أن تكون إيران “بين البلدان الأربعة الأولى في آسيا، والسبعة الأولى في العالم، من حيث المستوى العام للتقدم والعدالة”، وهو مؤشر غير شفاف وغير قابل للقياس مع المعايير الدولية.

ربما كان القسم الأكثر وضوحًا في الوثيقة هو “التدابير أو السياسات العامة”، حيث نركز في هذا المقال فقط على المجالات المالية والمصرفية، باعتبارها المحور الأساسي للأزمة الاقتصادية الأخيرة في إيران.

وجاء في الفقرة العشرين من الوثيقة “الخمسنية”: “الالتزام بمبادئ وأسس الإسلام في الأهداف وبنية القرارات والسياسات وإنشاء المؤسسات الاقتصادية والمالية”.

كما تمت الإشارة إلى بعض الحلول المقترحة لحل المشاكل وتحقيق الأهداف العلیا في الفقرة الثالثة والعشرين: “تحقيق العدالة في الهیکلة القانونية للمنظومة المصرفية من خلال وضع الانضباط النقدي، والتخلص من الربا في القروض، والتوزيع العادل لخلق الأموال البنکیة، واستفادة جمیع أفراد المجتمع من الخدمات المالية بصورة عادلة”.

ولكن هل مشاكل النظام المصرفي في إيران تحل من خلال هذه الوصفات؟ أم أنها ستكون مصدرًا للأزمات؟

النظام المصرفي غير الربحي- باعتباره نسخة إسلامية من النظام المصرفي الحديث في العالم- لم يتمكن من توفير الظروف المطلوبة لتمويل الاقتصاد الإيراني، بصورة ناجحة خلال الأربعة عقود الماضية.

ووفقًا لمعايير المحاسبة الدولية الجديدة (IFRS)، فإن معظم البنوك الإيرانية إما مفلسة أو على حافة الإفلاس، ويمكن ملاحظة ذلك في تقارير إعلان الخسائر المتتالية بواسطة بنوك البورصة.

ویبدو أن الترکیز على التوطين فی السنوات الأخیرة، خاصة في مجال العلوم الإنسانية، أصبح محط اهتمام السلطات الإيرانية وكانت النتيجة رفض الإنجازات البشرية في مجالات مهمة مثل الاقتصاد.

وبالمحصلة فإن “هذا كلام نظري ولا یمکن تطبیقه عملیًا علی الاقتصاد الإیراني”، یروج عنه في منصات مختلفة هذه الأيام، ويمكن مشاهدته بین سطور هذه الوثيقة، خاصة في المجالات الاقتصادية، ونظرًا للسوابق المحلية والدولية لهذه الحركات، فتبقى وثائق من هذا النوع فقط للذكريات في رفوف المكتبات، وعملیًا الحقائق المحلية والدولية هي التی تحدد الأوضاع المستقبلية لإيران.

حماية الطابع الثوري

ويقول المحلل السياسي، مهدي خلجي، من غير المتوقع إصدار النسخة النهائية من هذا النموذج قبل مرور عدة أشهر، لذلك قد يكون الترويج لمسودة في هذه الفترة محاولة لمعالجة بعضٍ الصعوبات الحالية التي تواجهها طهران، من بينها الضغوط الأميركية المتزايدة والضربات الاقتصادية المتعاقبة، وتصاعد الشكوك العامة حول استمرارية النظام وشرعيته.

وفي جوهرها، تكشف إرشادات الوثيقة، الرؤية المزدوجة التي يضعها خامنئي نصب عينيه لتحقيق الهيمنة الإقليمية، إن لم تكن العالمية، وهي:-

أولاً أسلمة كافة أوجه الحياة بما يعنيه ذلك من مواصلة مقاومة الأفكار الغربية للنظام الدولي والسياسة والثقافة؛ ثانياً استخدام الإنجازات العلمية المتقدمة لتحقيق اكتفاء إيران الذاتي من الناحية التكنولوجية. باختصار، يبدو أن النظام يراهن على اقترانٍ أعمق بين الإيديولوجية الأصولية والتقنية العصرية.

تحذير للغرب

بالإضافة إلى التماسه رأي المؤسستين الأكاديمية والدينية بالنموذج، أوعز خامنئي إلى الفروع الحكومية وهيئات النظام المعنية بصنع القرار بترجمة أهداف الوثيقة إلى خطط عملياتية قابلة للتطبيق.

فالنسخة النهائية من الوثيقة ستصبح عند صدورها المجموعة الرسمية من المبادئ التوجيهية لجميع القرارات الحكومية اعتباراً من مطلع السنة الأولى من القرن الخامس عشر حسب التقويم الفارسي، أي عام 2020.

وتتمحور الاستنتاجات الرئيسية التي خلص إليها النموذج بصيغتها الراهنة حول “حماية الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التهديدات، وتوسيع ميليشيا “الباسيج”، وتعزيز إمكانيات الدفاع والردع في البلاد”. كما تدعو إلى “الترويج للوحدوية الإسلامية” و”توطيد وحدة المسلمين” وذلك تحديداً من خلال “التشديد على عقيدتهم المشتركة … وتشجيع الحركة الجهادية في العالم الإسلامي، ودعم حركات التحرير الإسلامية، والدفاع عن حقوق الفلسطينيين”.

ربما يعجبك أيضا