ريشي سوناك.. أول رئيس وزراء بريطاني «ملون» في مرمى العواصف

رنا أسامة

يتولى ريشي سوناك زعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء المملكة المتحدة في وقت عاصف في تاريخ بريطانيا.. فماذا نعرف عن رئيس الحكومة الجديد؟


تولى الزعيم الجديد لحزب المحافظين في بريطانيا، ريشي سوناك، منصبه رئيسًا للحكومة، اليوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2022، خلفًا للمستقيلة، ليز تراس.

ويأتي ذلك بعد إعلان فوز سوناك، وزير الخزانة البريطاني السابق، أمس الاثنين، بزعامة الحزب الحاكم، على إثر انسحاب منافسته زعيمة الأغلبية بمجلس العموم البريطاني، بيني موردنت، قبل الموعد النهائي للترشح.

مؤشر لافت

يسطر سوناك، صاحب الـ42 عامًا، اسمه في التاريخ، باعتباره أصغر رئيس وزراء بريطاني منذ 200 عام، وأول “ملون” وهندوسي، وأصوله غير بريطانية، يرأس حكومة المملكة المتحدة، ما عدته صحيفة “الجارديان” مؤشرًا لافتًا على تطور المجتمع البريطاني، الذي أضحى في العقود الأخيرة، أكثر تنوعًا عرقيًّا، ومتعدد الثقافات والأديان.

وعلى الرغم من وجود زيادة ملحوظة في عدد السياسيين الملونين بمناصب وزارية عليا في بريطانيا، بما في ذلك منصبي وزيري الداخلية والخارجية، فإن المملكة المتحدة لم تخضع لحكم رئيس وزراء “ملون” من قبل، وفق تقرير لـ”الجارديان“، نشر أمس الاثنين.

لحظة تاريخية

مدير مركز أبحاث المستقبل البريطاني، المعني بشؤون الهوية والعرق، ساندر كاتوالا، وصف تنصيب سوناك بأنه “لحظة تاريخية” لم تكن ممكنة قبل عقد أو عقدين، وتؤشر على أن أعلى منصب في بريطانيا بات متاحًا لأي شخص مؤهل من أي دين أو عرق.

وأضاف أن هذا الأمر “يمثل مصدر فخر لبريطانيين آسيويين، بما في ذلك أولئك الذين لا يتبنون نهج سوناك المحافظ”. واتفق معه أستاذ علم الاجتماع والسياسة العامة بجامعة بريستول، طارق مودود، قائلًا إنه بغضّ النظر عن آراء سوناك السياسية، فإن تنصيبه “لحظة تاريخية للتعددية الثقافية والمساواة العرقية”.

سوناك هندوسي

هندوسي لا يأكل لحم البقر

في حين أنه نادرًا ما يتحدث علنًا عن عقديته، فإن سوناك هندوسي لا يأكل لحم البقر، وأفصح عن ذلك في مقابلة عام 2015، قال حينها لصحيفة “بيزنس ستاندرد” الهندية: “أنا بريطاني تمامًا، (بريطانيا) بلدي وموطني، ولكن تراثي الديني والثقافي هندي، وزوجتي هندية”.

واحتفل بتسمية سوناك زعيمًا جديدًا لحزب المحافظين والحكومة البريطانية في عيد الأنوار الهندي، المعروف باسم مهرجان “ديوالي”، ذلك المهرجان الذي يحتفل خلاله ملايين الهندوس والسيخ والجاين بمختلف أنحاء العالم، بالبدايات الجديدة وانتصار الخير على الشر، والنور على الظلام.

«إيماني جزء من هويتي»

قبل عامين، عندما كان سوناك مستشار الخزانة في بريطانيا، احتفل بعيد “ديوالي” بإشعال الشموع أمام مقر إقامته، في رقم 11 داونينج ستريت. وقال لصحيفة “التايمز” البريطانية، في وقت سابق من العام الحالي، إنها “كانت إحدى أكثر اللحظات التي يفتخر بها خلال العامين الماضيين”. وأضاف أن إيمانه يمنحه قوة وهدفًا في الحياة، وأنه جزء من هويته.

وبعد الانتخابات العامة في بريطانيا عام 2017، أقسم سوناك اليمين على النص الهندوسي المقدس “بهاجافاد جيتا”. وفي مقابلة عام 2019 مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تحدث عن إمكانية المزج بين الثقافتين الهندية والبريطانية، قائلًا: “أذهب للمعبد في عطلة نهاية الأسبوع. أنا هندوسي. وأحضر مباراة نادي ساوثامبتون لكرة القدم أيضًا يوم السبت”.

أصول هندية

سوناك، الذي وصفه رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، بأنه “الجسر الحي للهنود البريطانيين”، ولد عام 1980 في مدينة ساوثهامبتون، الواقعة على الساحل الإنجليزي الجنوبي، لأبوين من أصل هندي، فرا من مستعمرات بريطانية بشرق إفريقيا قبل 6 عقود.

والده ياشفير، طبيب الأسرة المولود بكينيا، ووالدته أوشا، الصيدلانية المولودة بتنزانيا، هاجرا إلى المملكة المتحدة في الستينات. وفي تعريف بنفسه عبر موقعه الإلكتروني الرسمي، ذكر سوناك أن من أولى تجاربه بمجال الأعمال، عمله بصيدلية والدته، قائلًا: “لقد نشأت وأنا أشاهد والداي يخدمان مجتمعنا المحلي بتفانٍ”.

ريشي سوناك هنديواقعة عنصرية «محفورة في الذاكرة»

ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير أمس الاثنين، أن أجداد سوناك من البنجاب، تلك المنطقة المقسّمة بين الهند وباكستان. ورغم إقراره بأنه تعرض لقليل من العنصرية في أثناء نشأته، استذكر في المقابلة مع “بي بي سي” واقعة خلال سنوات مراهقته، لا يزال متأثرًا بها إلى الآن.

وروى أصغر رئيس وزراء بريطاني أنه عندما كان في مطعم للوجبات السريعة ببريطانيا، رفقة شقيقه الأصغر، سمع عملاء بالمطعم يشيرون إليهما بلقب عنصري. وتابع: “لقد آلمني ذلك، ولا زلت أتذكر (تلك الواقعة)، إنها محفورة في ذاكرتي”، ولكنه استبعد إمكانية تكرار الأمر الآن.

نخبوية وشعبية

ادخر والدا سوناك المال ليتمكنا من إلحاقه بكلية “وينشستر”، إحدى المدارس الداخلية الأكثر صرامة في بريطانيا. وبعد تخرجه في جامعة أكسفورد، التي درس بها الفلسفة والسياسة والاقتصاد، ثم التحاقه بجامعة ستانفورد، لنيل الماجيستير في إدارة الأعمال، مضى في تكوين ثروة من مجال التمويل، قبل أن يفوز بمقعد البرلمان البريطاني عام 2015، تمثيلًا لدائرة في يوركشاير.

وسرعان ما ترقى سوناك سياسيًّا، من نائب برلماني إلى مستشار للخزانة في العام 2020 بسن 39 عامًا، في حين تنامت شعبيته خلال جائحة كوفيد-19، خصوصًا بعد أن خصصت وزارة الخزانة المليارات لإنقاذ الوظائف ودعم البريطانيين، بحسب ما أوردته “نيويورك تايمز”.

سوناك وزوجته وابنتاه

ريشي سوناك وزوجته وابنتاه

أغنى من الملك

خلال دراسته في جامعة ستانفورد، التقى سوناك زوجته، أكشاتا مورتي، سيدة الأعمال ومصممة الأزياء المشاركة في ​​تأسيس شركة “إنفوسيس” العملاقة للتكنولوجيا، برفقة والدها أحد أثرى أثرياء الهند، إن آر نارايانا مورثي. ولدى سوناك وأكشاتا ابنتان، ويمتلكان عقارات في لندن ويوركشاير وسانتا مونيكا بكاليفورنيا.

وفي تقرير، أمس الاثنين، لقبته صحيفة “ذا كونفيرسيشن” الجنوب إفريقية بـ “أغنى رجل بمجلس العموم البريطاني على الإطلاق”، في حين تقدر ثروته بـ800 مليون دولار، أي أنها تفوق ثروة ملك بريطانيا، تشارلز الثالث، المقدرة بـ320 مليون دولار.

فضيحة الضرائب و«البطاقة الخضراء»

الصعود النيزكي لوزير المالية البريطاني السابق تراجع قليلًا، هذا العام، بعد أن كشفت تقارير عن تهرب زوجته من دفع الضرائب بموجب وضع “غير مُقيم ضريبيًّا”، مكنها من توفير ملايين الدولارات كان مُفترضًا سدادها، ما دفع لإخضاع الوضع المالي لعائلة سوناك لتدقيق شديد.

وواجه سوناك، الذي استقال من منصبه في يوليو الماضي، انتقادات بعد أن تبين أنه كان محتفظًا وهو في منصبه بالحكومة ببطاقة خضراء أمريكية، من شأنها أن توفر له إقامة دائمة بالولايات المتحدة.

ريشي سوناك......

وقت حرج

عودة سوناك، الذي عمل سابقًا محللًا ماليًّا لدى بنك الاستثمار “جولدمان ساكس”، تأتي في وقت حرج ببريطانيا، وسط أزمة تكاليف معيشة، وحزب مزقته أسابيع من عدم اليقين والفوضى بين المحافظين، تحت مظلة تراس، فضلًا عن تصاعد أزمة الطاقة، التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة.

ويقول مؤيدو سوناك إن بريطانيا تحت مظلته “ستكون في أيدٍ أمينة”، متوقعين أن يتمكن من استعادة ثقة المستثمرين، الذين باعوا سندات وجنيهات إسترلينية، هربًا من برنامج تراس الاقتصادي، الذي شمل تخفيضات ضريبية. في المقابل، يلقي منتقدون باللوم عليه في إزاحة بوريس جونسون، مشككين في نزاهة التصويت بالانتخابات، وفق قناة “فرانس 24“.

جونسون وتراس وسوناك صورة مركبة

مخاوف وشكوك

يخشى منتقدو سوناك من أنه سيعجز عن لم شمل حزب المحافظين، المنقسم بشدة، خصوصًا أنه اعتاد إزاحة أي رئيس وزراء لا يفضله. ونقلت “فرانس 24” عن نائب بحزب المحافظين، اشترط عدم كشف هويته، قوله: “لم يستطع (سوناك) هزيمة ليز تراس، الشهر الماضي. ولم يصبح فائزًا في الانتخابات (التي جرت) بعد أقل من شهرين”.

وفي حين وعد سوناك بجعل المملكة المتحدة “أكثر حرية وعدلًا وازدهارًا”، يشكك محافظون في التزامه برؤية مماثلة لرؤية رئيسة الوزراء السابقة، مارجريت تاتشر، لتحفيز النمو، خاصة بعد أن قادت خططه بريطانيا نحو أعلى عبء ضريبي منذ خمسينات القرن الماضي، بنفقات طارئة على توفير وظائف وخدمات رعاية اجتماعية، خلال وباء فيروس كورونا.

ربما يعجبك أيضا