زيارة تاريخية لبابا الفاتيكان لأرض التسامح وحوار الأديان

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تعد هذه الزيارة الأولى لبابا الفاتيكان لدولة الإمارات، والأولى من نوعها  لشبه الجزيرة العربية، كما أنها ستكون المرة الأولى التي يقام فيها قداس كاثوليكي في مكان عام مفتوح بدولة الإمارات التي تتكون من غالبية مُسلمة، حيث تهدف زيارة البابا لتوطيد العلاقات مع القيادات المسلمة، لا سيما بعد لقائه بمجلس حكماء المسلمين وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وتهدف زيارة البابا أيضًا للترحيب بالمهاجرين حيث تشكل العمالة الوافدة الشريحة الأكبر من سكان الإمارات، والتي تعد نموذجًا للعيش المشترك بين الثقافات المختلفة، وهو نموذج يسعى البابا لتطبيقه في كل أنحاء العالم.

حوار الأديان

تأتي زيارة البابا فرنسيس لدولة الإمارات لتساهم في تبديد سوء الفهم العالمي الحاصل لظاهرة الإرهاب وربطها بالدين الإسلامي من قبل البعض، بحسب رأي بعض المفكرين والمُثقفين.

وفي إطار تعزيز إطلاق الحوار بين الأديان، يعقد البابا فرنسيس خلال زيارته، اجتماعًا مُغلقا مع أعضاء مجلس حكماء المسلمين في جامع الشيخ زايد الكبير وهو أكبر مسجد في الدولة.

ويهدف الاجتماع بين رمز الفاتيكان وأعضاء مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، ورموز الإمارات الدينية والسياسية، لإنقاذ الدين من الأعمال الإرهابية، والنهوض بالإنسانية عبر النظر إلى الدين كعامل للمودة والإخاء.

وخلال الزيارة يلتقي البابا بشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، الذي توترت علاقته في السابق بالبابا بينديكت السادس عشر بسبب تصريحاته المُسيئة عن الإسلام، إلا أن البابا فرنسيس حاول إصلاح تلك العلاقات والتقى بشيخ الأزهر في ثلاث مناسبات لمحاربة التطرف وإرساء السلام.

وتزامنًا مع زيارة البابا، أطلق وزير التسامح الإماراتي المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، حيث ينظم المؤتمر مجلس حكماء المسلمين بمشاركة قيادات دينية وشخصيات فكرية وإعلامية من مختلف دول العالم، بهدف تفعيل الحوار حول التعايش والتآخي بين البشر وأهميته ومنطلقاته وسبل تعزيزه عالميًا.

فعاليات كاثوليكية

وبحسب ما نقلته “وكالة الأنباء الإماراتية” تشتمل الفعاليات المصاحبة للزيارة، على إقامة قداس بابوي شعبي يحيه قداسة البابا فرنسيس؛ ويتوقع أن يحضره نحو 135 ألف شخصًا، في استاد مدينة زايد الرياضية في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

وفي هذا السياق، أبدى عدد من أبناء الجالية المسيحية المقيمة في الدولة عن فخرهم وسعادتهم بإقامة هذا القداس التاريخي للبابا فرانسيس في أبوظبي، وأكدوا أن هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا بمثابة رسالة محبة من العالم للإمارات وتقديرًا لدورها الرائد في تعزيز الحوار بين الأديان ونشر التسامح والسلام في ربوع العالم.

ويشكل المسيحيون الآن ما يقدر بنحو 12.6% من سكان الإمارات ، وهذا الرقم يرتفع مع كل موجة جديدة من المهاجرين من الفلبين وسريلانكا وأماكن أخرى، حيث يحتفل المسيحيون في الإمارات العربية المتحدة بعيد الميلاد وعيد الفصح. وقد تبرعت العائلة الحاكمة بالأرض لبناء الكنائس، وفي الـ 12عامًا الماضية تضاعف عدد الكنائس المسيحية الإماراتية إلى 40 – وهو أكبر عدد في مجلس التعاون الخليجي.

ويعود تاريخ اكتشاف أول دير وكنيسة في منطقة بجزيرة صير بني ياس إلى الفترة ما بين القرنين السابع والثامن للميلاد، بينما يعود تاريخ اكتشاف أقدم مسجد في الإمارات بمدينة العين إلى أكثر من ألف سنة، لتعكس هذه الدلائل التاريخية كيف ظلت الإمارات ساحة للتعايش والتسامح منذ القدم.

عاصمة التسامح

تأتي زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية في سياق زمني ومكاني بالغ الأهمية، فأبو ظبي، باعتبارها عاصمة التسامح في 2019، تتوج عدة مبادرات قامت بها في السابق مثل “هداية” ومركز “صواب” ومنتدى تعزيز السلم ومجلس حكماء المسلمين.

والهدف من هذه المبادرات، تحصين الشباب المسلم وحمايته من الوقوع في شرك الغلو والتطرف، وذلك من خلال دعم الخطاب الإسلامي المعتدل لرأب الصدع الحاصل بسبب الحروب والفهم الخاطئ للدين.

وتأتي الزيارة في زمن تسعى فيه بعض الجماعات لتوظيف الدين لأغراض سياسية تمليها عليها أجندات خارجية، ساهمت في تنامي الإسلاموفوبيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، علي النعيمي، فإن المطلوب في اللحظة الراهنة هو طي صفحة الماضي بما فيها من مآس وآلام والتركيز على الحاضر والمستقبل، وأضاف أن ما قامت به دولة الإمارات هو أنها لم تنتظر الآخرين حتى يبادروا، بل أخذت زمام المبادرة وفتحت آفاقا للجميع.

وفي هذه الزيارة، تمثل الإمارات حجر الزاوية في إعادة حوار الأديان، بعدما ضربت المثل  بقرارين، الأول إنشاء وزارة التسامح، والثاني قانون (تجريم الكراهية) لتجريم ازدراء الأديان.

ولم تتوقف أفعال الإمارات الداعمة لتعزيز الحوار بين الأديان داخليًا بل تعدت حدودها، وذلك من خلال المساعدات التي قدمتها لعدد كبير من المسيحيين المهجرين من الموصل ونينوى عبر الهلال الأحمر الإماراتي.

ربما يعجبك أيضا