زهرة الأقحوان تصنع ذبابًا مزيفًا.. علماء النبات يكشفون عن الطريقة

بسام عباس
ذبابة حقيقية وأخرى مزيفة على الأقحوان الجنوب إفريقي

كشف علماء النبات أن زهرة الأقحوان الجنوب إفريقي طورت آلية تصنع بها ذبابة زائفة لجذب حشرات التلقيح إلى رحيقها.


جمعت زهرة الأقحوان الجنوب إفريقي بين ثلاث مجموعات من الجينات لتحقق تطورًا مذهلًا، وتصبح أحد أسياد الخداع بين الزهور.

وأفادت دراسة حديثة أن هذه الزهرة العجيبة استطاعت صنع ذبابة زائفة، تجذب بها ذكور الذباب لتمكث على بتلاتها أطول وقت ممكن لتنقل حبوب لقاحها إلى الزهور الأخرى.

تقليد الحشرات

أوضح موقع “ساينس أليرت” العلمي أن زهور الأوركيد هي أكثر الأزهار شهرة في تقليد الحشرات، ويمكنها أن تفرز رائحة لا تقاوم لذكور الحشرات، التي تهبط على الزهرة في رحلة قصيرة بين بتلاتها ثم تتركها محملة بحبوب اللقاح لتنقلها إلى أزهار أخرى.

وأضاف الموقع في تقرير نشره السبت 25 مارس 2023، أن زهرة الأوركيد طورت هذه السمة منذ زمن بعيد، وبنجاح منقطع النظير، لم يكن لأي منها أن يستمر بدون هذه السمات الفريدة.

منافس جديد

قال الموقع، نقلًا عن مجلة “current biology” إن زهرة أخرى طورت من سماتها لتصبح منافسة للأروكيد، ما حدا بالعلماء لدراسة الأقحوان الجنوب إفريقي (Gorteria diffusa)، أو الجورتيريا، الذي طور عملية التقليد الجنسي الجذاب مؤخرًا، مع أنه لا يتطابق مع أي زهور من الأنواع الأخرى.

وأضاف أن لون بتلات زهرة الأقحوان هذه تتراوح من الأصفر الباهت إلى الأحمر البرتقالي الساطع، وبعضها به بقع تشكل دائرة حول مركز الزهرة، ويختلف مظهر هذه الأزهار اختلافًا كبيرًا، وفي بعض الأحيان، تتحول البقع إلى نتوءات خضراء-سوداء، تبدو تمامًا مثل ذبابة رفيقة لها، تنتظر بتلاتها بإغراء.

وأوضح أن علماء النبات أجروا مؤخرًا دراسة رسموا فيها خريطة لتطور الميزات المتنوعة لهذا النوع لتحديد تاريخ تطور السمات لتبلغ ذروتها في مثل هذا الخداع المقنع، فكشفت اللون أولًا، ثم تحديد المواقع العشوائية، ثم النسيج.

زهرة الأقحوان تظهر تباينًا كبيرًا

زهرة الأقحوان تظهر تباينًا كبيرًا

تطور جيني استراتيجي

أفاد الموقع العلمي أن الدراسة الجديدة، التي قادها عالم الأحياء التطوري بجامعة كامبريدج، رومان كلينبرجر، بحثت في كيفية تطور هذه الزهرة، وكيف أن ثلاث مجموعات من الجينات، لم يكن لها علاقة سابقة بجذب الذباب، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الجذابة.

وقالت عالمة الأحياء النباتية بجامعة كامبريدج، بيفرلي جلوفر، إن هذا الأقحوان لم يطور جينًا جديدًا ليصنع ذبابة زائفة، بل جمع الجينات الموجودة، التي تنفذ أشياء أخرى في أجزاء مختلفة من النبات، لتكوين بقعة معقدة على البتلات لتخدع بها ذكور الذباب.

دور جديد لكل جين

أوضحت الدراسة أن أحد هذه الجينات ينقل الحديد حول النبات، والآخر يجعل شعر الجذر ينمو، والثالث يتحكم في تكوين الزهور، فالجينات التي تنقل الحديد تصنع بقعًا توجه الملقحات إلى مركز الزهرة للحصول على مكافأة الرحيق، وهي استراتيجية تلقيح مجربة وحقيقية اعتمدت عليها الأزهار قبل ظهور التقليد الجنسي.

وأضافت أن مزيج الأصباغ الناتجة، الكاروتينات، التي تصنع اللون الأصفر البرتقالي، والأزرق البنفسجي الغامق للأنثوسيانين، هو صبغة سوداء زرقاء وخضراء، وهو اللون الدقيق الذي نربطه بدرع الذبابة.

وأوضحت أن الزهرة أعادت توجيه مجموعة من الجينات التي تشارك في الحد من إنتاج الزهور بعد ذلك، لتصبح “مفتاح إيقاف” للبقع التوجيهية للرحيق، ما يجعل “الذباب الزائف” يظهر في مواضع عشوائية على البتلات.

تطوير الزهور المرقطة

كشفت الدراسة عن أن التسلسل الجيني الذي يشارك في إنتاج شعر جذر النبات عادةً ما يكون مسؤولًا عن إضافة الحيوية إلى الخدعة، ما يتسبب في الشكل والملمس ثلاثي الأبعاد لبقع البتلات الشبيهة بالذبابة في زهرة الأقحوان.

وينتج هذا الجين بروتين (EXPA)، الذي يريح جدران الخلايا النباتية الصلبة، ما يؤدي إلى تمدد خلايا البتلة، كما يعمل هذا البروتين على تمدد الشعر الموجود، ما يعطي قوامه السطحي.

وأوضحت الدراسة أن هذا الجين كان عاطلًا تمامًا عن العمل في نمو الأوراق والزهور غير المرقطة، ولكنه كان متوسط النشاط في تطوير الجذور، وشديد النشاط في تطوير الزهور المرقطة.

صورة مجهرية لمنطقة الذبابة الزائفة

صورة مجهرية لمنطقة الذبابة الزائفة

ذبابة ثلاثية الأبعاد

كشف الباحثون أن هذا الجين يعمل على “تضخيم” ما يمكن أن يكون أشبه بنموذج من الورق المقوى لأنثى الذبابة، إضافة إلى أنه ينشط فقط في بتلات الزهور الأكثر جاذبية، بل يتراجع نشاطه في البتلات عديمة البقع أو النتوءات.

ومن جانبه، قال كلينبرجر إن ذكور الذباب لا تمكث طويلًا على الزهور ذات البقع البسيطة، ولأنهم خدعوا بهذا الذباب المزيف، فهم يقضون وقتًا إضافيًّا في محاولة التزاوج، ويفركون المزيد من حبوب اللقاح على الزهرة، ما يساعد على تلقيحها، وهو ما يمكن أن نتوقعه مع هذه الترقية ثلاثية الأبعاد.

ربما يعجبك أيضا