رغم عودة الحياة إلى طبيعتها.. زخم «العمل عن بعد» لا يزال مستمرًا

سارة كريم

فرضت جائحة كورونا موضوع العمل من المنزل على طاولة البحث، إلا أن أساتذة كليات إدارة الأعمال كانوا يدرسونه قبل ذلك بسنوات


مع انحسار متحور “أوميكرون”، يصارع قادة الأعمال في كل مكان لجعل العمل من المنزل من سمات مؤسساتهم.

فهل يجب التحول تمامًا نحو العمل عن بعد، وتوفير أموال العقارات، بغض النظر عن الإضرار بالإنتاجية أو الثقافة؟ أم المطالبة بعودة الموظفين إلى دوام كامل، مع المخاطرة كذلك بفقدان الكوادر أمام المنافسين الأكثر مرونة؟

العمل عن بعد لن ينتهي

بحسب تقرير بلومبرغ، يعد نظام العمل الهجين أكثر إقناعًا بالنسبة إلى الكثيرين، لكنه مزعج في الوقت ذاته. وتقول الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب “ثورة العمل عن بُعد: النجاح من أي مكان” تسيدال نيلي، تقول: “الناس يدركون أن العمل عن بعد لن ينتهي، وهم قلقون بشأن فعل ذلك بالطريقة الصحيحة”.

نقلاً عن بيانات استقصاء الموظفين، تقول نيلي إن 70% على الأقل من العاملين في صناعة المعرفة، يريدون أن يوفر مكان العمل نظام العمل الهجين، لذا فإن تقديم مثل هذه الترتيبات أصبحت أمرًا حاسمًا لجذب الكوادر والمحافظة عليها، باعتبارها اتجاهًا شاملًا للإقلاع عما يُعرف باسم “الاستقالة الكبرى” المستمرة.

التحديات المعقدة

يتوقع نحو 20% من الموظفين أو من أسمتهم نيلي بـ”السكان المحليين عن بعد”، الذين انضموا إلى الشركات في أثناء تفشي الوباء، مواصلة العمل من المنزل، حتى بعد أن يصبح “كوفيد-19” مستوطنًا.

يؤدي ذلك إلى مجموعة من التحديات المعقدة: فهل يجب على الموظفين اختيار الأيام التي يعملون فيها من المكتب؟ وكيف يجري تنسيق الجداول، بحيث يكون الأشخاص المناسبون في المكان ذاته وفي الوقت ذاته؟ كيف يمكنك التأكد من أن المديرين لا يلجؤون إلى التمييز بين العاملين عند الجدولة، أو عندما يتعلق الأمر بالترقيات وزيادة الرواتب؟

العمل الهجين للجميع

أستاذة ممارسة الإدارة في كلية لندن لإدارة الأعمال، ليندا جراتون تقول إنها وضعت كتابها “إعادة تصميم العمل: كيفية تحويل مؤسستك وجعل العمل الهجين للجميع”، لمساعدة الشركات على معالجة هذه الأسئلة، وإنها أجابت عن هذه الأسئلة في أقل من عام.

يحدد الكتاب عملية من 4 خطوات لمساعدة الشركات على فهم التحديات التي تواجهها وتخيل مناهج جديدة واختبار تلك الأفكار وتنفيذها. وتقول جراتون: “لم أر أبدًا مثل هذه الفرصة المذهلة لإعادة تصور العمل خلال الثلاثين عامًا التي قضيتها في كلية لندن للأعمال. وقد لا يتكرر هذا الأمر مرة أخرى”.

صراع الرغبة والمصلحة

أستاذ الإدارة في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، بيتر كابيلي، تحدث في مقالاته ومحادثاته وكتابه “مستقبل المكتب: العمل من المنزل، والعمل عن بُعد، والخيارات الصعبة التي نواجها جميعًا”، عن أنه على الرغم من رغبة معظم الموظفين في العمل عن بُعد، فإن هذا قد لا يكون دائمًا في مصلحة الشركة.

وتصدرت شركات التكنولوجيا، ومن بينها “تويتر” و”فيسبوك” خلال العام الماضي العناوين الرئيسة بعد إعلانها أن العديد من الموظفين يمكنهم العمل عن بُعد بشكل دائم. ولا تزال البنوك، بما في ذلك “جولدمان ساكس” و”جيه بي مورجان تشيس آند كو”، تخطط لإعادة معظم موظفيها إلى مكاتبهم في أقرب وقت ممكن. فما الطريقة التي تميل إليها معظم الشركات في الوقت الحالي؟ يقول كابيلي: “أعتقد بأن معظم الشركات تتجاهل المشكلة، وتأمل أن تختفي”.

انقسام  أصحاب الأعمال

من أبرز النقاشات الحاصلة اليوم في أوساط الخبراء، مسألة العمل عن بُعد وما يتعلق بالإنتاجية، ويقول معظم الموظفين إنهم أكثر إنتاجية في العمل من المنزل، كما تظهر الاستطلاعات، لكن أصحاب الأعمال منقسمون بشأن هذا السؤال.

في دراسة أجريت في العام 2015، أظهر بلوم أن العاملين في مركز اتصالات صيني كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 13% عند العمل من المنزل، لكن كابيلي يحذر من أنها ليست بيئة مكتبية نموذجية، ويقول: “لم أر في الولايات المتحدة دليلًا ثابتًا على زيادة أو نقص الإنتاجية”.

الاختيار أو التنسيق

الأكاديميون سيتمكنون من التحول من استطلاعات الرأي والنظريات والتنبؤات اليوم، إلى تحليل بيانات العالم الحقيقي على مدار السنوات القليلة المقبلة، مع استمرار التجربة العالمية للعمل عن بُعد.

هذا الاحتمال مثير بالنسبة إلى بلوم، الذي يريد معرفة ما إذا كان ما يسميه “الاختيار أو التنسيق” سينتصر: هل سيختار الموظفون الأيام التي يأتون فيها كل أسبوع؟ أم أن المسؤولين من سيقررون متى يمكن للناس العمل من المنزل، يقول بلوم: “توقعي أن معركة التنسيق ستنتصر، لأن الناس عندما يأتون إلى المكتب يريدون أن يكونوا مع زملائهم”.

من ينتصر في معركة آليات العمل؟

يقتنع بلوم بأن الجدال بين الحضور شخصيًا والعمل عن بعد ونظام العمل الهجين انتهى. فبعد التحدث إلى أكثر من 300 شركة خلال العامين الماضيين، توصل إلى بعض الاستنتاجات التي تؤكد قراره بتركيز طاقته على مثل هذا الموضوع المثير مع التداعيات الهائلة على الاقتصاد العالمي.

يؤكد بلوم أن السماح بالعمل من المنزل لا يرفع الإنتاجية بشكل طفيف فقط، لكن يحسن من معدلات الاحتفاظ بالموظفين بشكل ملحوظ، ما يمنح المؤسسات الحافز الذي تحتاجه للسماح للموظفين بتسجيل الدخول. ويقول بلوم: “لقد انتهت تلك المعركة، وفاز نظام العمل الهجين”.

ربما يعجبك أيضا